الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

عدو خفي أم حليف جديد.. فيروس كورونا ينقذ ميركل في اللحظة الأخيرة.. والأزمة تتوج مشواراً سياسياً طويلاً وناجحاً بانتصار مذهل

المستشارة الألمانية
المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل

  • خطاب كورونا كان الوحيد خارج جدول ميركل طوال 15 عامًا في السلطة
  • %80 - %90 من الشعب الألماني يثق في إدارة ميركل لأزمة كورونا
  • نية ميركل للتقاعد ساهم في استجابتها للأزمة على نحو صحيح
  • المنظومة الصحية الألمانية صمدت للضغوط أكثر من مثيلاتها في دول أوروبا

لا تميل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى إلقاء الخطابات الرنانة؛ فهي عادة ما توجه إلى الشعب الألماني خطابًا واحدًا سنويًا، يكون مسجلًا ويُبث عبر التلفاز، وحين قررت إلقاء خطاب استثنائي حول فيروس كورونا في مارس الماضي كانت تلك المرة الأولى التي تلقي فيها ميركل خطابًا خارج جدول أعمالها طوال 15 عامًا قضتها في السلطة.

وبحسب قناة "سي إن إن" الأمريكية، كان خطاب ميركل موفقًا إلى حد بعيد، إذ طرحت خلاله الحقائق القاسية حول فيروس كورونا دون مواربة، وبثت في الوقت ذاته جرعة محسوسة من التضامن، وأشارت إلى أصولها الألمانية الشرقية في معرض تأكيدها على إدراكها لما يعنيه تقييد الحركة (إبان العهد الشيوعي)، ولكنها شرحت بكفاءة لماذا كان فرض إجراءات الإغلاق والحظر ضروريًا لمكافحة الوباء.

وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة هومبولت الألمانية فولفجانج ميركل (وهو لا يقرب للمستشارة الألمانية) إن "ميركل ليست خطيبة مفوهة، لكن رسالتها الهادئة للأمة الألمانية ساهمت في نشر شعور بالثقة لدى الشعب، وأظهرت استطلاعات الرأي أن ما بين 80% – 90% من الشعب الألماني يثق في إدارة ميركل للأزمة.

وأضاف ميركل "أنا لست من مؤيدي حكومة ميركل، لكنها نجحت بجدارة في احتواء الأزمة، خاصة بالمقارنة مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، اللتين تبدوان نموذجين للفشل".

لقد كانت أزمة فيروس كورونا نقطة تحول كبرى بالنسبة لميركل، التي بدأت العام الحالي وهي أشبه ببطة سياسية عرجاء، إذ تعرضت سياستها الخاصة بفتح الأبواب لاستقبال المهاجرين على انتقادات حادة، وشهد حزبها انقسامات عميقة وانقلاب حلفاء تقليديين ضدها، وخسرت جزءًا لا بأس به من شعبيتها أمام خصومها ومنافسيها من الأحزاب الأخرى.

وكان نجم ميركل في طريقه إلى أفول مؤكد، إذ أعلنت أنها ستتقاعد خارج السياسة عام 2021، وهي كذلك لم تعد زعيمة حزبها الاتحاد الديمقراطي المسيحي، بل إن حالتها الصحية أصبحت محل تساؤلات وتكهنات عديدة، بعدما ضبطتها كاميرات الإعلام أكثر من مرة ترتجف ولا تقوى على الوقوف. لكن كل ذلك تبدل فجأة مع أزمة فيروس كورونا، وعادت ميركل بقوة إلى واجهة القيادة.

ونقلت القناة عن أستاذة العلوم السياسية أندريا رومل قولها إن "ميركل عادت بقوة إلى الحياة، ليس فقط في ألمانيا وإنما بالنسبة للعالم كله، فللمرة الأولى منذ 150 عامًا يواجه العالم أزمة كبرى ولا يتطلع إلى الولايات المتحدة لقيادته، وإنما يتطلع إلى ميركل. سوف يتذكرها التاريخ كمديرة أزمات حقيقية، فمتى حدثت أي أزمة أدارتها على أفضل نحو".

وتابعت القناة أن شعبية ميركل شهدت صعودًا صاروخيًا خلال أزمة فيروس كورونا، حتى تخطت شعبية جميع شركائها في الائتلاف الحاكم، وبدا الأمر وكأن فيروس كورونا جاء خصيصًا لينقذ إرث ميركل وتاريخها السياسي الناصع.

وأعلنت ميركل الأربعاء الماضي خطة لتخفيف إجراءات الحظر والإغلاق جزئيًا، وإن شددت على ضرورة الحذر كي لا تخرج الأمور عن السيطرة، ولم تتردد في المصارحة بأن المرحلة الأولى من انتشار الوباء في ألمانيا قد مرت، ولكن البلاد لا تزال في بداية الأزمة مع ذلك.

وبإدارة ميركل أصبحت ألمانيا مثار إعجاب وإشادة العالم بالطريقة التي عالجت بها أزمة فيروس كورونا، ولم تكن إدارة ميركل الهادئة والواثقة للأزمة هي ما وضعتها في مقارنة كاشفة مع نظرائها من قادة دول أوروبا والعالم، وإنما هي الأرقام تتحدث عن نفسها، فمعدل الوفيات بفيروس كورونا في ألمانيا ظل منخفضًا بالمقارنة مع جيرانها من الدول الأوروبية، وظلت منظومتها الطبية المدعومة بقوة أكثر قدرة على تحمل ضغط عدد المصابين الضخم من مثيلاتها لدى الدول المجاورة.

وأكد عالم السياسة الألماني المرموق جيرو نيجيباور أن خلفية ميركل العلمية – كباحثة كيميائية – شكلت استجابتها للأزمة وأضافت إلى رصيد الثقة فيها، مضيفًا "إنها أكثر حذرًا وتؤسس استجابتها على ما تعرفه من كيفية اشتغال العلم، ولم تهتم بتلميع صورتها من اجل الانتخابات المقبلة بقدر ما اهتمت بالتصرف على النحو الصحيح".

وربما ساهمت نية ميركل للتقاعد عما قريب في إيلائها الأولوية لاتخاذ القرارات الصحيحة بغض النظر عن مدى مقبوليتها شعبيًا، بعكس قادة آخرين مثل رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والأمريكي دونالد ترامب، الذين يخططون جميعًا لخوض معارك انتخابية مقبلة لتجديد ولاياتهم في السلطة.

لقد أعادت أزمة فيروس كورونا إلى ألمانيا ثقلًا دوليًا معتبرًا، فيما تستعد لتسلم رئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي في يوليو المقبل، ما يعني أن المستشارة الألمانية ستدير اجتماعات حاسمة بين القادة الأوروبيين وستمثل القارة عالميًا، لا سيما وأن الرئيسة الحالية للمفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين هي حليفة قديمة لميركل.