الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. إيمان عادل أنور تكتب: الأمية وجيتو اللاوعي

صدى البلد


الأمية آفة الأمم وبها تقيد خطواتها، فالأميُّ لا يدرك معاني الحكمة ومضامين الكلمة، وهذا ما صوره القرآن الكريم (الآية 43 سورة العنكبوت) في قوله تعالي:" وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ۖ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ" ، وقريب من هذا ما ذكره سفر الأمثال " أَمَّا الْجَاهِلُونَ فَيَحْتَقِرُونَ الْحِكْمَةَ وَالأَدَبَ"
أشعر بغِصة حين يصادفني قول المتنبي : "يا أمةً ضحكتْ من جهلها الأممُ" ، والجهل  مبعثه دوما  الأمية،  التي تؤدي في كل الأحول  إلى تعصب  أفراد المجتمع  وتطرفهم وعدم  إدراكهم  لمفهوم الإنتماء للوطن الذي يعيشون فيه؛ والذي يعد من المفاهيم المتوارثة التي تولد مع الإنسان، ويجب على المؤسسات المعنية الحرص على تأكيدها وتأجيجها لدى الفرد، ولم يكن عجيبًا أن يعبر الرسول ﷺ عن ذلك من خلال التأكيد على حبِّه لمكة، وكراهية الخروج منها، كما أنه أيضا قام بعمل مبادرة تعد الأولى من نوعها حين حكم أن يفتدي كل أسير من أسرى بدر نفسه بتعليم عشر من الصحابة.
وجدير ذكره في مقامنا هذا أن الأدب – وبخاصة أدب المهجر-  لم يك بعيدا عن تناول مفهوم الإنتماء للوطن ومضامينه؛ كما أنه من واقع دراستي الأكاديمية في الحوار الحضاري بين  عالمنا العربي وألمانيا، قد لفتت انتباهي  دراسة تشير إلى أن ثمة نسبة لا يستهان بها من النشء الألماني حتى سن الخامسة عشرة  ليست لديهم القدرة بصورة صحيحة على القراءة  والكتابة، وهؤلاء  يمكن يعدوا مستقبلا "أميين بصفة وظيفية"، أي أن  ضعفهم   هذا  لا يرقى بهم إلى الحصول  على وظيفة  تؤكد  لهم معيشة راضيةعيشة كريمة  في مجتمعهم ،  والسبب  في  مثل  وجود هذا الضعف- كما تذكر الدراسة-  خلل في هيكلة القطاع التعليمي بألمانيا.
للأسف في مجتمعنا المصري قد بلــغت نسبة الأميــة  بين الشباب فى الفئة العمريــة (18 ـ 29 سنة) 16 % من إجمــالي الشبــاب (13,5 % ذكور ، 18,5 % إناث)؛  إلا أن ما أسعدني في هذه الأيام هو موافقة مجلس جامعة الأزهر – التي أنتمي إليها -  على النظر في توصية لجنة خدمة المجتمع وتنمية البيئة والخاصة بتفعيل توصية المجلس الأعلى للجامعات حول قيام كل طالب من طلاب الكليات النظرية بدءًا من العام الجامعي 2020/2021م بمحو أمية أربعة أشخاص، واعتبار ذلك شرطًا أساسًيا للحصول على شهادة التخرج، ولعل مبعث هذا هو ادراك مؤسسة الأزهر جيدا أن مثل هذا ينمي وعي الطالب الأزهري بانتمائه الوطني، ويعده لأن يكون مواطنا مسئولا تجاه مجتمعه، كما تلعب هذه المبادرة وأمثالها دورا هاما في سد الخلل الذي أصاب المراحل الأولى للتعليم.
وبسبب هذا ومنذ فترة ليست بالبعيدة حرصت منظمة اليونسكو من خلال شبكتها العالمية ومكاتبها الميدانية ومعاهدها على ربط تعلم القراءة والكتابة بالتكنولوجيا الرقمية وتعزيزها في إطار التعلم ، لتحقيق خطة التنمية المستدامة حتى عام 2030 م. السؤال الذي يمكننا طرحه هنا: هل يمكن أن تنجح كل هذه المبادرات في الخروج بمجتمعنا من جيتو اللاوعي؟ هذا بالطبع ما نأمله ونرجو أن يكون واقعا ملموسًا في القريب العاجل، فالأمية آفة وأي آفة.