فضل الاستغفار مرة واحدة .. ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- صيغة تقال في الاستغفار تغفر جميع الذنوب، فروى الإمام الترمذي عن زيد بن حارثة مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من قال: أستغفرُ اللهَ العظيمَ الذي لا إلهَ إلَّا هو الحيَّ القيومَ وأتوبُ إليه غُفِرَ له وإنْ كان فرَّ من الزحفِ».
وفي رواية أخرى عن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَن قال: أسْتغفِرُ اللهَ الذي لا إلَه إلا هو الحَيُّ القَيُّومُ وأتُوبُ إِليْهِ يَقولُها ثلاثًا؛ غُفِرَ لهُ وإنْ كان فَرَّ من الزَّحْفِ».
شرح الحديث
وللعلماء مسالك في الجواب عما يفيده ظاهر الحديث من كون هذا الذكر يكفر كبائر الذنوب، فمنهم من التزم ذلك، وذهب إلى أن هذا الذكر يكفر الكبائر إلا ما كان متعلقًا بحق آدمي، وأن هذا من فضل الله الواسع، ونقل هذا القول الحافظ عن أبي نعيم ولم يتعقبه، قال الحافظ -رحمه الله- في الفتح: وَمِنْ أَوْضَحِ مَا وَقَعَ فِي فَضْلِ الِاسْتِغْفَارِ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ يَسَارٍ وَغَيْرِهِ مَرْفُوعًا: "مَنْ قَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ. غُفِرَتْ ذُنُوبُهُ وَإِنْ كَانَ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ". قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبِهَانِيُّ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْكَبَائِرِ تُغْفَرُ بِبَعْضِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَضَابِطُهُ الذُّنُوبُ الَّتِي لَا تُوجِبُ عَلَى مُرْتَكِبِهَا حُكْمًا فِي نَفْسٍ وَلَا مَالٍ، وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّهُ مَثَّلَ بِالْفِرَارِ مِنَ الزَّحْفِ وَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَا كَانَ مِثْلَهُ أَوْ دُونَهُ يُغْفَرُ إِذَا كَانَ مِثْلَ الْفِرَارِ مِنَ الزَّحْفِ، فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ عَلَى مُرْتَكِبِهِ حُكْمًا فِي نَفْسٍ وَلَا مَالٍ.
ومن العلماء من حمل الحديث على أن هذا الذكر يكفر الصغائر وإن كان صاحبها مرتكبًا لكبيرة الفرار من الزحف، والمعنى أن ارتكابه لتلك الكبيرة لا يمنع تكفير الصغائر بهذا الذكر، وإن كان هو لا أثر له في تكفير تلك الكبيرة؛ قال في دليل الفالحين: أي: «غفرت صغائر ذنوبه المتعلقة بحق ربه، وإن كان قد اقترف ما هو من الكبائر، فلا يمنع ذلك من غفر الصغائر بالذكر المذكور»، كما ورأى علماء أن هذا الوعد المترتب على هذا الذكر على من أتى به صادقًا محققًا لشروط التوبة.