برلمان تركيا يقر قانونًا لخنق مواقع التواصل الاجتماعي.. خطوة جديدة تدفع بأردوغان نحو الهاوية
انتقادات دولية لقانون العدالة والتنمية.. ومراقبون يؤكدون: أردوغان ينتهك حرية التعبير بشكل فج
"زرار الديسلايك" سلاح الشباب الجديد في انتفاضتهمضد أردوغان وحملة "تدجين" الشعب التركي
في خطوة ليست بالغريبة على النظام التركي، أقر برلمان حزب العدالة والتنمية الحاكم برئاسة رجب طيب أردوغان، منذ أيام، قانونًا يمنح الحكومة سلطات أوسع لتضييق الخناق على وسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي أثار جدلًا واسعًا بين صفوف المعسكر المعارض لنظام أنقرة.
القانون الذي هندسه الحزب الإخواني أصلًا بعد صعود موجة الانتقادات لأردوغان على مواقع مثل "تويتر" و"فيسبوك"، سيرغم مواقع التواصل الاجتماعي وأي شبكة أخرى يتردد عليها أكثر من مليون مستخدم يوميا في تركيا، أن يكون لها ممثل في تركيا والانصياع لأوامر المحاكم التركية التي تطلب سحب مضمون معين، تحت طائلة التعرض لغرامة مالية كبرى، أو حجب الإعلانات أو تقليص عرض النطاق الترددي بنسبة تصل إلى 90 في المئة، مما يمنع الوصول إليها بشكل أساسي.
وسيتعين على تلك المواقع تخزين بيانات مستخدميها من تركيا في البلاد، مما يجعل من السهل لممثلي الادعاء والسلطات الأخرى الوصول إليها، وذلك ضمن سياسية واسعة داخل الحزب الحاكم للتنكيل بالمعارضين.
ويقول الحزب إن هذا القانون يهدف إلى الحد من "الإهانات" التي يتعرض لها أردوغان بشكل يومي، وذلك منذ 2016 أي منذ محاولة الانقلاب الفاشلة، والتي أعقبتها موجة قمع حادة لجميع المعارضين للنظام، على رأسهم الصحفيين ووسائل الإعلام، والزج بهم إلى غياهب السجون بدعوى الانتماء لمنظمة فتح الله جولن، التي يتهمها أردوغان بالضلوع في محاولة الانقلاب.
وكان مشروع القانون نوقش لأول مرة في أبريل الماضي ثم ألغي تحت ضغط الأصوات المعارضة والشاجبة. إلا أن أردوغان جدد دعوته لمزيد من التنظيم عقب تداول تعليقات مسيئة عبر وسائل التواصل الاجتماعي بعد ولادة حفيده.
فقد تعرضت ابنته إسراء وزوجها وزير الخزانة والمالية براءت البيرق، أواخر يونيو الماضي لهجوم غير مسبوق عبر "تويتر" مع إعلان قدوم مولودهما الرابع، ما أربك الرئيس التركي في حينه، حيث أعاد نشر تغريدة تضمنت خطابًا أشار فيه إلى "حظر وسائل التواصل الاجتماعي" في البلاد بعد ساعات من حذفها.
وتضمنت التغريدة خطابًا أشار فيه أردوغان إلى "حظر وسائل التواصل الاجتماعي" في البلاد، مؤكدًا عزم حكومته فرض رقابة قانونية شاملة على تطبيقات الإنترنت.
كما شدد أردوغان على "ضرورة تنظيم وسائل التواصل الاجتماعي لحماية الحقوق الشخصية"، بحسب قوله، معتبرا أن "هذا النوع من قنوات الإعلام لا يناسب أمتنا وبلدنا".
انتقادات دولية
وحالما أقر برلمان العدالة والتنمية، القانون الجديد، تصدر على موقع "تويتر" هاشتاج "رفع يدك عن شبكتي الاجتماعية"، حيث عبرت منظمات دولية فضلًا عن رواد السوشيال ميديا في تركيا عن استيائهم الشديد من موجة القمع غير المسبوقة التي يتعرض لها الشعب التركي، خاصة المعارض منهم.
وقالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الاثنين الماضي إن "شبكات التواصل الاجتماعي تمثل أهمية كبرى بالنسبة للعديد من الأشخاص الذين يستخدمونها للاطلاع على المعلومات. وهذا القانون ينذر بفترة قاتمة للرقابة على الانترنت".
ونقلت مجلة "أحوال" التركية عن أندرو جاردنر، الباحث في الشئون التركية في منظمة العفو الدولية، قوله إن القانون "سيعزز قدرة الحكومة على مراقبة المحتوى الرقمي وملاحقة مستخدمي الإنترنت"، مضيفًا: "هذا انتهاك واضح للحق في حرية التعبير على الإنترنت"، مشيرًا إلى أن العديد من مستخدمي الإنترنت الأتراك يمارسون أصلا الرقابة الذاتية "خشبةً من إثارة غضب السلطات".
وبحسب آخر "تقرير للشفافية" تعده شبكة "تويتر"، كانت تركيا في الفصل الأول من عام 2019 بطليعة الدول التي تطلب إزالة منشورات عن الموقع، مع أكثر من 6 آلاف طلب بهذا الصدد.
صفعة السوشيال ميديا
الأسبوع الماضي سلطت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية على مئات الآلاف من الردود السلبية على خطاب ألقاه أردوغان يوم 26 يونيو الماضي، عبر موقع "يوتيوب" حيث هدد صراحة بحجب منصات التواصل الاجتماعي، حيث أشارت المجلة إلى أن الآلاف من اليافعين الأتراك الذي شاهدو الخطاب أرادوا توجيه الرسائل مباشرة إلى الرئيس، فاستخدموا خانة التعليقات لانتقاد أردوغان، وضغط الآلاف منهم على زر "استياء" بدلًا من زر "لايك"، ليخبروه أنه أنه لن يحصل على أصواتهم في الدورة المقبلة للانتخابات.
وبحسب المجلة، فإن العديد من الشباب الغاضبين هم طلاب مدارس وجامعات، وعانى العديد منهم من تغيير الحكومة مواعيد الامتحانات وبدء السنوات الدراسية عدة مرات خلال الأشهر الماضية، نتيجة لسوء التخطيط المرتبط بأزمة تفشي فيروس كورونا.
تدجين الشعب
وأشارت "فورين بوليسي" إلى أن هذا الأمر عكس بصورة جلية الغضب الشعبي وحالة الغليان ضد أردوغان ونظامه الاستبدادي، فقد دشن هؤلاء الشباب هاشتاج "لا أصوات لك" على موقع "تويتر" إلا أن رد فعل الحكومة التركية جاء عنيفًا بعد ذلك، وهو تضييق الخناق على مواقع السوشيال ميديا كلها.
وترى "فورين بوليسي" أن ماتشهده تركيا في الآونة الأخيرة من "أدلجة" للدين هو تجريد للدين الإسلامي من جوهره الأخلاقي واستخدامه للتستر على الفساد وإضفاء الشرعية على حكم الفرد الواحد، وهو ما يدفع الشباب للبحث عن مصادر أخرى للسلطة الأخلاقية.
وأوضحت المجلة أن هذا الأمر يعزو لأسباب كثيرة أهمها سوء جودة التعليم، ذلك أن هناك قلق متزايد من تدخلات أردوغان في النظام الجامعي حيث بات، بعد التعديلات التي حدثت على دستور البلاد في 2018، صاحب السلطة الوحيدة لتعيين لتعيين رؤساء جميع الجامعات العامة والخاصة، وأغلب من وصل اليوم إلى سدة المسؤولية في الجامعات يوصمون بأنهم موالون سياسيون ذو مؤهلات أكاديمية ضعيفة.
وباتت أيضًا المواد التعليمية المتعلقة بالدين تحل مكان المواد التعليمية الاعتيادية، وهو ما جعل تعلم ودراسة مقررات الرياضات والعلوم والتكنولوجيا، أمرًا صعبًا، الأمر الذي يعكس سياسة لـ"تدجين" الشباب وغسل أدمغتهم بالإيدولوجيات المتطرفة للحزب ولكن بصورة غير مباشرة.