«التسامح» خلق رفيع دعا إليه الإسلام بنصوص القرآن والسنة، وقد جسد النبىصلى الله عليه وسلم أعظم درجاته، فقد كان لينا سمحا مع الجميع: أنصارهوخصومه، والمسلمين وغير المسلمين، وما غضب لنفسه قط. وفى الوقت الذىالتسامح ركيزة دينيةوإنسانية، لتحقيق السلام والتعايش الآمن ونبذ الأحقاد والكراهية، وأنهخلق تسعد به الأمم وتأتلف المجتمعات.
دعوة الإسلام ترتكز بالأساس إلى التسامح، لذا أنزل الله على حبيبه صلىالله عليه وسلم ـ بعد أن أظهره على أعدائه ـ قوله تعالى :(لَّايَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِوَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُواإِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. إِنَّمَا يَنْهَاكُمُاللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّندِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَنيَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ). ويضيف: لما كان الإسلاميدعو إلى الايمان بكل الشرائع السماوية فى قوله تعالي: «آمَنَ الرَّسُولُبِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَبِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَأَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَرَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ»، فالرسول ـ صلى الله عليه وسلم يأمرهربنا بالسماحة مع الشرائع السابقة قائلا :«قُلْ صَدَقَ اللَّهُفَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَالْمُشْرِكِينَ». وقال أيضا :«قُلْ إِنَّنِى هَدَانِى رَبِّى إِلَىصِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًاوَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِين».
من هنا نبعت سماحة النبى صلى الله عليه وسلم ـ من نور القرآن العظيم، ألميأمره ربنا بالصفح عن أعدائه بقوله: « فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون»،فالله تعالى يقول ـ لنبيه محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ جوابا له عن دعائهإياه، إذ قال: «يارب إن هؤلاء قوم لايؤمنون»: فاصفح عنهم يامحمد، وأعرضعن أذاهم، وقل لهم: سلام عليكم».
ويتابع: سئل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: أى الأديان أحب إلى الله؟قال: «الحنيفية السمحة». وكان يمتدح العافين من أصحابه على الملأ، للتأسىبهم، فقال: «أيعجز أحدكم أن يكون كأبى ضمضم كان إذا خرج من منزله قال:اللهم إنى تصدقت بعرضى على عبادك». وقال صلى الله عليه وسلم «: من كظمغيظا، وهو يقدر على إنفاذه ملأ الله قلبه أمنا وإيمانا».
ما أحوجنا إلى أن نستعيد تاريخ التسامح الدينى بين البشر حتى يعمالسلام بين أبناء العالم كله.
: حينما نتأمل آيات القرآن الكريم نجد أن الله تعالى أمر نبيه صلىالله عليه وسلم بالصفح الجميل والصبر الجميل والهجر الجميل فقال تعالي:
«فاصفح الصفح الجميل»، وقال: «فاصبر صبرا جميلا» وقال: «واهجرهم هجراجميلا». وهذا يعنى أن الإنسان لابد أن يكون جميلا فى كل أحواله، صابرامحتسبا، راضيا قنوعا، متسامحا، متصالحا مع نفسه ومع من حوله.. وما أجملأن يبلغ هذا التسامح من أساءوا إليه فقال تعالي: «وَلَا تَسْتَوِىالْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَاالَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ».
ما أحوجنا إلى التسامح بين الزوجين حتى تعم السعادة أرجاء الأسرةوالمجتمع، والتسامح بين الأصدقاء، وبين زملاء العمل، وبين والجيران ليتنانتسامح ويتنازل البعض عن حقوقه فى سبيل إعادة روح المودة داخل وخارجالاسرة، وما أحوجنا إلى العفو والصفح حتى نكون أهلا لعفو الله يوم لقاءالله.
التسامح قيمة إنسانية كبري، فضلا عن كل القيم التى جاءت بهاالرسالات السماوية، لأن التعددية والاختلاف بين البشر فى الأديانوالثقافات واللغات والمعتقدات والأفكار والآراء إرادة إلهية، لذا فإنالتعايش السلمى لا يتحقق إلا بالتسامح.
الأفكار المعادية للدين وللوطن بل للانسانية كلها،التى تروج لها الجماعات المتطرفة التى تنشر أفكارا زائفة مناقضة للتسامح،تستهدف إحداث خلل فى تربية النشء، وترسيخ مفاهيم خاطئة فى أذهانهموإيهامهم بأن التسامح ضعف، والعفو خنوع ومذلة، ومنها تكفير الآخرينالمخالفين لجماعتهم، والدعوة إلى إبادة الآخر الذى لا يتفق مع أفكاري.
يجب تضافر جميع الأجهزة والمؤسسات لنشر حقيقة الدين الاسلامى بلالأديان السماوية كلها وغرسها بدءا من الطفولة، مع جعل الدين مادة أساسيةفى المدارس، وضرورة التفريق بين التسامح المرغوب فيه، وبين التهاون فىالحق الذى ينم عن ضعف صاحبه وقلة حيلته، فالإسلام لا يقر الضعفوالاستكانة والتفريط فى الحقوق، فالمسلم يجب أن يكون عزيزا قويا مستمسكابالحق غير متخاذل ولا متقهقر، فليس من خلق التسامح أن أتسامح مع من يهيندينى أو يزدرى وطنى أو عروبتي.. هنا يكون التسامح ضعفا يستوجب الردللحفاظ على قيمة الدين والوطن والإنسان.
ثقافة التسامح فى واقعنا ومجتمعاتنا فوائد عظيمة أهمها:إزالة الأمراض النفسية من الحقد والحسد والكراهية وقطع الطريق على العنفوالجريمة ونبذ التشدد والتطرف والإرهاب. ونشر ثقافة المحبة والمودةوالتعاون والإيثار والشعور بالسلام الداخلى والصفاء النفسى والسعادة.
لو شاعت ثقافة التسامح لصارت مجتمعات المسلمين مراكز إشعاع أخلاقىوقيمى وثقافى تنير العالم كله.