الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. هادى التونسي يكتب: الضحية

صدى البلد

هو ...عامل ماهر يعمل في الخارج بأجر لم يحلم به ، يتفنن في عمله ، فيجذب انتباه عملائه ، ويشعر بسعادة وقتية لأنه كسر وحدته وحصل على تعاطف وتقدير . ولكن ذلك لا يكفى احتياجه الغلاب للشفقة ولو كانت عاجزة ، فهو لعيب ما يحس بيأس دائم يخلق مزاجا سوداويا ، فيركز على كل ما يراه سلبيا ، يبالغ فيه ، ويجتر مرارته ، فإذا ما ضج بالتعاسة انطلق يشكو لمن حوله . ومنهم من يسايره أو من يلفظه أو من يتحمله لفترة ثم ينفض عنه ، رغم أنه كان حريصا على مجاملتهم  وخدمتهم وكأنما  يريد أن يخجلهم ليسمعونه .... يعود إلى نفسه يتفجر بالثورة ، فيجد نفسه وحيدا ملولا في بلدة هادئة ، لا تلهيه  كمدن أخرى بسهراتها  وأمسياتها  وضجيجها ، فيهرب من عمله  ، ويعود لمصر ، وتنهار طموحاته المالية ، وهو لا يدرى أنه ربما كان يهرب من نفسه.

هي ... أرملة لا تتكسب رغم موهبتها بالقدر الكافي  من عملها ، افتقدت الحنان  بوفاة زوجها  والجاذبية الشكلية  بمرور سنوات العمر  ، فلا تشعر بأمان أو بأمل في مستقبل تواجهه بمفردها  ، فتعوض الخوف والحرمان بحب متملك لأسرتها  يعزلهم عن الآخرين ليوجههم في مسارات تختارها بعناية ، أو بسيطرة بأي ثمن على الآخرين  ، عسى ممارسة القوة تعوضها عن الجاذبية المفقودة والثراء بعيد المنال  ، في بداية التعارف تجذب الانتباه بروح مرحة  وتعاطف مصطنع وفكاهات معادة ترويها بذكاء تمهيدا لعرض مواهبها وأنشطتها  وجذب الاهتمام والإعجاب . لكن ذلك لا يلهيها عندما تختلي إلى نفسها  وتجتر مرارتها  ، فيدفعها شعورها بالملل والكآبة إلى الشكوى للآخرين ... ينفضون عنها بمرور الوقت  ، فتتزايد وحدتها  ، وتدور لاهثة في الدائرة المفرغة ، وهى لا تدرى أنها تهرب من نفسها.

أين المفر إذن ؟ وهل يريد أحدهما حقيقة معرفة الإجابة  ؟ . لا أعتقد ذلك  ، وإلا لما استمرا  في بناء التعاسة في الداخل  ونشر الشقاء حولهما دون نهاية . بل أنهما لا يريدان  رؤية حقيقة ما بداخلهما ويخافان مواجهة المنتقدين  ، حتى لو كان النقد عارضا  ، فيدافعان عن مواقفهما  بإصرار يرى التغيير الممكن هزيمة وضعفا، حتى ولو كان مفتاح الأمل و قبوله دليل قوة وأمان.

إننا  لا نختار كل ما تبلينا به الدنيا ، سواء كان عجزا اوسنا  أو مرضا  أو فقرا أحيانا  ، ولكننا  بالقطع نختار مواقفنا تجاهها . لقد تخير كل منهما ألا يرى حقيقة مشكلته  ، وتصور أنه لو أتقن دور الضحية الجاحدة سيعوضه الآخرون بما احتاجه وسيعفونه من المسؤولية  والعطاء  ، شفقة أو ذنبا . ولم ير أي منهما أن استمرار احتياجه دليل فشل الاختيار  ، وانه حتى لو حصل على بعض فوائد عارضة  من آخرين  ، فان نفور من يفهمونه يملأ لا وعيه  بمزيد من الاحتياج  والشك في الذات  ، بل  إن هؤلاء  لا يرون  فيه قوة يتصورها في نفسه بل ضعفا  وشقاء ، وربما جهلا  وشرورا.

هل يمكننا إذن تخيل آي اختيار أفضل  ؟  وماذا يحدث لو تحمل أحدهما ولو مرة آلما  بنا ء  يدرك من خلاله حقيقة مشكلته  وفشل حلوله على أرض الواقع ، ويسعى للإفادة من  مواهبه بنضج  لا يكون  على حساب الآخرين  ؟  أليس ذلك الألم العارض  في النهاية على قسوته أوفر من الآلام  والفشل  طيل العمر  ؟  وهل حقا لا يوجد في الدنيا  ما يفيد سوى الثروة والجمال والسلطة ؟ وماذا إذن عن العطاء والإبداع والسمو الروحي  والنفسي  وعمق الإدراك  والشعور والتسليم بإرادة الله بعد بذل المستطاع  ؟
    الإجابة تعتمد على الاختيار.