الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. غادة حمادة تكتب: مسلسل الاختيار

صدى البلد

"مسلسل الاختيار" الوحيد في رمضان... الذي كان تجسيدا للواقع... وليس عملا دراميا من إبداع مؤلفه... سرد علينا الواقع كما هو... حتي لو كان مؤلما... نعم كان واقعا تعايشنا معه لسنين ولازلنا... ولكن لم نكن نتصور انه بهذه القسوة والالم حين رأيناه علي الشاشة... مسلسل وثائقي كتب ببراعة وأخرج بإتقان.


وظهر فيه جليا تقصي كاتبه ومخرجه أدق التفاصيل الحقيقية من لسان شاهدي العيان والابطال الحقيقيين... فتحول ابطاله لشخصيات واقعية نتعايش معها... نراها ونندمج فيها ونتألم من اجلها... نحبها ونكرهها... نقبلها ونرفضها... كل حسب رؤيته وتوجهه... ولم يسعَ كاتبه لتجميل فريق علي حساب آخر.. او جعل فردا ملائكيا والاخر شيطانيا... ولكن كل بما سطر في حياته.


مسلسل الاختيار استطاع بإبداع ان يضع الواقع امامنا بكل تناقضاته كما حدث وبدون زيادة او نقصان او تجميل... حتي وإن لم يرضنا... المسلسل الوحيد الذي نعرف أحداثه سلفا... ومع ذلك يزيدنا شغفا لمتابعته... نعرف جميعا من قتل ومن استشهد ومن قبض عليه وحوكم... ولكن زاد اصرارنا علي المتابعة لنري مزيدا من التفاصيل... المسلسل الوحيد الذي لم يستطع مؤلفه ان يغير النهاية بناء علي رغبة المشاهدين.


حرب اكتوبر بكل بطولاتها وامجادها لم يستطع اي عمل درامي تصويرها بشكل لائق... ولكن هذا العمل قدم لنا جزءا من الحرب الشاملة ضد الارهاب في سيناء كما حدثت... لدرجة انه اختلط علينا الامر في مشاهد كثيرة... هل هي مشاهد من الحرب الحقيقية التي أذاع بعض مقتطفاتها المتحدث العسكري... أم هي من إخراجات داعش التي صورتها في عملياتها الارهابية... أم هي من ابداع المخرج المتميز بيتر ميمي... وذلك دليل قوي علي مقدرة المخرج علي محاكاة الواقع.


المسلسل وصف الحقيقة بكل تفاصيلها

أظهر حقيقة التكفيريين الارهابيين فيما يعتقدونه وما يدافعون عنه... أظهر مبررات كل فرد فيه وعقيدته ورؤيته كما رأيناها منهم في الحقيقة... وحسب مبررات كل واحد للانضمام لتلك التنظيمات... فمنهم المؤمن الحقيقي بالفكر التكفيري الكاره للمجتمع الساعي لمحاربته... ومنهم المستفيد من هذا الفكر ويضعه ستارا إما لغسل جرائمه وذنوبه السابقة او ليشفي امراضه واحقاده النفسية ليحقق مكاسب شخصية... فتجد بينهم المتيقن والفاشل والحاقد والناقص والمغيب والمفسد والممول والمجرم اصحاب السوابق.


استطاع المسلسل ان يقدم رجال الجيش بكل أفراده بمنتهي الحرفية... من المجند المستجد الذي لم يصوغ رؤيته ودوره العسكري بعد... للمجند المدرب المخضرم المؤمن بعقيدته... للضابط الذي يطبق عقيدته العسكرية في الدفاع عن الارض والوطن والدين... للقيادة العامة واستراتيجيتها في تلك المعركة... أنصف رجال الجيش واخرس جميع الالسنة التي طالما طالته اما بالسخرية او النقد او الاتهام او التكفير... اظهر لنا هذه الحرب الشرسة التي يقودها مجموعة من التكفيريين في تنظيمات تقود حرب عصابات متخفية ضد جيش نظامي..


كما أظهر الدولة ورؤيتها من الفكر التكفيري وموقفها من ابن تيمية الاب الروحي لفتاوي التكفيريين... قد نتفق او نختلف مع هذي الرؤي... ولكنها الواقع الذي نعيشه والذي لا يمكن تغييره... حيث تم عرض أربع رؤي في المسلسل... رؤية الازهر التقليدية الرسمية والتي تبرئ ابن تيمية من ربطه بالارهاب المتمثل في الشيخ رمضان عبد المعز وربط فتاويه بتاريخها الزماني والمكاني والبيئي..وبين رؤية رجل الشارع المؤمن بطبعه المتمثل في جار المنسي... الذي يتهم التكفيريين بالتدليس واساءة استخدام فكره... وبين رؤية الشيخ الازهري المتنور الذي تقابل مع الضابط في مدينته وجاوبه بصراحة عن رأيه في مسمي التكفير والطواغيت... ثم اخيرا رؤية الدولة الرسمية في مشهد ضابط التحقيقات في بشرية ابن تيمية والذي يجتهد فيخطئ ويصيب كأي إنسان... وأن الله هو الحق المطلق... والرسول الكريم لم يرفع السلاح الا لحماية الاختيار وليس لفرضه.


وأظهر لنا المسلسل بمنتهي الدقة الوضع في سيناء... واهلها... بين متعاون مع التكفيريين اما فكرا او لتحقيق مصلحة مشتركة... وبين المواطن المغلوب علي امره الذي يستخدمه التكفيريون كدروع بشرية والاختباء في وسطهم... وبين السيناوي الوطني المتعاون مع جيش بلده اما بتقديم المعلومات او بالمشاركة الفعلية في المداهمات والارشاد عن التكفيريين والتضحيه بحياته من اجل ما يؤمن به... واظهر حرص الدولة الكبير علي حماية المدنيين من الايذاء او الاستقطاب من تلك الجماعات.
  

مسلسل الاختيار جسد الصراع بين الخير والشر بكل تشعباته... وبالتأكيد اغلب الاعمال الدرامية ترنا الي نصرة الخير حتي تكسب تأييد المشاهد ورضاه... ولكن هذا المسلسل الوحيد الذي نصر الخير بدون رؤية من الكاتب..


وتمثل الخير في شخصية العقيد أحمد منسي ضابط الصاعقة وقائد الكتيبة 103 التي استهدفتها العناصر التكفيرية في مربع البرث... وبرع امير كرارة في الاقتراب الفعلي من شخصيته الحقيقية كما روتها زوجته وزملاؤه وقادته وكل من عرفه... الانسان والاب والصديق والزوج والرجل العسكري المجتهد الشجاع الذي لا يهاب الموت... والذي سعي بمنتهي الشغف والايمان للشهادة في سبيل حماية الوطن الذي عشق ترابه.


وحقيقة الشر تمثلت في شخصية الخائن التكفيري عشماوي ورفاقه... والذي تمت استمالته فكريا لعقيدة التكفير... فقادته الي الانضمام للكيانات الارهابية ليحقق زعامات فشل في تحقيقها فعليا حين كان ضابطا بالجيش... استطاع في مسيرته تحقيق بعض النجاحات التي كان ثمنها باهظا من ارواح رجالنا... ولكنه نصر قصير الامد... واستطاع احمد العوضي تجسيد شخصية عشماوي بما يجول فيها من الشر والتخبط والتذبذب النفسي والسعي للزعامة وعدم اليقين الفعلي بما يردده من فكر... والذي انتهي به ليعلق علي حبل المشنقة قصاصا علي جرائمه.


ومع فداحة الخسائر... وكثرة اعداد الشهداء... استطاع الخير في الحقيقة ان ينتصر... مع ان مع استشهاد منسي ورفاقه قد يعتقد البعض ان الشر قد انتصر... ولكن رسالة المنسي لم تمت... وعادت الحياة للمنسي في قلوب المشاهدين... وأخذوا منه الشعلة... وأيقظ في قلوب المصريين روعة الانتماء لهذه الارض وشرف الدفاع عنها... لدرجة ان كل مشاهد... صغر سنه او كبر... تمني ان يكون مكانه اما لينقذه او ليقف موقفه في معركة الشرف..


تحية لكل من شارك في هذا العمل العظيم... الذي جعل الاختيار منهجا وأسلوب حياه... وأصبح المنسي رمزا وفكرة واختيارا لا يموت في نفوس الشرفاء.


وداعا للمنسي ورفاقه وسلاما لكل روح طيبة ذهبت لخالقها فداء لوطن احبه الجميع وأحاط ثراه أجسادهم الطاهرة.

وتحيا مصر.