الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الدواء البيطري الوهمي


إذا كان العنوان صادمًا فلك أن تتخيل ان حلة وبراد شاى وعدة زجاجات فارغة هو كل ما يحتاجه أى شخص معدوم الضمير لتعبئة ما يخطر على باله من الادوية البيطرية الوهمية , فعبوة دواء ثمنها جنيهان ونصف على سبيل المثال لا الحصر ماذا يمكن ان يوجد بها ؟ فلو تمت تعبئتها بماء نظيف لتكلفت أكثر من ذلك .


والضحية الاولى هو المربى البسيط الذى يقتنى عدة رؤوس ماشية أو مزرعة دواجن صغيرة , أما الكبار فلهم أنظمة تربية مُحكمة يشرف عليها أطباء بيطريون يعرفون جيدًا الفرق بين الدواء الحقيقى وبين الدواء الوهمى , وما أكثر أنواع وأسماء الادوية البيطرية فى دولة عدد سكانها تجاوز المائة مليون نسمة , يستهلكون لحوما ودواجن وأسماكا بمليارات الجنيهات فى كل عام , للأسف معظمها مستورد من الخارج , نتيجة ارتفاع تكلفة الانتاج فى الداخل , التى يقع ضمن أسبابها المباشرة المبالغة فى تكلفة الادوية البيطرية.


فالدواء البيطرى فى مصر يتم بيعه بأى سعر على هوى المستورد أو المُصنع أو البائع للمستهلك النهائى , هذا ان كان علاجًا حقيقيًا وليس وهمًا يتم تعبئته فى أماكن مجهولة , فلا توجد أى تسعيرة لأى مستحضر بيطرى فى مصر , لذا الكل يبيع بالسعر الذى يحلو له , ولا توجد أى رقابة لاحقة على الانتاج فى مصر , ناهيك عن ان الغالبية العظمى من الادوية يتم تسجيلها فى وزارة الزراعة على أنها إضافات أعلاف , هربًا من البيروقراطية والروتين فى تسجيل الادوية فى وزارة الصحة .


وستجد مئات المستحضرات البيطرية مكتوبا عليها إضافات أعلاف , تحت مسمى فيتامينات أو رافع مناعة أو مضاد سموم بيولوجى أو غسيل كلوى أو منشط كبدى , كى يسهل تسجيلها فى وزارة الزراعة , نفس سيناريو تسجيل المكملات الغذائية فى القطاع البشرى , حيث يتم تسجيل العديد من الفيتامينات فى معهد الاغذية , وان كانت المكملات الغذائية فى القطاع البشرى دورها ثانوى فى العلاج , أما فى القطاع البيطرى فإضافات الاعلاف دورها أساسى فى العلاج , وتتسبب فى خسائر فادحة للعديد من المربين نتيجة عدم الكفاءة أو نتيجة شراؤها بقيم مبالغ فيها , مما يؤدى الى ارتفاع تكلفة الانتاج وعدم القدرة على منافسة اللحوم والدواجن المستوردة .


لذا وجب علينا ان نراجع مراحل إنتاج وتداول وبيع الادوية البيطرية مهما كان المسمى , مضادات حيوية ,أمصال ولقاحات , إضافات أعلاف , ما دام المنتج يتم إعطاؤه للحيوانات أو الطيور أو الاسماك فيجب ان يكون خاضعا للفحص أثناء جميع المراحل , وأن يتم إنتاجه فى مصانع خاضعة لوزارة الصحة , وان يكون البائع للمستهلك النهائى صيدليا أو طبيبا بيطريا كى يكون على علم بالتركيبة والاستخدام الامثل , وبالطبع وضع تسعيرة محددة لكل منتج مهما كان المسمى , مضاد حيوى او اضافات أعلاف وغيرهما .


أضف لذلك أهمية خضوع المنتجات المستوردة للفحص الدورى بواسطة وزارة الصحة و هيئة الخدمات البيطرية، كى لا نفاجأ بمنتجات مغشوشة فى الاسواق يتم فيها تقليد العبوات الاصلية وطرحها للمستهلك نتيجة ضعف الرقابة والتفتيش , ناهيك عن غش وتقليد الادوية المحلية , فمن المحزن ان تسمع من الكثير من الاطباء البيطريين ان معظم الدواء البيطرى شمال , وهو تعبير دارج يعبر عن حالة من الفوضى فى هذا السوق الحيوى المرتبط باقتصاد يشمل عشرات المليارات من الجنيهات فى صورة استثمارات الثروة الحيوانية والداجنة .


طريق الاصلاح طويل وصعب ولكنه ليس مستحيلًا , وإصلاح حال قطاع الادوية البيطرية سيؤدى الى انتعاش اقتصادى كبير لكل المنتجين والعاملين فى قطاع إنتاجى يعتبر شريانا رئيسيا من أهم شرايين الاقتصاد المصرى.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط