الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ذكرياتي مع صدام حسين


عندما أكتب عن ذكرياتي مع رئيس لا أقصد أنه كان صديقي، فقد رأيته مرة واحدة فقط ضمن حشد جماهيري كان يستقبله، لكن ما أريد قوله هو كيف أثر هذا الزعيم على حياتي وعلى حياة المصريين والمنطقة بوجه عام. 

امتد حكم صدام حسين للعراق لخمسة وثلاثين عاما ما بين نائب رئيس ورئيس فعلي، وقد ساقني القدر لأعيش في العراق لسنوات طويلة، لأرى فيها تألق صدام وازدهاره، وأشهد أيضا أيام خيبته وانحداره.

استطاع صدام رحمه الله بناء عراق قوي وناهض، رفّه شعبه وقدم له خدمات متكاملة أشادت بها منظمة اليونسكو مثل المحو الشامل للأمية والخدمات الصحية المتكاملة ومجانية التعليم.. ولدراسته في كلية الحقوق بالقاهرة كان شديد الحب لمصر والمصريين وأتاح للملايين منهم فرصا كبيرة للعمل والكسب يوم كان الدينار العراقي بأكثر من ثلاثة دولارات، كما كان "عروبيا" محبا للعرب بشكل عام وفقا لمبادئ حزبه "حزب البعث العربي الاشتراكي".. لكن جاء وقت كثرت فيه الدسائس ضده، ومعها كثرت أخطاؤه أيضا. 

عاد الخميني من فرنسا ليحكم إيران وكان من أبرز أولوياته إسقاط صدام، ودخلا معا في حرب استمرت من عام 80-1988، ورغم تكاليفها الباهظة تحملها اقتصاد العراق القوي، وكنت أعمل هناك ولم أشعر بوجود حرب.. بعد انتهائها بعام، لعبت في رأس صدام فكرة ضم الكويت، فاتصل بزعماء مصر والأردن واليمن ليكوّن معهم مجلسا للتعاون، ولم تكن نيته من تكوين هذا المجلس خالصة لوجه الله، بل كان يطمع في وقوفهم معه عند ابتلاع جارته الصغيرة، لكن عندما فاجأهم بغزوها وضمها خلال ساعتين، تخلوا عنه وقال له حسني مبارك عبارته الشهيرة "لا يا حبيبي"!.. ورغم وساطات سكرتير عام الأمم المتحدة وكل زعماء العالم تقريبا، رفض صدام التراجع والانسحاب من الكويت، ولم  يتخيل أبدا أن عناده هذا هو بداية نهايته، فقد تحالف العالم كله ضده بقيادة أمريكا وأخرجوه من الكويت بالقوة ودمروا بنية العراق التحتية تماما وحاصروه لثلاثة عشر عاما وأخيرا دخلوا بغداد بحجة (أو كذبة) امتلاكه أسلحة دمار شامل وسرقوا ذهبه وآثاره وحلوا جيشه وأسقطوه، والمصيبة الأكبر أنهم سلموا حكم العراق من بعده لمعارضين موالين لإيران تهافتوا على تقسيم الثروة والمناصب فيما بينهم، دون أي إحساس بالمسئولية تجاه وطنهم المدمر. 

ربما كان من أسباب بقائي هناك طويلا هو التشابه بين جو العراق وجو الصعيد مسقط رأسي، حيث الأنهار والنخيل والحدائق وطبائع الناس، إضافة إلى عملي الإنساني المخلص للحفاظ على كليات الطب والبحث العلمي من الانهيار بسبب القصف المتكرر والحصار، وكان صدام يعلم بوجودي وممتن لدوري هذا، وعليه منحني "شهادة أم المعارك الخالدة دفاعا عن العراق العظيم"، رغم أني لم أحمل السلاح ولم أحارب ولم أنضم حتى إلى حزبه حزب البعث العربي الاشتراكي، كما وعدني بدفع كل مستحقاتي المالية المتأخرة في أقرب فرصة.. لكن قبل أن تأتي هذه الفرصة.. قبضوا عليه ونُفّذوا فيه حكم الإعدام!.. 

منذ سقوط  صدام عام 2003 وطوال السبعة عشر عاما الماضية توالت على حكم العراق حكومات كانت كلها موالية لإيران كما ذكرنا وظل العراق معزولا عن محيطه العربي ويتهرب من دفع ما عليه من ديون لمصر والمصريين، لكن في الشهر الأخير لاحت في الأفق بارقة أمل بعد تولي السيد مصطفى الكاظمى رئاسة الوزراء هناك، ويبدو أنه رجل مختلف عن كل من جاءوا قبله، فما يُفهم من تصريحاته أن لديه تصميم لجعل العراق أكثر انفتاحا على الجميع، والعودة به مرة أخرى إلى حضنه العربي، أو على الأقل، انتهاج سياسة أكثر توازنا مع الكل.  

والأهم بالنسبة للمواطن المصري، هو أن يقوم العراق بإبراء ذمته وسداد ما عليه من ديون متأخرة للمصريين الذين صبروا لعشرات السنين في انتظار صرفها، ولو كان هناك عدل وقانون دولي حقيقي لاستحقوا فوائد تأخير وحصلوا على عشرات أضعاف ما هو مثبت في أوراقهم.   
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط