الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

إبراهيم عطيان يكتب: محكمة الضمير

صدى البلد

في كل يوم يمضي تمر معه مواقف كثيرة، إذا تأملت البعض منها ولا نقول جميعها، ستسمع وبكل أسف، الشهقات الأخيرة للضمير تغادر نفوس البعض، إما في صورة غش في صنعة أو بيع وشراء، أو تكاسل عن عمل، أو إدعاء المرض، أو التعدي على حقوق الغير، أو كتمان شهادة حق، أو حتى الإدلاء بها زورًا وهذا لم يعد غريبًا!

لكن البعض منّا مازال يعتبر الضمير رقيبًا عليه في كل وقت، زُرع بداخله بقوة الله وإرادته ليعبر به حيث الأمان والسلام الذاتي.

وكذلك منّا من يعتبره مصدر تشويش يصدر أصواتًا بغيضة، تنغِّص عليه فرحته بالنعم والمتعة التي يسعى إليها، أويحصل عليها بطرق ملتوية وغير مشروعة، فيربكه، ويجعله يتردد ما بين الانصياع لهذا الصوت العميق في داخله الذي ينبّهه ويحذّره، وبين أن يتجاهله ويتمادى في فجوره وخطاياه، ليستكمل فرحته بما حصَّله، دون النظر إلى طريقة التحصيل، وتساعده على ذلك، نفسٌ لا تجبر حاملها على شئ، وما يفعله تقوم بخلق التبرير الأخلاقي والمنطقي له مهما بلغت وقاحته، نفس تعينه على ضميره، ومهما كان ما قام به لن تعجز عن تبريره، وسكه بختم الضرورات تبيح المحظورات.

ويرى البعض أن هناك ضميرا يبيح لحامله كل شيء، ويبحث له دائمًا عن أسباب تساعده على تقبُّل أخطائه، وتبرير تجاوزاته، فيكون له كوسادة ناعمة من الحرير، إذا اتكأ عليها نام مطمئنًا.. لكني أرى ذلك في النفس وليس الضمير؛ إذ أن الضمير في الغالب مصدر تهديد ووعيد لصاحبه.

وقد قيل في دوره وأهميته الكثير والكثير، حتى إن هناك من وضعوه في مرتبة أعلى من القانون، ووضعوا إملاءاته كفرائض تفوق في اتباعها كل الواجبات، رغم أنه غير مرئي ولا ملموس، ولكنهم علموا وآمنوا بأنه سلطة قوية توجه وتحاكم، وأحكامه قطعًا منجية رغم قسوتها في بعض الأحيان، لأنك تقف أمامه مذنبًا وشاهدًا وقاضيًا في آن واحد..

وقد وصفه البعض بالصوت الداخلي الذي يخاطب النفس بهدوء عند التفكير بالإقدام على فعل قد لا يكون مقبولًا، فيمنعها عن القيام به، وأحيانًا يتمكن الشخص من التغلب عليه ليرضى نفسه ويشبع رغباته، ثم يستيقظ أثناء ممارسة هذا الفعل فيعود عنه ولا يستكمله، وبعض الضمائر تبقى ساكنه بلا حركة حتى ينقضي الفعل، لكنها لا تباركه، أما الذي يبارك ميول السوء والشر الموجودة بداخل صاحبه، وهم في كل العالم كُثر وليسوا فقط في مجتمعاتنا، فنعتقد أنه لا ينطبق عليه مسمى الضمير حتى ولو اقترنت به صفة الميت، أو قيل أنه شُيِّع إلى مثواه الأخير.

وأرى كالكثيرين أنه ليس بصفة وراثية تنتقل من الأب لابنه مثلًا، إنما هو سلوك قويم تربى عليه الابن، ليعينه على التمييز بين الخطأ والصواب، ويغرس بداخله فكرة الشعور بالندم، إذا تعارض ما يقوم به مع القِيَم والنزاهة التي فرضها عليه الدين والعقل.

وقد لا نختلف على أنه قوة خفية، غير مرئية ولا ملموسة تستطيع بنفوذها أن تمتطي أفكارنا، وتوجِّه قراراتنا، وبالتالي تقود حياتنا، وتتحكم في كل سلوك وقرار نتخذه، فمطرقته لا تنفك عن طرق سندان الروح كل ليلة، لتكون أنت المتهم والشاهد والقاضي، تنظر في جميع الوقائع التي حصلت، وتعيد النظر فيها بِرَوية، لتراجع نفسك، وتصلح فسادها، فهو كما يُقال تفعيل لمحاكمنا الشخصية، التي تنعقد بدواخلنا، لنحاكم أنفسنا التي تميل دائمًا إلى السهل، وتتوق إلى الممنوع..

ولولا ذلك الصـوت الخفي الحاكم والرادع للنفس والرقيب عليها، لفسدت وعاثت في الأرض فسادًا، لكنه دائمًا يردها عن جموحها، وإذا خالفته في حين غفوة منه وهذا خطأ وارد يمكن تداركه، صب عليها جام غضبه حتى تعود إلى رشدها، وتميِّز الخبيث من الطيب في الأعمال والأقوال، فشهادة الحق ضمير، ونصيحة الآخرين ضمير، ونظافة القلب والبدن والملبس والبيئة ضمير، واحترام الآخرين والتأدب معهم ضمير، حتى ثقافة الاختلاف مع الآخر في الرؤية أو الانتماء، بل والخلاف معه أيضًا يحتاج إلى ضمير، وتحقيق التوازن بين العمل الوظيفي براتب ثابت، والعمل الخاص يحتاج إلى ضمير.