الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ياسر عبد الرحمن يكتب: ليبيا.. الطريق إلى الهيمنة الغائبة

صدى البلد

نشرت صحيفة الاتحاد الإماراتية مقالة صحفية للدكتور  أحمد يوسف أحمد عن الوضع في ليبيا؛ حيث جاء في مقالته أنه؛ لو أن أحدًا لا يعلم شيئًا عن الصراع الدائر في ليبيا، تابع وقائع الجلسة العلنية الأخيرة التي عقدها مجلس الأمن الدولي لمناقشة المسألة الليبية، لأصابته الدهشة مما استمع إليه وشاهده.
 
فالكل يتحدث عن إدانة التدخل الأجنبي وتهريب الأسلحة والمرتزقة لأطراف الصراع، ويندد بانتهاكات حقوق الإنسان، ويطالب بالتحقيق فيها، والكل يؤكد ضرورة وقف التصعيد والتوصل الفوري لوقف إطلاق النار، تمهيدًا لإنجاز تسوية سياسية ليبية ليبية برعاية أممية، وأحيانًا أفريقية.. وبالتأكيد كان متابعنا البعيد عن وقائع الصراع ليسأل نفسه ذلك السؤال الشهير الذي سأله أمير الشعراء أحمد شوقي: إلامَ الخُلْف بينكمُ إلاما... وهذي الضجة الكبرى علاما؟ والواقع أن «اللغة الخشبية» قد سادت الكلمات الافتتاحية لأعضاء المجلس، إلا لمامًا، فلا أحد يذكر وقائع محددة وثابتة عن تركيا التي تهرّب الأسلحة والمرتزقة لحكومة الميليشيات، وتعترف علنًا بانتهاكها قرارات مجلس الأمن التي تحظر توريد الأسلحة لأطراف الصراع، وقد يُقال إن ثمة مرتزقة آخرين على خريطة الصراع.

والمفارقة أن مندوب السرّاج في الجلسة وجّه اتهامات محددة في هذا الشأن، بينما لم يوجّه اتهامًا واحدًا إلى الرئيس التركي الذي يتباهى بتدخله ويصر عليه، وعندما تحدث الكل عن انتهاكات حقوق الإنسان، جاء الحديث عامًا مع أن هناك وقائع مصورة حية لهذه الانتهاكات ذاعت في وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، وكان يمكن البدء بإدانتها، ناهيك عن أن الكل رحّب بقرار مجلس حقوق الإنسان تشكيل لجنة لتقصي الحقائق في هذه الانتهاكات دون أن يجشم نفسه مشقةَ المطالبة بسرعة تنفيذ القرار، وتوفير الضمانات الكافية لذلك، واكتفى الجميع بعبارات عامة عن الحل السياسي، وضرورة أن يكون ليبيًا ومستندًا إلى القرارات الدولية، دون تقديم أي مقترحات عملية لتفعيل تنفيذها. ومع أن الكثيرين تحدثوا عن أهمية تسمية المبعوث الأممي لليبيا، فإن أحدًا لم يقدم مقترحات محددة للتغلب على الصعوبات التي تعترض التوافق على شخصه.

الأعجب أنني كنت أتصور أن يتوقف المجلس مليًا عند الانتهاك الفادح لقراراته الخاصة بحظر توريد الأسلحة، فإذا بأعضائه يمرون أحيانًا مرور الكرام على الانتهاكات الجسيمة لهذه القرارات، بل وتجاوزها إلى ما هو أفدح بتهريب المرتزقة وتقديم الدعم اللوجستي المباشر لميليشيات الإرهاب، أما الأشد عجبًا والذي يلقي ظلالًا ثقيلة من الشك على جدية المجلس وفعاليته، فهو أن أحدًا من الأعضاء لم يتوقف عند مسألة الشرعية الزائفة التي تُلْصَق بما يُسمى «حكومة الوفاق الوطني»، فلا هي بحكومة وفاق أصلًا وإلا فلم كل هذا الصراع، ولا هي تمتعت بالشرعية من البداية لعدم حصولها على ثقة مجلس النواب المنتخب، ناهيك عن أن هذه «الشرعية» قد تآكلت بفعل اتفاق الصخيرات الذي استند تكوينها إليه أصلًا، ذلك أن الأمد الزمني لهكذا حكومة قد انتهى منذ سنوات بنص الاتفاق نفسه. والأكثر غرابة أن المجلس تجاهل تمامًا التطورات المهمة التي حدثت مؤخرًا في مواقف دول الجوار العربي لليبيا، إذ إن الموقفين التونسي والجزائري قد اقتربا كثيرًا في الآونة الأخيرة من الموقف المصري الذي بات لا يعترف بشرعية حكومة السراج، فقد دعا الرئيس التونسي إبان زيارته الأخيرة لفرنسا إلى إرساء شرعية جديدة في طرابلس تحل محل الشرعية الحالية التي وصفها بالمؤقتة، كذلك صرّح الرئيس الجزائري مؤخرًا بأن حكومة الوفاق لم تعد تمثل الشعب الليبي، وشدد على أن الأحداث قد تجاوزتها، ودعا الليبيين إلى تشكيل مجلس رئاسي يمثلهم. وطالما بقي مجلس الأمن محكومًا بمصالح القوى الدولية الكبرى فيه، ومتجاهلًا لحقائق الصراع، فلا أمل يُذكر في أن يتوصل إلى مخرج آمن.

ولعل ذلك أكدت عليه ونقلته صحيفة واشنطن بوست عن مصدر بالخارجية الأمريكية، أن الإدارة الأمريكية، تعتبر الصراع الليبي مشكلة أوروبية في المقام الأول. وذكر المصدر للصحيفة الأمريكية، أن البيت الأبيض يضع في نفس الوقت مشاركته في الأزمة الليبية في خانة "الحياد النشط".

ونقل عن المصدر الدبلوماسي قوله في معرض تعليقه على الوضع في ليبيا: "أولا وقبل كل شيء هذه مشكلة أوروبية"، مضيفا في نفس الوقت أن بلاده تواصل جهودا نشطة، معظمها من خلف الكواليس، لدعم التسوية السياسية في إطار سياسة يصفونها بـ "الحياد النشط، ورأى المصدر كذلك أن الوضع في هذا البلد الإفريقي "صعب للغاية".

من جانب آخر، قال دبلوماسي غربي للصحيفة إن "الولايات المتحدة من حيث الجوهر، خارج اللعبة، والليبيين ليسوا في وضع يسمح لهم باتخاذ قراراتهم بأنفسهم، وهم يعتمدون بشكل كامل على كيانات أجنبية".

ورأت صحيفة "واشنطن بوست" أنه من غير المرجح أن تكثف إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنشطتها في ليبيا، بالنظر إلى سعي ترامب إلى الحد من المشاركة الأمريكية في الصراعات الخارجية، وتعتقد الصحيفة في الوقت ذاته، أن هذه الخطوة من قبل الولايات المتحدة تتيح "لروسيا منبرا لتوسيع نفوذها في البحر المتوسط".

ولعل الاتصال الأخير بين الرئيس المصري عبد الفتاح والرئيس الأمريكي في أعقاب تفويض البرلمان المصري للقيادة السياسية باتخاذ ما يلزم نحو إرسال قوات مصرية إلى ليبيا والاتفاق بين القيادتين على دعم الحل السياسي وعدم التصعيد؛ الأمر الذي قد يمثل إشارة إلى احتمال حدوث انفراجة سياسية قريبة والدفع نحو مسار المفاوضات السياسية بين الأطراف المتنازعة وهو ما يأمله الجميع.