الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

دعوة للجامع ودعاية للديوان


مع بدء حركة اليقظة الدينية التى قادها الشيخان جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، اجتمع حولهما كثير من نخبة المجتمع لاسيما المثقفين من الشباب. ومع شعبية هذين الشيخين الجارفة إلا أن أحدهما لم يفكر في تكوين جماعة تحت مسمى يفصلها بنظام خاص عن بقية المجتمع ولم يخترع أي منهما مناصب وتشكيلات على غرار ما فعله حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان عام ١٩٢٨، ولو قدر لأي من الأفغاني وعبده أن يدعو لجماعة تنظيمية لوجدوا طلبات الانضمام إليها تترى وأثارت أكبر جماعة في مصر ولكنهما تجاوزا هذا الأمر ولا أظن أنه خطر على بال أيهما لأن ظهور أي جماعة سوف يعيق أي محاولات إصلاحية حقيقية بل على العكس ستصبح عبئا ثقيلا وسينشغل أعضاؤها بأمورهم التنظيمية وتأهيلهم عن الدعوة العامة. سيصبح جل اهتمامهم الدعوة لجماعتهم، وحسن البنا عندما بدأ في الدعوة لجماعة الإخوان في أنحاء البلاد والملاحظ أن البنا حرص على أن يكون هناك مقرات خاصة لجماعة الإخوان بعيدا عن المساجد ولو اقتصر المقر على مجرد (دكة خشب وديوان من الطين) في كل قرية.


فلو كانت الجماعة تضع الدعوة إلى صحيح الإسلام ونشر تعاليمه لاكتفى البنا بالمساجد ولكنه أراد أن تكون مقرات جماعة الإخوان مراكزها الحقيقية بعيدا عن المساجد.


فالمسجد بالنسبة للجماعة سيرتاده الجميع ولن تسهل الهيمنة عليه ولا يمكن مناقشة الأمور التنظيمية ولا طرح مشاكل الجماعة في أوساط قد يرتادها من هم خارج الجماعة. فالخصوصية التى فرضها الاسم المغاير للجماعة العامة ستحول الجهود من دعوة عامة إلى دعوة لجماعة خاصة.


ولا أعتبر أن ذلك ضرورى للدعوة لأن جماعات الدعوة عرفها المجتمع الإسلامي منذ بداياته وتعددت أشكالها ما بين جماعات فقهية وكلامية وصوفية ولكنها كانت أمام طريقين إما الاندماج في المجتمع الإسلامي لا يفصلها عنه فاصل أو التسمي باسم مختص بها ويدير أمورها هيئة منها.


فعلى تعدد المذاهب الإسلامية الفقهية لم يفصل أتباع المذاهب الفقهية أنفسهم عن غيرهم ولم يديروا أمور مذهبهم ولا كانت لديهم هيئات تنظيمية هرمية مثل مرشد ومكتب إرشاد ومجلس شورى الجماعة وكانت خلافاتهم الفقهية لا تفصلهم عن المجتمع مع خصوصيتهم إذ كانوا كالتيارات التى تدور في النهر الواحد تتعدد اتجاهاتها حتى يمكن أن تكون معاكسة للتيار العام الذي يوجه مياه النهر في مسيرته نحو المصب.


ولو اقتصرت تشكيلات جماعة الإخوان على درجات تنظيمية لإدارة عمل الجماعة لربما كانت واحدة من هذه التيارات ولكنها بإعطاء سلطات روحية لما يسمى بالمرشد ولمن يليه في تدرج طبقى دينى صارم وهو ما يتناقض مع الإسلام كدين يخلو من أي هيئات كهنوتية تمارس أي سلطات روحية على المسلمين مهما بدا من العلم والفقه على بعض أفرادها.. فالإخوان حفروا مجرى من النهر وصار  لفرعهم الجديد من يوجهون تياره وأصبح النهر الكبير مجرد منبع التزود بالأعضاء الجدد وهذا بالضبط ما أراده البنا من المسجد بأن يكون معينا لمقر الجماعة وخط إمداد لها. ولن يقتصر الأمر على ذلك فلابد وأن يعمل المقر للسيطرة على المسجد فتصبح التبعية معكوسة إذ ستكون النتيجة الحتمية هى تبعية الإسلام للجماعة والمسلمين للإخوان وبذلك يفرض الإخوان هيمنتهم على الدين لأنه العامل الأول في جذب الجماهير ويحقق للقائمين عليه السيطرة عليها وهذه نظرة  نفعية خالصة تخلو من سمو الدين وترفعه عن النفعية الخالصة ولكن قد نكون "سُذج" للغاية لو اعتبرنا أن جماعة الإخوان جماعة هدفها الأساسي نشر القيم الروحية وأن أهدافها دعوية بحتة ذلك لأن المشروع الإخوانى مشروع سياسي يجعل الدين في خدمة الجماعة وليس العكس.


لقد كان هناك دعاة فاقوا حسن البنا في العلم والفقه وحب الجماهير لهم ولكنهم لم يكونوا جماعات خاصة بهم ولم يرغبوا في استثمار شعبيتهم لاستخدامها في أغراض سياسية أو تجارية أو جعل الدعوة وسيلة للكسب الخاص سواء للداعية أو للجماعة التى يتبعها والتاريخ الإسلامي به أمثلة عديدة لجماعات مشابهة جعلت الدعوة وسيلة للحصول على مكاسب بتحقيق مراكز سياسية واجتماعية واقتصادية ولكن انتهى بها الأمر إما الى الزوال أو التقوقع على ذاتها وهو المصير المرتقب لجماعة حولت الدين من دعوة إلى دعاية ومن جماعة في خدمة الدين إلى دين في خدمة الجماعة.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط