الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هدير الذبيدي تكتب: الفكر الواهم

صدى البلد

تلكَ اللحظةُ التي تدورُ عندها صراعاتُك الداخليةُ، تأتي جميعُ أفكارِكَ لتتجمعَ في بؤرةٍ واحدةٍ داخلَ عقلِكَ، شعورُ التشتتِ الفكري مريبٌ لأبعدِ الحدودِ، بل يلازمُكَ أيضًا صراعُكَ النفسي والهروبُ من الذاتِ، كلُّ ذلكَ يُفضي بكَ في النهايةِ إلى وحدةٍ مؤلمةٍ، تخرجُ عن ذاتِكَ وتبتعدُ كلَّ البعدِ عن طموحِكَ، فقد انطفأَ شغفُكَ وأمسيتَ بعزيمةٍ مُثبطَةٍ، أصبحَ شعاعُ حُلمِكَ يشرقُ من الاتجاهِ المعاكسِ لرغباتِكَ الداخليةِ، 
كلُّ ما أنتَ قادرٌ على فعلِهِ هو الشرودُ داخلَ تلكَ الوحدةِ العمياءِ، تتخبطُ داخلَ مسارِ هذه المتاهةِ التي لا نهايةَ لها على الإطلاقِ،
 
فقطْ عندما تغمضُ عينيكَ لا ترى سوى ظلامَ نفسِكَ الدامسَ الذي تختلطُ فيه ذكرياتُ ماضيكَ المؤلمِ مع مرارةِ الواقعِ المهيبِ، فتتكونُ داخلَ قلبِكَ نظرةٌ سوداويةٌ تجعلُكَ تنظرُ للمستقبلِ بعينٍ باهتةٍ وقلبٍ فارغٍ، تنظرُ لأحلامِكَ المبعثرةِ بعينِ الاستحالةِ الممزوجةِ باللا مبالاةِ الناتجةِ عنْ إمكانيةِ تحقيقِها، دعْنا نتوقفُ قليلًا لنجري مقارنةً بسيطةً بينَ براءةِ طفولتِكَ وحقيقةِ واقعِكَ، جميعُنا يتذكرُ نفسَه جيدًا في طفولتِه، تتذكرُ طفلًا بعينين لامعتين وقلبٍ نقي، يصبو فقطْ إلى أحلامٍ ورديةٍ يراها ساطعةً في سمائِه هو فقطْ، يرى أحلامَه هذه لامعةً كشعاعٍ معكوسٍ من لؤلؤٍ سرمدي الضياءِ، طفلًا يرسمُ بفرشاتِه أحلامًا على بساطِه السحري ويبدعُ في تلوينِها لتظهرَ بأزهى أشكالِها، يتخيلُ ذاتَه محلقةً في فضاءٍ محفوفٍ بالسلامِ الداخلي، ويا لروعة الركضِ وراءَ تلكَ الأحلامِ والإصرارِ المنبعثِ من ثنايا قلبِ ذاكَ الطفلِ على تحقيقِها، والآنَ ها هو الطفلُ يكبرُ وتعصفُ به رياحُ الزمنِ وتتقاذفُه الأيامُ كي يدركَ جيدًا حقيقةَ الواقعِ، انظرْ إلى هيئتِكَ الآنَ! فقدْ أدركْتَ يا صديقي حقيقةَ الأمرِ، فليسَ هناكَ أحلامٌ ورديةٌ ولنْ تأتيَ طموحاتُكَ على بساطِها السحري الذي لا وجودَ له من الأساسِ، غارقًا أنتَ في بحرٍ منَ الأهوالِ المرعبةِ والتساؤلاتِ المبهمةِ التي ما إن جالتْ بخاطرِكَ تسلبُ عقلَكَ كاملًا ولنْ تجدَ لها إجابةً قطْ، ولكن مع كلِّ هذه التساؤلاتِ والحربِ الداخليةِ التي تنشبُ بداخلِكَ في كلِّ آنٍ، فهناكَ شيئًا خفيًا داخلَ هذه الحقيقةِ السوداءِ.


ومن الجديرِ بالذكرِ أنَّ هذا الشيء هو المفتاحُ لحلِّ اللغزَ بداخلِكَ ولكنك لا تهتمُ به مطلقًا، هذا الشيء هو أنكَ في النهايةِ ستجدُ ذاتَكَ الغائبةَ في تلكَ الوحدةِ الهادئةِ وإن كانت قاسيةً بعضَ الشيء، إلا أنها تأخذُكَ إلى عالمٍ يشبهُكَ بكلِّ تفاصيلِه، نعم، تستطيعُ بتلكَ الوحدةِ أنْ تُكونَ عالمَكَ الخاصَ بكَ، وتسمو إلى أحلامٍ أكثرِ واقعيةٍ من ذي قبل، كلُّ ما عليكَ فعلُه يا صديقي هو أنْ تنحيَ أفكارَكَ الموحشةَ جانبًا، أعلمُ أن صراعاتِكَ النفسيةِ وذاتَكَ الداخليةَ ستظلُ تحاربُكَ بصفةٍ مستديمةٍ، ستبقى تنهرُكَ في كلِّ مرةٍ تحاولُ النهوضَ فيها بأنَّكَ " لنْ تستطيعَ"، ولكن في الحقيقةِ " أنتَ بالفعلِ تستطيعُ"، كيف؟! فلتمحُ تلكَ الذكرياتِ والأفكارَ الأليمةَ من عقلِكَ حتى يصبحَ فارغًا هادئًا لاستقبالِ كلِّ ما هو جديدٌ، 


وإن لم تستطعْ محوها، فلتقابلَها على الأقلِ بالتجاهلِ المستمرِ حتى تتلاشى بالوقت من ذاكرتِكَ، على ورقةٍ بيضاءٍ وابدأْ في ترتيبِ أولوياتِكَ الحياتيةِ واحدةً تلوَ الأخرى حتى تفرغَ من ذلكَ، دعني أخبرُكَ أن الخطوةَ القادمةَ هي الحاسمةُ في تقريرِ مصيرِكَ، ألا وهي أخذُ قرارِ التنفيذِ الخاصِ بكَ، تعلَّمْ جيدًا كيف تتحكمُ في عقلِكَ ومشاعرِكَ أيضًا حتى تصنعَ من نفسِكَ شخصًا سويًا قادرًا على خوضِ المعركةِ وإكمالِ الطريقِ بمفردِه، فإن أخذتَ قرارَكَ فلتبدأَ بتنفيذِ أولى أولوياتِكَ ولا تفكرْ بالتاليةِ حتى تنتهي تمامًا من تنفيذِ الأولى، أعلمُ أن الأمرَ مرهقٌ قليلًا ولكنه ليسَ مستحيلًا يا صديقي، فقدْ أصبحتَ أقوى قليلًا الآنَ، فعندما تبني عقلًا مرتبَ الأفكارِ ستصنعُ إنجازاتِكَ بشكلٍ أفضل، ستتبدلُ النظرةُ السوداويةُ داخل قلبِكَ وتعودُ لكَ أحلامُ الطفلِ الورديةُ التي ما زالتْ تراودُكَ حتى الآنَ، سأخبرُك سرًا، فالطفلُ لا يزالُ في قلبِكَ يا عزيزي، نعم، يحيا بداخلِكَ ويهمسُ لكَ أنْ تنهضَ وترفعُ شعارَ " أنا أستطيعُ"، لا تهتمْ للنتائجِ وتذكرْ جيدًا أن ما عليك سوى السعي وأن كلَّ آتٍ بيدِ الله، فقطْ بيدِ اللهِ،

فافعلْ فقطْ ما أنت مكلفٌ به، واترك الأمر له، حاولْ بكلِّ قوتِكَ أن تتغلبَ على صراعِ نفسِكَ وتتحكمَ جيدًا بزمامِ الأمورِ، وبخطى واثقة، تربعْ على عرشِ أمنياتك واصنع لكَ أحلامًا تشبه ذاتك.