الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

في ذكرى أكتوبر.. تعرف على المكاسب الاقتصادية للحرب والمواطن يدعم الدولة بـ"سندات الجهاد"

حرب أكتوبر
حرب أكتوبر

في الذكرى الـ 47 لحرب أكتوبر المجيدة نتذكر أنها لم تكن حربا عسكرية فقط بل اقتصادية أيضا من حيث الادارة الاقتصادية للبلاد قبل وأثناء وبعد الحرب لتلاشي الاثار السلبية للحرب على الاقتصاد ولضمان سير حياة المواطنين بطريقة طبيعية دون أن تتأثر وأيضا المكاسب الاقتصادية التي حدثت بعد الحرب.

يقول الدكتور جلال أمين فى كتابه «قصة الاقتصاد المصرى» أنه ترتب على هزيمة 1967 انخفاض شديد فى موارد العملات الأجنبية، مما جعل الاستمرار فى معدل نمو مرتفع مع تحمل أعباء الإنفاق العسكرى استعدادا لحرب جديدة أمرا فى حكم المستحيل.

وبقيام الحرب فقدت مصر آبار البترول فى سيناء، وخربت معامل تكرير البترول فى السويس، وأغلقت قناة السويس التى كانت تدر لمصر فى المتوسط سنويا 164 مليون دولار فى السنوات الـ7 قبل الحرب، وإضافة إلى ذلك انخفاض كبير فى إيرادات السياحة التى كانت تدر نحو 100 مليون دولار، فضلا عن الإنفاق الذى فرضه تهجير نحو مليون شخص من قناة السويس، والتكلفة الاقتصادية الضخمة.

وواجهت مصر فى أعقاب 67 ظروفا سياسية واقتصادية بالغة القسوة والخطورة، وحتى المعونات والمنح العربية المقدرة بـ286 مليون دولار سنويا، كانت تضيع فى خدمة الديون على مصر التى حان موعد استحقاقها، والبالغة أقساطها المستحقة الدفع سنويا نحو 240 مليون دولار، وكان من الطبيعى أن ينخفض معدل النمو فى الحرب إلى 3 %، وتتدهور المرافق العامة والبنية الأساسية، ويتراجع مستوى المعيشة وتنخفض الأجور، ويتدهور ميزان المدفوعات، ورغم ذلك فإنه حتى وفاة الرئيس جمال عبدالناصر لم تتجاوز ديون مصر المدنية 1 مليار و300 مليون دولار، وهى نسبة لا تتجاوز 25 % من الناتج الإجمالى القومى.

ووسط كل هذه الظروف السياسية والاقتصادية غير المستقرة ومع ارتفاع الديون الخارجية لمصر لتتجاوز 5 مليارات دولار خلال السنوات الثلاث الأولى من السبعينيات، وتراجع الصادرات، لم يكن أمام مصر سوى خيار واحد، هو الحرب فى مواجهة المستحيل والانكسار.

الادارة الاقتصادية وقت الحرب
اتسمت السياسات الاقتصادية المصرية أثناء الحرب بإعطاء أولوية للمجهود الحربي من خلال الاستثمارات التي تساهم في خدمة الحرب، فضلًا عن إصدار بعض القوانين الخاصة بوقف استيراد بعض السلع الكمالية مثل الأقمشة الصوفية، وأجهزة التليفزيون والراديو والسجائر وبعض الأجهزة الكهربائية مثل الغسالات. فيما تم اعتماد زيادة الرسوم الجمركية على السلع الواردة للاستعمال الشخصي بنسبة 50%.

علاوة على احتكار القطاع العام للسلع والمواد التموينية لمنع التلاعب في الأسعار وضمان وصولها إلى الشعب والمستحقين لتحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي. وأكدت الإدارة المصرية على توازن سعر الصرف بعيدًا عن الاختلالات السوقية لضمان استقرار سعر الجنية المصري مقابل الدولار.

ومع بدء العد التنازلى للمعركة، بدأت الحكومة برئاسة الدكتور عزيز صدقى، رئيس الوزراء فى ذلك الوقت، فى تطبيق خطة اقتصادية تهدف إلى ترشيد الإنفاق الحكومى، لتوجيه الناتج لصالح القوات المسلحة، حيث تم تشكيل اللجنة العليا للمعركة، لتحديد الإجراءات المطلوب تطبيقها فى جميع المجالات استعدادا للحرب، والتى أعلنت فى 19 يناير من العام نفسه تخصيص مليار جنيه سنويا للقوات المسلحة.

وعلى الرغم من حالة الحرب التى كانت تعيشها مصر على مدى 7 سنوات، واحتلال جزء واسع من أراضيها، فإن الاقتصاد المصرى فى مطلع عام 1973 كان يشهد حالة من الاستقرار، وهو ما يظهر فى البيانات التى أعلنها أحمد زندو، محافظ البنك المركزى، ونشرت فى جريدة «الأخبار» بتاريج 14 يناير 1973، والتى أكد فيها سداد مصر جميع التزاماتها الدولية بموعدها.

كذلك ارتفع إجمالى ودائع البنوك إلى 400 مليون جنيه، بينها 27 مليون جنيه شهادات استثمار عائلى، كما لم تتجاوز زيادة أسعار السلع الاستهلاكية 2% بالنسبة للجملة و4% للقطاعى، وبتاريخ 16 يناير أعلنت وزارة التخطيط وضع خطة تستهدف زيادة الدخل القومى 6%، ليصل إلى 6206 ملايين جنيه، مع الاستثمار فى عدد من المشروعات التنموية.

 وأعلن الدكتور عزيز صدقى في 11 فبراير 1973، رئيس الوزراء، أمام مجلس الشعب، ما أسماه بـ«ميزانية المعركة»، وهى إجراءات التعبئة الاقتصادية التى سيتم تطبيقها فى حال نشوب الحرب، وتتمثل فى تحويل الموازنة العامة إلى موازنة المعركة لتوفير جميع طلبات القوات المسلحة خلال الحرب، مع الحفاظ على سرية البيانات الخاصة بالجيش، وتمويل كل المتطلبات الناتجة عن الحرب، مثل المتطلبات الصحية، والتهجير، والأمن، والنقل، والمواصلات.

وكذلك إعادة النظر فى خطة التصدير والاستيراد لتوفير النقد الأجنبى، مع العمل على إحلال المنتجات المحلية بديلا للمستوردة، وتخفيض الاستثمارات مع تأجيل تنفيذ المشروعات التنموية الطويلة الأجل التى ليس لها مردود فى العام نفسه، أو لا علاقة لها بالمعركة، كذلك إجراء تخفيض جديد فى أنواع الإنفاق بالمصالح الحكومية والقطاع العام، ويشمل خفض اعتمادات السفر والانتقالات، ومصروفات الأعياد والمواسم، ومصروفات الأوسمة والجوائز.

وبتاريخ 12 مارس نشرت جريدة «الأخبار» تفاصيل أخرى لترشيد الإنفاق بالمصالح الحكومية والقطاع العام، استعدادا لنشوب الحرب، وهى خفض الاعتمادات المخصصة للمياه والإنارة والانتقالات، سواء بالسكك الحديدية أو بوسائل النقل الأخرى بنسبة 10%، وخفض اعتمادات الدعاية والإعلان والحفلات بنسبة 25%، وتخفيض الاعتمادات المخصصة للأعياد والمواسم بنسبة 75%، وتشمل خطة ترشيد الإنفاق أيضا مراجعة اعتمادات الصيانة للمرافق التابعة لوزارات الرى والإسكان والبترول وهيئة البريد، على أن تلتزم تلك الجهات بتحقيق خفض إضافى فى المصروفات الخاصة بمستلزمات الشراء 2%، و5% لمستلزمات التشغيل

وكانت شركة المحلة توفر الملابس و تصدر لأمريكا، وكانت شركات الغزل والنسيج متميزة جدا مثل الشوربجى والمحلة وشبين الكوم وغيرها.
وعملت الشركات على توفير الكساء بغض النظر عن الربح، ومع ذلك كانت شركات قها وأدفينا توفر العصائر والمعلبات بأسعار 7 قروش للعبوة، نظرا لضعف الرواتب وقتها، وكانت بدلة المحلة تباع بـ12 جنيها، والبدلة التشكيى تباع بـ17 جنيها، والقميص بـ3 جنيهات.

لعبت شركات القطاع العام وهيئة السلع التموينية دورا كبيرا فى تأمين حاجة البلاد من السلع الغذائية، وتوفير مخزون استراتيجى من الأقماح يكفى لأكثر من 6 أشهر وقت حرب أكتوبر.

وطرحت الحكومة المصرية «سندات الجهاد» بع أنتصار اكتوبر، وهى شهادات استثمارية الهدف منها دعم الدولة والقوات المسلحة فيما يخص الحرب والمتطلبات الناتجة عنها، وتم طرحها للمواطنين، تحت شعار «شارك فى ملحمة النضال الوطنى»، فى البنك المركزى وفروعه وجميع البنوك التجارية وفروعها، وتضمنت الفئات المالية «50 قرشا، جنيها واحدا، 5 جنيهات، 10 جنيهات، 100 جنيه»، بفائدة 4.5% سنويا ومعافاة من الضرائب، كما لا يجوز الحجز عليها، ويمكن الاقتراض بضمانها من البنوك.

وبلغت حصيلة تلك السندات بعد شهر واحد فقط من بدء الحرب 7 ملايين جنيه، وفى وقت لاحق من العام نفسه أعلنت الحكومة أن الاكتتاب فى «سندات الجهاد» إجبارى، باستثناء محدودى الدخل من المواطنين، ولم تكن «سندات الجهاد» هى المشاركة الوحيدة للمواطنين فى دعم القوات المسلحة، حيث أعلنت وزارة المالية بتاريخ 18 نوفمبر زيادة الإيرادات الضريبية بمصلحة الضرائب بواقع 23.5 مليون جنيه على عام 1972، ليصل إجمالى الحصيلة الضريبية لـ150 مليون جنيه، وهو ما أرجعته الوزارة إلى إقبال المواطنين على دفع المستحقات الضريبية الخاصة بهم بدافع الوطنية.

كانت الحرب على الجبهة، وكان القطاع العام فى حرب إنتاج داخلية، أهلته لتوفير احتياجات المعركة، واحتياجات الشعب المصرى وقتها، بل والتصدير للخارج لتوفير العملة الصعبة.

ويذكر أن وقت الحرب لم يتغيب عامل عن شركته أو مصنعه، ولم يحصل عامل على إجازة عيد الفطر، وعملت الشركات تحت شعار «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة».

انتصارات سلاح البترول 
كان ل "سلاح البترول العربي"،  دور في المساهمة في الثأر من العدو ، حيث شهد يوم 17 أكتوبر دور فعال للنفط العربي في دعم القوات المسلحة المصرية، حيث قطعت الدول العربية إمداداتها النفطية عن أمريكا وبعض الدول الأوروبية، ومن هنا شهد هذا اليوم انتصارات متوالية ومعارك ضارية خاضتها القوات المصرية مدعومة بميزة كبيرة جعلته يفرق عن عدوه

وانضمت مصر الى منظمة الاقطار العربية المصدرة للبترول "أوابك" في مارس 1973، وبذات الشهر أيضا تم إنشاء أول وزارة للبترول فى مصر لتتولى المسؤولية الكاملة لهذه الصناعة الحيوية ، وإدارة الدور السياسى والاستراتيجى والاقتصادى للبترول إستعدادًا لحرب اكتوبر 1973 .

- إستعادة حقول بترول سيناء في 17 نوفمبر 1975 واتخذ هذا اليوم عيدًا للبترول من كل عام .
- تم إعادة تشغيل معامل السويس .
- يناير 1974 تم إنشاء الشركة العربية لأنابيب البترول "سوميد" كنموذج للاستثمار العربى المشترك
- إبريل من نفس العام بدأ تنفيذ المرحلة الأولى بطاقة 40 مليون طن سنويًا
- ديسمبر 1976 تم تفريغ أول ناقلة فى العين السخنة
- وفى عام 1976 صدر القانون رقم 20 بإنشاء الهيئة المصرية العامة للبترول
- يناير 1977 تم شحن أول ناقلة بترول لخط سوميد من سيدي كرير
- عام 1978 تم تأسيس شركة بتروبل كشركة مشتركة بين الجانبين المصري والإيطالي
- أسند لـ"بتروبل" إدارة عمليات حقول الغاز بأبو ماضي .
- أكتوبر 1978 بدء تشغيل المرحلة الثانية لخط سوميد بطاقة 80 مليون طن / سنويً

المكاسب الاقتصادية بعد الحرب
اللافت للنظر أنه على الرغم من حالة الحرب المستمرة على مدى 7 سنوات، شهد عام 1973 عددا من المشروعات الصناعية الطموحة، على رأسها بدء إنتاج السيارة «نصر 125» بمصانع النصر للسيارات، والإعلان عن مشروعات تنموية مثل مترو الأنفاق، وتنفيذ خطوط أنابيب بترولية لنقل البترول من السويس للإسكندرية، وإنشاء 8 محطات كهرباء بتكلفة 10 ملايين جنيه، للحد من مشكلات انقطاع الكهرباء.

وعلى صعيد الدعم العربى، فبجانب الدور الذى لعبته الدول العربية المنتجة للبترول فى قطع البترول عن الدول الغربية، قرر المجلس الاقتصادى العربى فى ديسمبر 1973 تأسيس البنك العربى الأفريقى، لدعم الاقتصاد العربى خلال الحرب وبعدها.

وظهرت لأول مرة الصناعات المتوسطة والصغيرة في عصر الرئيس السادات عقب انتصارات أكتوبر، ومن هنا نشأت فكرة المدن الصناعية التى حاول نظام السادات عن طريقها تعويض ضمور القطاع العام الصناعي، وبدأت مصر في الانفتاح الاقتصادى لتعويض ما فقدته على مدى السنوات ما بين نكسة 1976 وانتصار أكتوبر 1973، ليصدر القانون رقم 43 لسنة 1974 والخاص باستثمار رأس المال العربى والأجنبى والمناطق الحرة، ثم توالت بعد ذلك القوانين والتعديلات في جميع الجبهات، لكى تتوافق مع سياسة "الانفتاح الاقتصادي".

 وأيضا افتتاح فروع البنوك الأجنبية الدولية في مصر، وفي نفس الوقت اقدمت هذه البنوك علي منح  التسهيلات المصرفية وتسهيلات الموردين
وعلى مستوى السياحة كان للحرب نتائجها المبهرة، فبدونها لما كان هناك أمان ولا تطور عمرانى أفرز العديد من المناطق السياحية على رأسها شرم الشيخ والغردقة وكل المنتجعات في البحر الأحمر.