الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مؤيدون للتواجد الروسي في البحر الأحمر: يفتح آفاقا رحبة للتعاون العسكري بين موسكو وأفريقيا ويعزز الحضور الاستراتيجي..ومعارضون: يخلق شريكا جديدا دخيلا للدول المتشاطئة ويشيع جوا غير مريح للجميع

إحدى القطع  البحرية
إحدى القطع البحرية الروسية في بحر البلطيق

  • نورهان الشيخ:
  • الدفاعات الروسية ستحمي المركز اللوجيستي وستساعد في حماية البوابة الشرقية للسودان
  • القاعدة تؤكد حرص السودان على الانفتاح المتوازن على العالم ودرء خطر هيمنة قوة دولية واحدة في التعامل مع الخرطوم
  • مراقبون:
  • أى تواجد أجنبي في أي دولة مجاورة لمصر( السودان أو ليبيا) يمثل خطرا داهما حتميا على التأثير المصري
  • عبد الناصر سعى جاهدا لجعل البحر الأحمر بحيرة عربية وحاول إبعاد بريطانيا من عدن
  • يفتح سباقا غربيا على فتح مزيد من القواعد في تلك المنطقة مما يخلق وضعا جيو- سياسي غير مستقر نتيجة لهذا التنافس


كشف رئيس الوزراء الروسي، ميخائيل ميشوستين، مطلع شهر نوفمبر الجاري، عن اتفاق روسى سوداني حول إنشاء مركز لوجيستي على شواطئ البحر الأحمر السودانية، وتطوير وتحديث بنيته التحتية بهدف صيانة السفن الحربية الروسية، وتموينها، واستراحة أفراد طواقمها. ويقع المركز في منطقة ترينكيتات شمالي بورسودان، ويستوعب أربع سفن، بما فيها تلك المزودة بتجهيزات نووية.


وأثار توقيع الاتفاق والسير قدمًا نحو إدخاله حيز التنفيذ العديد من التساؤلات حول الرسائل التي يحملها، وتداعياته على التوازن الاستراتيجي في المنطقة.


وأكدت الدكتورة نورهان الشيخ، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعضو المجلس المصري للشئون الخارجية، أن الدلالة الأولى من الاتفاق تتعلق بتوجهات السودان، ودوافعه، ومستقبل العلاقات الروسية السودانية، فالقاعدة تشير إلى حرصٍ سوداني على الانفتاح المتوازن على العالم، ودرء خطر هيمنة قوة دولية واحدة، أو غطرستها في التعامل مع السودان.


وقالت "الشيخ"، في تصريحات صحفية، إنه وفي أعقاب ثلاثة عقود من الانغلاق للسودان على الذات، والتوتر في العلاقات السودانية الأمريكية، تؤكد الخرطوم أن انفتاحها متوازن، ويهدف إلى تحقيق المصالح السودانية. وأن وجود قوة كبرى على شواطئ السودان يمثل، من وجهة نظر الخرطوم، تعزيزًا للقدرات الدفاعية السودانية، حيث إن الدفاعات التي ستحمي المركز ستساعد في حماية البوابة الشرقية للسودان، وهي عامل ردع ضد أي محاولة للاعتداء على السودان، أو محاولة للتدخل السافر في شؤونه، وضرب استقراره، وأمنه القومي.

الأسطول السوداني
وأضافت عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية أن هذا المركز اللوجستي الروسي سيمكن السودان من الحصول على الدعم الروسي اللازم لتطوير الأسطول السوداني، وتنمية القدرات البحرية والعسكرية السودانية، ويتيح فرص التدريب للسودانيين داخل القاعدة على منظومات متطورة، فضلًا عن إمداد السودان بمنظومات دفاعية حديثة ومتطورة،وستقدم روسيا كل ذلك للسودان مجانًا، من أسلحة ومعدات عسكرية بهدف تنظيم الدفاع الجوي للمركز اللوجستي المقترح.


وتسلمت قيادة البحرية السودانية في قاعدة بورتسودان البحرية "فلمنجو"، سفينة تدريب حربية مهداة من روسيا، وتعد السفينة إضافة حقيقية لقدرات القوات البحرية السودانية، خاصة في مجال التدريب. ومن ناحية أخرى، ستكون القاعدة قوة دافعة للتعاون بين البلدين في مختلف المجالات الاقتصادية، والتقنية الأخرى.


وأوضحت "الشيخ" أن المركز اللوجستى يعد خطوة، أو نواة يمكن تطويرها إلى قاعدة عسكرية بحرية متكاملة، على غرار ما حدث في طرطوس السورية، لا سيما وأن الشاطئ في المنطقة كبير، ويسمح بالتوسع، ومن المعروف أن الفارق بين المركز اللوجستي والقاعدة هو في عدد السفن التي يمكن استضافتها، وحجم الأطقم العاملة فيها، حيث تتسع القاعدة عادة لتشمل ورش صيانة ومراكز اتصالات ونظم دفاع جوي، ما يضاعف من عدد الأفراد العاملين فيها، إلى ما يقرب من 1200 شخص، ويتوقف هذا التوسع على رغبة البلدين في دفع التعاون بينهما، وتطويره مستقبلًا.


حلم موسكو
واستطردت أستاذ العلوم السياسية أن الدلالة الثانية تتعلق بالحضور الروسي في منطقة البحر الأحمر، والمحيط الهندي، وأفريقيا بصفة عامة، فقد كان التواجد العسكري المستقر في هذه المنطقة حلمًا يراود موسكو منذ الحقبة السوفييتية، وسعى الاتحاد السوفييتي للحصول على موطئ قدم في منطقة البحر الأحمر، وكانت هناك محاولات مع الصومال، ثم إثيوبيا، إلا أنها لم تكلل بالنجاح.


ومن المعروف أنه لا يوجد تشكيل بحري روسي في المنطقة، وتوجد فقط سفينتان في المحيط الهندي، وعدد من الغواصات الروسية التي لا يمكن كشفها وتتبع مسارها بالأقمار الصناعية.


وتعد السفن الأربع في المركز اللوجستي الروسي في السودان أول تشكيل بحري روسي في المنطقة، ورأس جسر وموطئ قدم هام لروسيا، وهو تشكيل يعد صغير نسبيًا، ولكنه هام وفعال، ويلبي احتياجات روسيا، وحجم التواجد الذي تريده في المنطقة. ولموقع المركز أهمية استراتيجية كبيرة، ويتمتع بثقل بحري كثيف عبر البحر الأحمر، وقناة السويس، ومن ثم فإن تثبيت قدم روسية في المنطقة له أهميته بالنسبة لموسكو.


وذكرت "الشيخ" أن وجود المركز سيساعد روسيا على توسيع حضورها البحري في منطقة القرن الأفريقى، وأفريقيا بصفة عامة، وسيتيح المركز آفاقًا رحبة لتنمية التعاون العسكري الروسي الأفريقي، ويفتح الأسواق الأفريقية للسلاح الروسي.


الحضور الاستراتيجي
وعن الحضور الاستراتيجي، أكدت "الشيخ" أنه وعلى صعيد آخر، سيسهم المركز اللوجستي الروسي في تعزيز الحضور الاستراتيجي الروسي في المنطقة العربية، والشرق الأوسط، في ضوء مثلث القواعد البحرية الروسية في سوريا – السودان – ليبيا، وما لذلك من تداعيات استراتيجية هامة.


وتحدث عن الدلالة الثالثة التي تتعلق بالتنافس الاستراتيجي العالمي الذي يتمدد بوضوح نحو أفريقيا، فعلى مدى قرون ممتدة كانت أوروبا هي ساحة التنافس الاستراتيجي العالمي بين القوى الكبرى، ومع الصعود الآسيوي الملحوظ نهاية التسعينات، بدأ التنافس الاستراتيجي العالمي يتجه إلى آسيا، وكان إعلان أوباما ما سمي "سياسة الارتكاز" على آسيا، أو إعادة التوازن إلى آسيا، لأول مرة في نوفمبر 2011، مؤشرًا قويًا على ذلك.


ولفتت إلى أنه سرعان ما امتد التنافس الاستراتيجي العالمي للقارة الأفريقية، فقد سبق المركز اللوجستي الروسي افتتاح أول قاعدة عسكرية للصين خارج أراضيها فى جيبوتي عام 2017، ومن المعروف أن منطقة القرن الأفريقي تستضيف 11 قاعدة عسكرية أجنبية، وتعد جيبوتي أكثر الدول استضافة لهذه القواعد، كما أن الأسطول السادس الأمريكي ناشط بحريًا، وعسكريًا، في المنطقة، الأمر الذي يدفع القارة الأفريقية، خاصة منطقة القرن الأفريقي، إلى مسرح التنافس الاستراتيجي بين القوى الكبرى الفاعلة.


تأثير سلبي 
ويرى المعارضون أنه وفي يومنا هذا أصبح أى تواجد أجنبي في أي دولة مجاورة لمصر (السودان أو ليبيا) خطرا داهما حتميا على التأثير المصري، حتى وإن كان هذا التواجد لدولة حليفة، وللأسف يتواجد الأتراك اليوم في الصومال القريب من البحر الأحمر وتتواجد الصين وفرنسا في جيبوتي المطلة على البحر الأحمر، وهو ما قد ينسف العمق العربي للبحر الأحمر، وها هي روسيا أيضا تسعى اليوم للتواجد أيضا في المياه الدافئة للبحر الأحمر، وقد تكون سياسة موسكو اليوم إلى حد ما متوائمة مع مصر لكن لا يمكن الركون إلى هذا التوائم مستقبلا، بعد أن أبدت رغبتها في إقامة قاعدة بحرية في السودان.


ولطالما كان السودان (ورغم الخلافات التي كانت تطفو هنا وهناك بين القاهرة والخرطوم) يعود إلى مصر ويتفاهم معها لمعرفته ثقل مصر في المنطقه عربيا وأفريقيا، ولا شك أنه وبعد التواجد الروسي في السودان ستتغير هذه المعادلة القديمة.


مخاطر التواجد الروسي 
وليس هناك خلاف حول الآثار السلبية المترتبة على إقامة قاعدة بحرية روسية في السودان، وهذه السلبيات ستطال الدول المتشاطئة للبحر الأحمر بشكل عام، ومصر بشكل خاص، فأي تواجد أجنبي في السودان من أي دولة كانت، ليس في صالح مصر.


وقال موقع "الدفاع العربي" إنه ولا بد من أن تفتح عيون الاستراتيجيين في مصر على حقيقة مهمة، وهي أن وحدة سياسية (و لو بالتدريج) بين مصر والسودان أصبحت حل أمثل لكل مشاكل البلدين (سواء مشاكل مصر والسودان مع بعضهما أو مشاكلهما مع الدول الأخرى).


وأي تواجد أجنبي في السودان، سيقلل من قيام مصر بأي مساهمات عسكرية في أفريقيا، حيث إن الروس غالبا ما سيجلبون باقة من وسائل الدفاع الجوي وأولها الــــ S-400 لحماية القاعدة التي ستكون قرب مسار أي خط طيران بين القواعد المصرية والعمق الأفريقي، وهو ما سيخلق شريكا جديدا دخيلا (لم يكن موجودا من قبل) للدول المتشاطئة على البحر الأحمر ومنها مصر ويوجد جوا غير مريح للجميع، وقد يفتح سباق غربي على فتح مزيد من القواعد في تلك المنطقة، مما يخلق وضعا جيو-سياسي غير مستقر نتيجة لهذا التنافس.


كما أن امتلاك روسيا لــ مركز لوجيستي لقواتها البحرية على الأراضي السودانية إضافة لامتلاكها قاعدة بحرية في "طرطوس" سوريا ينتج عنه تواجد للبحرية الروسية في شمال مصر وجنوبها، وقد تنتج عنه تأثيرات سلبية على الاقتصاد المصري فيما بعد.


جريدة موسكوفسكي كومسوموليتس الروسية نقلت على لسان خبير عسكري متخصص في شئون الشرق الأوسط، يوري ليامين قوله، إن هذه ليست قاعدة للبحرية الروسية، إنما نقطة دعم لوجستي، وإن هذا أقل بكثير من حيث المستوى، من حيث العدد والبنية التحتية والمعدات، مستبعدا تشبّيه هذه القاعدة بتلك الموجودة في ميناء طرطوس السوري.


ويجيب ليامين بأن هذه النقطة في السودان ضرورية لتجديد الاحتياطات وإصلاح السفن التي تقوم بدوريات ومهمات مكافحة القرصنة، إذ إنه –حسب قوله- من أجل التزود والإصلاح، كان على الروس من قبل الذهاب إلى طرطوس، والآن، لن تكون هناك حاجة لذلك.


ولم ينف الخبير العسكري الروسي بأن ظهور مثل هذا المركز البحري في السودان مرتبط بحقيقة عودة روسيا في السنوات الأخيرة إلى المحيط العالمي. لكنه عاد للتركيز على الطابع اللوجستي قائلًا إنه كان على روسيا سابقًا اللجوء إلى الموانئ الأجنبية، وفي ذلك تكاليف إضافية. ولم ينف أيضًا أن تكون هذه الخطوة مقدمة لإنشاء قاعدة كبيرة مستقبلًا للبحرية الروسية في المنطقة الأفريقية.


قناة السويس 
ويرتبط البحر الأحمر ارتباطا وثيقا بقناة السويس، وهو يتميز بين بحار العالم بموقعه الفريد، عند التقاء قارات العالم الثلاث، أفريقيا وآسيا وأوروبا؛ كما أنه يشكل حالة الاتصال بين البحار الشرقية وخاصة المحيط الهندي، والبحار الغربية وخاصة المحيط الأطلسي عبر البحر المتوسـط. 


وقد ظـل هذا البحر، على مدى العصور التاريخية المتعاقبة، عاملًا فعالًا لربط البلاد المحيطة به بعضها ببعض: فهو يشكل طريقًا للملاحة البحرية بينها، ووسيلة تسهل التبادل التجاري والحضاري بين شعوبها، فكان بذلك سببًا في ازدهارها؛ كما أنه ظل مطمحًا للقوى الكبرى تتطلع دائمًا للسيطرة عليه لتتحكم في تجارة الشرق، وليكون لها السيادة على غيرها.


ومنذ مجيء الحملة الفرنسية إلى مصر في سنة 1798 م واحتلال بريطانيا لعدن في سنة 1839 م، فقد أصبحت تلك المنطقة، أكثر من ذي قبل محل تنافس القوى الكبرى في العالم وموضع اهتمامها، ذلك الاهتمام الذي بلغ ذروته بعد فتح قناة السويس في سنة 1869 م وحتى وقتنا الحاضر.


وقالها السنيور مانشيني، وزير خارجية إيطاليا ومغير سياستها الخارجية في القرن التاسع عشر، حيث قال :"إن مفاتيح البحر المتوسط إنما توجد في البحر الأحمر" وكان يعني بذلك أن التقاط هذه المفاتيح يكون عن طريق الزحف من سواحل البحر الأحمر الغربية والسودان ودارفور إلى طرابلس الغرب على الساحل الجنوبي للبحر المتوسط، مما جعلهم يقيمون مستعمرتهم في إريتريا في سنة 1890 م لتفصل بين النفوذ الفرنسي في جيبوتي والنفوذ البريطاني في السودان.


محمد على وعبد الناصر 
وظل البحر الأحمر يعمل كممر ملاحي بحري دولي هام يربط البحار الشرقية بالبحار الغربية، ويقوم بدوره طريقًا من أهم طرق التجارة العالمية، وشُريانًا رئيسًا لتموين العالم الأوروبي بالتجارة الشرقية.


واستهدف محمد على باشا، باني الدولة الحديثة تأمين حدود مصر من جميع الجهات، استعدادا لتكوين إمبراطورية مصرية، وكان ميدان البحر الأحمر، أهم الميادين التي تتكالب الدول الكبرى للسيطرة عليه كونه أقصر طريق إلى الشرق، وبلغ التوسع والامتداد المصريّ على طول الساحل الغربي للبحر الأحمر حتى رأس حانون على الساحل الشرقي لأفريقيا، في عهد الخديوي إسماعيل، في السبعينيّات من القرن التاسع عشر، وخاصة بعد افتتاح قناة السويس.


وكان افتتاح قناة السويس للملاحة البحرية في 17 نوفمبر سنة 1869 م، له أعمق الأثر على مجريات الأحداث التاريخية في العالم المعاصر بوجه عام، وفي منطقة البحر الأحمر بوجه خاص، وذلك بشكل يبعد عن تصور الكثيرين ممن عاصروا تلك الفترة. ويمكننا التعرُّف على ذلك من خلال تتبعنا للأحداث التي أعقبت افتتاح القناة، والتي ما زالت تنعكس على التاريخ المعاصر، نظرًا لما توفره القناة من اتصال بحري مباشر بين أوروبا وبلاد الشرق.


وخلال حكم الرئيس عبد الناصر، سعى جاهدا لجعل البحر الأحمر بحيرة عربية، وحاول جاهدا إبعاد بريطانيا من عدن ورفض أي تواجد لقوات أجنبية، وكانت عدن هي أول نقطة سيطرت عليها بريطانيا في منطقة البحر الأحمر في سنة 1839 م، وآخر نقطة في المنطقة خرجت منها في سنة 1967 م، أي أنها مكثت فيها قرابة ثلاثين ومائة عام متصلة، ونقلت إليها قيادة قواتها في الشرق الأوسط عقب جلائها عن مصر في أعقاب اتفاقية عام 1954 م، والتي سقطت عقب العدوان الثلاثي على مصر في سنة 1956 م نتيجة قيام مصر بتأميم القناة.


-