الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

فى ذكري ميلاده..إحسان عبد القدوس.. حكاية أديب فضح فساد الساسة وانحراف الشعب

صدى البلد

يمثل أدب الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس، الذي تحل اليوم ذكرى ميلاده،  نقلة نوعية متميزة في الرواية العربية، إذ نجح في الخروج من المحلية إلى حيز العالمية، وترجمت معظم رواياته إلى لغات أجنبية متعددة.
نشأ إحسان عبد القدوس في بيت جده لوالده الشيخ رضوان، والذي تعود جذوره إلى قرية السيدة ميمونة زفتا الغربية، وكان من خريجي الجامع الأزهر ويعمل رئيس كتاب بالمحاكم الشرعية، وهو بحكم ثقافته وتعليمه متدين جدًا، وكان يفرض على جميع العائلة الالتزام والتمسك بأوامر الدين وأداء فروضه والمحافظة على التقاليد، بحيث كان يُحرّم على جميع النساء في عائلته الخروج إلى الشرفة بدون حجاب. 
وفي الوقت نفسه كانت والدته الفنانة والصحفية السيدة روز، سيدة متحررة تفتح بيتها لعقد ندوات ثقافية وسياسية يشترك فيها كبار الشعراء والأدباء والسياسيين ورجال الفن. 
وكان ينتقل وهو طفل من ندوة جده حيث يلتقي بزملائه من علماء الأزهر ويأخذ الدروس الدينية التي ارتضاها له جده. وقبل أن يهضمها يجد نفسه في أحضان ندوة أخرى على النقيض تمامًا لما كان عليه. إنها ندوة روز اليوسف. 
ويتحدث إحسان عن تأثير هذين الجانبين المتناقضين عليه فيقول: "كان الانتقال بين هذين المكانين المتناقضين يصيبني في البداية بما يشبه الدوار الذهني، حتى اعتدت عليه بالتدريج واستطعت أن أعد نفسي لتقبله كأمر واقع في حياتي لا مفر منه. 
والدة إحسان "روز اليوسف" اسمها الحقيقي فاطمة اليوسف وهي لبنانية الأصل، نشأت يتيمة إذ فقدت والديها منذ بداية حياتها واحتضنتها أسرة (مسيحية)، صديقة لوالدها والتي قررت الهجرة إلى أمريكا. وعند رسو الباخرة بالإسكندرية، طلب إسكندر فرح صاحب فرقة مسرحية من الأسرة المهاجرة التنازل عن البنت اليتيمة فاطمة ليتولاها ويربيها فوافقت الأسرة. وبدأت حياتها في الفن.
وتعرفت فاطمة اليوسف على المهندس محمد عبد القدوس، المهندس بالطرق والكباري، في حفل أقامه النادي الأهلي وكان عبد القدوس عضوًا بالنادي ومن هواة الفن فصعد على المسرح وقدم فاصلًا من المونولوجات المرحة، فأعجبت به فاطمة وتزوجته، فثار والده وتبرأ منه وطرده من بيته لزواجه من ممثلة، فترك الابن وظيفته الحكومية وتفرغ للفن ممثلًا ومؤلفًا مسرحيًا. 
تولى إحسان رئاسة تحرير مجلة روز اليوسف، وكان عمره وقتها 26 عامًا، وهي المجلة التي أسستها والدته، وقد استلم رئاسة تحريرها بعد ما نضج في حياته، ولكن لم يمكث طويلًا في مجلة روز اليوسف ليقدم استقالته بعد ذلك، ويترك رئاسة المجلة لأحمد بهاء الدين، ويتولى بعدها رئاسة تحرير جريدة أخبار اليوم من عام 1966 إلى عام 1968، ومن ثم عين في منصب رئيس مجلس الإدارة إلى جانب رئيس التحرير في الفترة بين 1971 إلى 1974وكانت لإحسان مقالات سياسية تعرض للسجن والاعتقالات بسببها، ومن أهم القضايا التي طرحها قضية الأسلحة الفاسدة التي نبهت الرأي العام إلى خطورة الوضع. 

وقد تعرض إحسان لمحاولات اغتيال عدة مرات، كما سجن بعد الثورة مرتين في السجن الحربي وأصدرت مراكز القوى قرارًا بإعدامه، وبالرغم من موقفه تجاه اتفاقية كامب ديفيد إلا أنه في قصصه كان متعاطفًا مع اليهود كما في قصص: "كانت صعبة ومغرورة" و"لا تتركوني هنا وحدي".

ولقد كتب إحسان عبد القدوس أكثر من ستمائة رواية وقصة، قدمت السينما المصرية عددًا كبيرًا منها حيث تحولت 49 رواية إلى أفلام، و5 روايات إلى نصوص مسرحية، و9 روايات أصبحت مسلسلات إذاعية، و10 روايات أخرى تحولت إلى مسلسلات تليفزيونية، إضافة إلى أن 65 من رواياته ترجمت إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية والأوكرانية والصينية.

كانت معظم رواياته تصور فساد المجتمع المصري وانغماسه في الرذيلة وحب الجنس والشهوات والبعد عن الأخلاق، ومن هذه الروايات (النظارة السوداء) و(بائع الحب) و(صانع الحب) والتي أنتجت قبيل ثورة 23 يوليو 1952. ويتحدث إحسان عن نفسه ككاتب عن الجنس فيقول: "لست الكاتب المصري الوحيد الذي كتب عن الجنس فهناك المازني في قصة "ثلاثة رجال وامرأة" وتوفيق الحكيم في قصة "الرباط المقدس" وكلاهما كتب عن الجنس أوضح مما كتبت ولكن ثورة الناس عليهما جعلتهما يتراجعان، ولكنني لم أضعف مثلهما عندما هوجمت فقد تحملت سخط الناس عليّ لإيماني بمسؤوليتي ككاتب!! ونجيب محفوظ أيضًا يعالج الجنس بصراحة عني ولكن معظم مواضيع قصصه تدور في مجتمع غير قارئ أي المجتمع الشعبي القديم أو الحديث الذي لا يقرأ أو لا يكتب أو هي مواضيع تاريخية، لذلك فالقارئ يحس كأنه يتفرج على ناس من عالم آخر غير عالمه ولا يحس أن القصة تمسه أو تعالج الواقع الذي يعيش فيه، لذلك لا ينتقد ولا يثور.. أما أنا فقد كنت واضحًا وصريحًا وجريئًا فكتبت عن الجنس حين أحسست أن عندي ما أكتبه عنه سواء عند الطبقة المتوسطة أو الطبقات الشعبية –دون أن أسعى لمجاملة طبقة على حساب طبقة أخرى"، وكذلك في روايته(شي في صدري) والتى صاحبتها ضجة كبيرة في العام 1958، والتي رسم فيها صورة الصراع بين المجتمع الرأسمالي والمجتمع الشعبي وكذلك المعركة الدائرة بين الجشع الفردي والإحساس بالمجتمع ككل.
كما أن الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر قد اعترض على روايته البنات والصيف، والتي وصف فيها حالات الجنس بين الرجال والنساء في فترة إجازات الصيف، ولكنه لم يهتم لذلك بل وأرسل رسالة إلى جمال عبد الناصر، يبين له فيها أن قصصه هذه من وحي الواقع بل أن الواقع أقبح من ذلك، وهو يكتب هذه القصص أملًا في إيجاد حلول لها.