الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

إلا الرسول الكريم


قبل كل شيء أود أن أؤكد موقفي الراسخ والثابت الذي يرفض ويدين بكل قوة الرسوم المسيئة للرسول الكريم محمد "عليه السلام"، من قبل صحيفة "تشارلي إبدو" الفرنسية، وإدانتي أيضًا للتصريحات التي أكد فيها الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" على استمرار نشر الرسوم المسيئة، وهذا الموقف كان واضحًا أيضًا وأعلنته وقت الرسوم المسيئة للإسلام التي نشرتها صحيفة فرنسية. 

وقبلها أدنت بقوة عام 2010 و2012 حملات مسعورة تستهدف الإساءة للإسلام عبر حملات ممنهجة شنها القس الأمريكي المتطرف تيري جونز لحرق القرآن الكريم، حيث وقتها أدنت هذه الحملة وطالبت بمحاكمته ودعوت إلى سن تشريع أممي يُجرم مُعاداة الأديان، أعقبها إطلاق حملة دولية قمت بإطلاقها عام 2015 للمطالبة بسن هذا التشريع حفاظا على السلم والأمن الدوليين، خاصة وإنني أرى وأؤكد أن حرية الرأي والتعبير لا يمكن على الإطلاق أن تكون وسيلة لشن حروب بلا هوادة على أي دين أو معتقد، وجرح مشاعر أتباع هذا الدين، وتأجيج نعرات الكراهية والبغضة وتذكيتها بين الشعوب. 

كما أكدت أيضًا على رفضي التام والقاطع لكل الصور الخارجة عن القانون والسلمية التي تقترن بالإساءة للأديان لما في ذلك من تأثير سيء وسلبي على صورة الدين ، وهو ما يجعل ضرورة سن تشريع دولي برعاية الأمم المتحدة يُجرم الإساءة للأديان مطلبا مُلحًا وضرورة من أجل سلام الشعوب، وربما يتهمني البعض هنا بالنفاق والتملق لدفاعي عن الإسلام والمسلمين ضد الحملات الممنهجة التي تستهدفهم بالإساءة وتلصق بهم الإرهاب زورًا وبهتانًا الإرهاب وتجعل هناك حالة رعب من كل ما هو إسلامي ومسلم، ولكن هذه الاتهامات لم ولن تثنيني كمصري مسيحي عن موقفي الرافض للإساءة لإخوتنا المسلمين ومعتقداتهم عبر تصرفات حمقاء ترتكبها بعض الصحف والمجلات الأجنبية عامدة متعمدة للإساءة للإسلام وشيطنة المسلمين والحط من مكانة الرسول الكريم تحت ستار حرية الرأي والتعبير، وهي حرية لا تقل خطرًا عن الإرهاب، لأنها تذكي الفُرقة وتحط من كرامة الأديان ومكانتها في قلوب من يؤمنون بها. 

فحرية الرأي والتعبير لا يجب أن تكون مطلقة وإلا تحولت إلى فوضى تهدد سلام المجتمع الدولي كله، وفي ذات الوقت فإنني استنكر تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن الرسوم المسيئة عندما أكد على حق وسائل الإعلام  في السخرية من الأديان وذلك خلال مراسم تكريم أقيمت للمدرس "صامويل باتي" الذي قُتل بقطع رأسه في 16 أكتوبر على يد متطرف روسي لعرضه هذه الرسوم على تلاميذه في المدرسة خلال صف بشأن حرية التعبير. 

فهذه التصريحات من الرئيس الفرنسي لا تقل خطرًا عن الإرهاب ، بل بمثابة تحريض علني على زعزعة السلام العالمي، لأن الأديان مقدسة في نفوس وقلوب المؤمنين بها والسخرية منها ما هي إلا استفزاز لهم وجرح لمشاعرهم، ليس فقط لانطلاق موجات عنيفة من صراع الحضارات بل قد يُفجر هذا التصريح المنفلت موجة من صراع الأديان في العالم في وقت تتغنى فيه دول العالم بأكذوبة الدين العالمي الجديد الذي يسعى إليه بابا الفاتيكان وهو في الحقيقة هدفه الأساسي تدجين العالم الإسلامي في مواجهة الدفاع عن ثوابته الدينية وتدجين المسيحيين الأرثوذكس حول العالم حال محاولات التفريط في تقاليدهم وطقوسهم وثوابتهم الدينية التي تسلموها من الرسل القديسين من أجل عيون الماسونية العالمية. 

وإنني هنا أشيد بموقف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عندما قال في خطابه التاريخي بمناسبة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف أنه يرفض الإساءة للأديان جميعها وأن المسلم لم ولن يكون إيمانه كاملًا إلا إذا آمن بكل الرسل، رافضًا تحميل العالم الإسلامي كله وزر فئة قليلة ضلت وانحرفت وفسدت من المسلمين، وتأكيده على أنه من حق المسلمين ألا تُجرح مشاعرهم الدينية بالإساءة لدينهم وهو موقف شجاع للرئيس السيسي، انتفض فيه كمسلم أولا للدفاع عن دينه وكل الأديان من محاولات الإساءة لها، فلم نره أمسك العصا من المنتصف أو لجأ للحياد تحت ستار السياسة على حساب الإساءة للأديان جميعها. 

كما أن موقف الأمم المتحدة كان واضحا ومشرفا برفض هذه الرسوم المسيئة للإسلام، عندما أعرب "ميجيبل موراتينوس" الممثل الدولي السامي لتحالف الحضارات عن إدانته للرسوم المسيئة للرسول ، كما أنه حذر من إهانة الأديان والرموز الدينية المقدسة مؤكدًا على أن حرية الرأي والتعبير ينبغي أن تحترم بالكامل المعتقدات الدينية لجميع الأديان، كما دانت عدة دول هذه الإساءة، وفي ذات الوقت أريد أن أذكر القاريء العزيز أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل كانت قد اكدت أيضًا في خطاب لها أمام الإتحاد الأوروبي على أهمية إرساء مبدأ حرية الرأي والتعبير بضوابط عندما قالت "حرية التعبير لها حدود وتنتهي حيثما يتم التحريض ونشر الكراهية وتنتهك كرامة الآخرين".

كما أن انجيلا ميركل نفسها سمحت بمُقاضاة إعلامي ألماني  بسبب  رسوم سخر وتهكم فيها من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان  !! وهو جلب لها موجة من الانتقادات الشديدة من قبل البعض الذين يرون أن حرية التعبير قيمة أصيلة لن تتخلى عنها الدول الاوروبية ، إلا أنني أرى أن هذه القيمة ستتحول إلى أداة وسلاح فتاك لا يقل خطرًا عن الإرهاب إذا تُركت حرية الرأي والتعبير بلا ضوابط ، أو لم تقابلها مسئولية ، ومتى لم تراعِ قيم السلام والعيش المشترك والقيم الدينية ، والحق أقول إنني للآن ما زلت مندهشًا من التجاهل التام والصمت الذي اتخذه قداسة البابا تواضروس الثاني سواء تجاه انتفاضة إخوتنا المسلمين تجاه الرسوم المسيئة أو تجاه تصريحات ماكرون الكارثية ، وهو تصرف لم تعهده الكنيسة من قبل خاصة وأن غالبية أقباط مصر رفضوا خذه الإساءة على السوشيال ميديا وتضامنوا مع إخوتهم المسلمين ،وكذلك بعد الغضب العارم من المسلمين حول العالم بسبب هذه الإساءة للرسول الكريم ، وربما يعزز هذا الموقف الذي اتخذه البابا صمته أيضًا على إهانة الكنيسة والبابا شنودة الثالث وبعض أساقفة المجمع المقدس مؤخرا من قبل كتاب نشرته إحدى الصحفيات وكتاب آخر هاجم الكنيسة والبابا شنودة الثالث بلا هوادة  لمؤسس التيار العلماني القبطي، لقد صمت قداسته بالفعل تحت ستار حرية الصحافة متناسيا أن حرية الصحافة يجب أن تراعي قيم المجتمع وثوابته الدينية. 

فمن المؤكد أن موقف البابا تواضروس الثاني ظهر جليًا متناقضًا مع موقف البابا الوطني الراحل البابا شنودة الثالث في أزمة الرسوم الدنماركية المسيئة للرسول الكريم عليه السلام ، حيث كان موقف قداسة البابا شنودة الثالث واضحًا ومشرفًا وقويًا لا إلتباس فيه  عندما أدان قداسته ورؤساء مجلس كنائس الشرق الاوسط نشر صحف دنماركية وأوروبية رسومًا مسيئة إلى النبي محمد ، واصفًا هذا السلوك بأنه اعتداء صارخ على معتقدات المسلمين وانتهاك واستفزاز لمشاعرهم الدينية ، كما أكد بيانان صادران عن مجلس كنائس الشرق الأوسط برئاسة قداسة البابا شنودة الثالث وعدد من رؤساء الطوائف المسيحية وقتها ، وقعهما الدكتور جرجس صالح ،الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط أن نشر الرسوم المسيئة تمثل انتهاكات حمقاء وممارسات شاذة تشكل مصدرا شريرا لتغذية الإرهاب العالمي وبوقا ناعقا لتأصيل الصراع بين أتباع الديانات والثقافات والحضارات ودعوة منكرة إلى غرس العداوة والبغضاء بين الناس ، في حين طالب البابا شنودة ورؤساء مجلس الكنائس بوأد الفتنة وقطع الطريق على محاولات الأيادي الشريرة ضرب الحياة المشتركة بين المسلمين والمسيحيين. 

وأنا هنا أتساءل لماذا صمت البابا تواضروس ولم بصدر حتى بيانًا تضامنيًا مع إخوته المسلمين في هذه الأزمة حاليا خاصة بعد  تصريحات ماكرون  الكارثية مثلما فعل قداسة البابا شنودة الثالث ؟ ولماذا لم يفعلها مثلما استنكر من قبل وعلى مضض الرسوم المسيئة للإسلام  عام 2015 خلال مؤتمر صحفي مشترك  جمعه  ببطريرك إثيوبيا عام  وقتها ؟  أين المحبة التي يكلمنا عنها البابا تواضروس كل يوم ؟ ولماذا لا يسير مع جموع الأقباط الذين رفضوا ونددوا بالإساءة للإسلام والمسلمين ؟ ! أم أن قداسته يغازل ماكرون على حساب  مشاعر  أشقاء الوطن ؟!

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط