الخريف الأوروبي.. القارة العجوز على أعتاب ثورات شعبية بسبب فشل السياسيين في الاستعداد لموجة كورونا الثانية

تقف أوروبا الآن على حافة "انتفاضات شعبية" بسبب فشل حكوماتهم في مواجهة تداعيات فيروس كورونا المستجد، واضطرار القادة السياسيين إلى فرض إغلاق ثان، وهو ما يجعل القارة العجوز على أعتاب ما يسمى "الخريف الأوروبي". 

حذرت صحيفة "الأوبزرفر" البريطانية من أن أوروبا على أعتاب ثورة  حيث تتزايد المخاوف من الاضطرابات المدنية خصوصا أنه لم يعد المواطنون في جميع أنحاء القارة يثقون في القادة لحمايتهم خلال تفشي الموجة الثانية من فيروس كورونا المستجد "كوفيد – 19". 

وأشارت الصحيفة إلى أنه مع انتشار الموجة الثانية من كورونا، امتلأت أسرة المستشفيات بالمرضي، ودخلت الدول على مضض نحو درجات متفاوتة من الإغلاق الجزئي، وتمت الموافقة على تغيير برامج التلفزيون للسماح للقادة بمخاطبة الدول المنهكة.

وخلال خطابه التي أعلن فيه حظر التجوال بداية من السادسة مساء وإغلاق المطاعم والحانات، دعا جوزيبي كونتي رئيس الوزراء الإيطالي إلى الوحدة الوطنية، مضيفا أن" لو احترمنا القواعد الجديدة خلال شهر نوفمبر، سوف ننجح في إبقاء منحنى الوباء تحت السيطرة". 

وتابع كونتي: " وبهذه الطريقة سنتمكن من تخفيف القيود والانتقال إلى احتفالات عيد الميلاد بهدوء أكبر".

في حديثه من الإليزيه، أصدر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قرارا بإغلاق وطني جديد، يستمر حتى 1 ديسمبر المقبل، وحذر فرنسا من أن الموجة الجديدة من الإصابات من المرجح أن تكون أكثر فتكا من الأولى.

وفي بلجيكا، حيث ينتشر كوفيد – 19 بسرعة أكبر من أي دولة أوروبية أخرى، قال ألكسندر دي كرو رئيس الوزراء الجديد إنه يأمل أن فريق من 11 مليون بلحيكي سوف يتحدون معا بإتباع القواعد المشددة. 

وأشارت الصحيفة إلى أنه من حيث اللهجة والروح، رددت الرسائل تلك التي قالها السياسيون في مارس الماضي، عندما أدت الصدمة والخوف السكان إلى الالتفاف حول القادة والموافقة على القيود غير المعروفة خارج زمن الحرب. بعد ثمانية أشهر، هذا النوع من الثقة وحسن النية غير متوفر.

وجدت أوروبا نفسها مرة أخرى كساحة لوباء عالمي، حيث يوجد بها ما يقرب من نصف الإصابات في العالم الأسبوع الماضي. ولكن مع فشل الدعم المالي في تعزيز أنظمة التتبع والتعقب في التعامل مع زيادة ضحايا كورونا، هناك سخط عام، وفي بعض الحالات، تمرد مفتوح.

مساء أمس الأول الجمعة، ألقى المتظاهرون زجاجات حارقة على الشرطة في فلورنسا، في أحدث اندلاع للاضطرابات الاجتماعية في أعقاب قواعد كونتي الجديدة.

بينو إسبوزيتو، حلاق نابولي، هو أحد أولئك الذين فقدوا الثقة في الأوامر الصادرة عن الحكومة. في مدينته، يقود إسبوزيتو مجموعة من رجال الأعمال الصغار في حملة ضد القيود الجديدة. يقول: "نحن نحتج لأن جميع الحكومات الأوروبية، بما في ذلك حكومتنا، وجدت نفسها غير مستعدة للموجة الثانية. منذ مارس كانوا يقولون إن الموجة الثانية ستأتي في أكتوبر أو نوفمبر، وستكون أكثر خطورة.

وأضاف أنه "لكن لم يتم وضع أي استعدادات لمدارسنا أو نظامنا الصحي أو الوظائف أو تقديم الحوافز. والدعم المالي الذي وعدنا به ليس موجودا للوصول إليه. ولكن يجب على الشركات الحصول عليها إذا أرادت أن تظل مغلقة ويحتاج الموظفون إلى أموال البطالة على الفور".

وعبر القارة العجوز، هناك أدلة مشابهة على أن المواطنين يجدون صعوبة اقتصادية وإرهاق نفسي، وأشارت منظمة الصحة العالمية في دراسة خلال أكتوبر الماضي إلى انتشار اللامبالاة وانخفاض الدافع لاتباع إرشادات الصحة العامة. وتضاعفت المشاعر السلبية بسبب الشكوك المتزايدة في قدرة الحكومات على مواجهة أزمة تدمر سبل عيش الناس وتهدد صحتهم.

ووفقا لرئيس البنك المركزي الأوروبي كريستين لاجارد، فإن الانتعاش الاقتصادي الجزئي للقارة الذي شهدته خلال الصيف وأوائل الخريف كان "غير متكافئ وغير مؤكد وغير كامل". 

ومع اقتراب الموجة الثانية، قالت لاجارد في مقابلة أجريت معها مؤخرا "إن الانتعاش الاقتصادي للقارة يواجه خطر الانقراض الآن".

ومن ميلانو إلى مانشستر، ومن مارسيليا إلى مدريد، فإن هذا التصور خلق موجة من الثورات، وفي أعقاب تخفيف قيود كورونا خلال الربيع، فإن خليط اللوائح والقيود اللاحق على بعض العمال، والمناطق أصعب بكثير من غيرها.

وأدى قرار الحكومة الإسبانية إعلان حالة الطوارئ لمدة 6 أشهر إلى احتجاجات غاضبة في جميع أنحاء البلاد وخلاف مرير مع الحكومة الإقليمية المحافظة في العاصمة مدريد، التي اتهمتها بتجاوز سلطاتها.

لقد تجاوز رؤساء بلديات تسع مدن، بما في ذلك برشلونة ولشبونة وبراج وميلانو، حكوماتهم الوطنية للكتابة مباشرة إلى رئيس المجلس الأوروبي تشارلز ميشيل، للمطالبة بالحصول على 750 مليار يورو (676 مليار جنيه إسترليني)  من صندوق التعافي الأوروبي.

وفي ألمانيا، حيث تم فرض إغلاق جزئي، تظاهر الآلاف من العاملين في مجال الفن والسياحة في العاصمة برلين، للمطالبة بالمزيد من الدعم المادي.

في إيطاليا، يبدو أن نقطة التحول قريبة بشكل مقلق. اندلعت مظاهرات غاضبة في نابولي منذ أكثر من أسبوع بقليل، بعد فرض حظر تجول محلي.

وأعقبت الاحتجاجات اضطرابات مدنية في ميلانو وتورين حيث نهبت المتاجر الفاخرة. يقول روبرتو سافيانو، الصحفي الإيطالي ومؤلف كتاب جومورا "أعتقد أن هذه ليست سوى البداية، في الإغلاق الأول، كان الإيطاليون متحدون في فكرة أن هذه كانت حالة طوارئ جديدة تماما، وهو وضع تجد أي حكومة صعوبة في التعامل معه. الآن يشعرون بالخداع".

في عمود لصحيفة "لاستامبا" الأسبوع الماضي، كتب الفيلسوف والعمدة السابق لمدينة فينيسيا ماسيمو كاتشياري: "تمت إضافة أزمة اجتماعية إلى أزمة الصحة العامة، الأزمة تخلق اختلافات في الدخل وظروف المعيشة التي هي تماما يتعارض مع ما نعنيه بـ "الديمقراطية". هل نحن على علم بهذا؟ حتى الآن، لا أعتقد ذلك. لكن ليس هناك لحظة نضيعها".