الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حكاية أول فتاة مصرية تحصل على البكالوريا ثم تصبح ناظرة مدرسة وقت أن كان تعليم البنات «عيب»

نبوية موسى
نبوية موسى

التعليم زمان كان مليئا بالعديد من الحكايات والمحطات اللامعة التي تستحق أن يتم إلقاء الضوء عليها، لنقل ملامح هذا الزمن الجميل بكل ما فيه من دروس وعبر وأخلاقيات تربوية وأصول تعليمية إلى الأجيال الجديدة التي لا تعرف عن التعليم في مصر إلا الدروس الخصوصية والغش في الامتحانات.

وقد قرر موقع "صدى البلد" تنظيم حلقات للبحث في زمن التعليم الجميل والتعرف على أبرز حكاياته كنوع من النوستالجيا والحنين إلى الماضي، لمحاولة استعادة روح هذا الزمن المميز أخلاقيا وتعليميا وتربويا.

ففي هذا التقرير مثلا، يسرد موقع "صدى البلد" حكاية نبوية موسى، أول فتاة مصرية تحصل على شهادة البكالوريا في زمن كان تعليم البنات فيه "عيب"، وأول ناظرة مصرية لمدرسة ابتدائية، نعم إنها نبوية موسى التي حاربت حتى صارت من رائدات العمل الوطني وتحرير المرأة والحركات النسائية المصرية القرن الماضي.

بدأت حكاية نبوية موسى مع التعليم من طفولتها، حيث ساعدها شقيقها في بداية طفولتها على تعلم القراءة والكتابة في المنزل، فتعلمت نبوية موسى مبادئ القراءة والكتابة، وعلمت نفسها مبادئ الحساب، وعلمها أخوها اللغة الإنجليزية، عن طريق محاكاة النصوص المكتوبة. 

ولما بلغت نبوية الثالثة عشرة من عمرها تطلعت لاستكمال تعليمها، غير أنها لم تجد أي مساندة من عائلتها عند اتخاذها هذا القرار لأن تعليم البنات كان أمرا غير مسبوق في ذلك الوقت، وجاء بعض من ردود كبار العائلة لنبوية صادمة ومنها: "عيب، مش أصول بنات العائلات، سفور وقلة حياء"، وقال لها عمها: "البنت للغزل مش للخط".

ورغم ذلك، تقدمت نبوية موسى للالتحاق بالمدرسة السنية للبنات بالرغم من معارضة أسرتها، حيث ذهبت نبوية سرًا إلى المدرسة، متخفية في ملابس خادمة، وسعت لاستكمال مصاريف الالتحاق بمدرسة السنية بالقاهرة عام 1901، بعد أن كانت ابتاعت سوارًا لها لتقدمه مصاريفًا دراسية بالقسم الخارجي بالمدرسة، وبلغت المصاريف وقتها "سبعة جنيهات ونصف دفعة واحدة".

من الطريف أن كلا من محمود فهمي النقراشي (باشا)، وعباس محمود العقاد كانا بين زملائها في الدفعة، وقد تقدمت نبوية موسى عليهما في مادة اللغة العربية؛ حيث حصلت على 27 درجة في حين حصل الأول على 21.5 درجة، والثاني حصل على 26 درجة.

 وقد كانت نبوية موسى من العشرة الأوائل وسط 250 طالبا في القطر المصري أغلبهم من الرجال.

 وفي هذا العام، نجحت أربع فتيات فقط، ثم التحقت نبوية بالسنة الأولى في مدرسة معلمات السنية، وفي عام 1906 حصلت على دبلوم المعلمات ثم عينت مدرسة لغة عربية في مدرسة عباس الأول الأميرية.

ولأن مرتب المعلمة الحاصلة على دبلوم المعلمات السنية كان ستة جنيهات مصرية في الوقت الذي يعين فيه خريج المعلمين العليا من الرجال بمرتب اثني عشر جنيهًا، احتجت لدى المعارف فأجابتها بأن سبب التفرقة هو أن متخرجي المعلمين العليا حاصلون على شهادة البكالوريا «الثانوية العامة».

وهنا عقدت نبوية موسى العزم على أن تحصل على هذه الشهادة، واستعدت لها بمجهود ذاتي فلم يكن في مصر آنذاك مدارس ثانوية للبنات، وتقدمت لهذا الامتحان متحدية مستشار التعليم الإنجليزي دانلوب، فأثارت ضجة في وزارة المعارف بإعتبارها أول فتاة في مصر تجرؤ على التقدم لهذه الشهادة. 

وفي نهاية المطاف، نجحت نبوية في الامتحان وحصلت على شهادة البكالوريا عام 1907 وكان لنجاحها ضجة كبرى، ثم حصلت على دبلوم المعلمات عام 1908.

وفي هذه الفترة، بدأت نبوية تكتب المقالات الصحفية وتنشرها بعض الصحف المصرية مثل مصر الفتاة والجريدة، تناولت خلالها قضايا تعليمية واجتماعية وأدبية، كما ألفت كتابًا مدرسيًا بعنوان "ثمرة الحياة في تعليم الفتاة"، قررته نظارة المعارف للمطالعة العربية في مدارسها. 

وفي عام 1909، تولت نبوية نظارة المدرسة المحمدية الابتدائية للبنات بالفيوم، وبذلك أصبحت أول ناظرة مصرية لمدرسة ابتدائية. 

ونجحت نبوية موسى في نشر تعليم البنات في الفيوم؛ فزاد الإقبال على المدرسة، وبعد ثمانية أشهر من العمل تعرضت لمتاعب ممن ينظرون إلي المرأة المتعلمة نظرة متدنية؛ فرشحها أحمد لطفي السيد ناظرة لمدرسة معلمات المنصورة، وهناك نهضت نبوية بالمدرسة نهضة كبيرة حتى حازت المركز الأول في امتحان كفاءة المعلمات الأولية، كما انتدبت الجامعة الأهلية المصرية عقب افتتاحها عام 1908م نبوية موسى مع ملك حفني ناصف ولبيبة هاشم لإلقاء محاضرات بالجامعة تهتم بتثقيف نساء الطبقة الراقية.

دعت نبوية موسى إلى تشجيع التعليم الأهلي للبنات؛ لأن الأمة لا تنتج إلا إذا كانت نشيطة عاملة، ولا تكون نشيطة مادام نصفها أشل لا حياة فيه، فهو بمعزل عن أعمال الدنيا. 

وأصبحت نبوية موسى من أصحاب المدارس الأهلية عام 1920، وعُرفت مدرستها باسم مدرسة البنات الأشراف، وأصبح لها سمعة وشهرة كبيرة، وأصبحت مصروفاتها أكثر من مصروفات المدارس الأميرية وزاد الإقبال عليها. 

ثم قررت نبوية موسى أن تمد نشاطها من الإسكندرية إلى القاهرة، وكان لها مبنى مناسب في شارع العباسية ووسعت من هذا المبنى وجعلته لائقًا وزودته بالأدوات التعليمية اللازمة، وبذلك أصبحت مدارس بنات الأشراف في الإسكندرية والقاهرة من أكبر المدارس الأهلية الحرة للبنات في مصر آنذاك. 

وطالبت نبوية موسى بتوحيد مناهج التعليم لكل من البنين والبنات، لأن المرأة كالرجل عقلًا وذكاءً، فما يصح في تنمية عقله يصح أن ينمي عقل المرأة، ويرى إدراكها عند غرس المعارف العمومية وتربية إدراك الأطفال، ولا بأس بعد ذلك أن يستعد كل منهم لعمله الخاص.

واهتمت نبوية اهتمامًا خاصًا برياض الأطفال، ودعت إلى الاهتمام بأدب الأطفال، مؤكدة أن المطالعة لها تأثيرها الحسن في الأخلاق والمعارف، ولهذا كان أفضل المدارس ما اجتهد معلموها في تنمية حب المطالعة والبحث في نفوس الأطفال، ليستفيدوا إذا كبروا ما يغرس في نفوس التلاميذ في حب المطالعة والكتب والولوع بالبحث والكشف عن الحقيقة.