الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

السنهوري.. صاحب أبرز المؤلفات القانونية.. وضع دستور العديد من الدول العربية

صدى البلد

يعد عبد الرزاق السنهوري الذي ساهم في وضع الدساتير في الدول العربية، من أهم أعلام الفقه والقانون في الوطن العربي، وللذي ولد في 11 أغسطس 1895 بالإسكندرية وحصل على الشهادة الثانوية عام 1913، ثم التحق بمدرسة الحقوق بالقاهرة، 

ولد السنهوري بمدينة الإسكندرية لأسرة فقيرة، وعاش طفولته يتيمًا، وتوفى والده الموظف بمجلس بلدية الإسكندرية تاركًا أمه و 7 من أشقائه ذكورا وإناثا، ولم يكن عبد الرازق يبلغ من العمر أكثر من 6 سنوات فقط، وبدأ تعليمه في الكُتَّاب بتشجيع من والده الذي كان يقدم له الجوائز ترغيبًا له في التعليم.

وانتقل السنهوري بعد وفاة والده إلى مدرسة راتب باشا الإبتدائية، ثم التحق بمدرسة رأس التين الثانوية، فالمدرسة العباسية الثانوية بالإسكندرية، ومنها حصل على الشهادة الثانوية عام 1913 م، وكان ترتيبه الثاني على طلاب القطر المصري، ثم حصل على الليسانس عام 1917م، وتأثر بفكر ثورة 1919م، حتي أصبح وكيلا للنائب العام عام 1920.

سافر إلى فرنسا للحصول على الدكتوراه، والعودة سنة 1926م ليعمل مدرسًا للقانون المدني بالكلية، ثم انتخب عميدًا لها عام 1936م، كما وضع كثير من المصطلحات القانونية، وتشتهر مقولاته بالحكمة، فضلا عن كونه فقيها قانونيا كبيرأ فقد اشتغل بالمحاماة، وشغل منصب وزير المعارف 4 مرات، وعين رئيسًا لمجلس الدولة، وكان عضوًا في مجمع اللغة العربية.

وله مواقف عديدة منها: أنه نادى بوضع قانون مدني جديد واستجابت له الحكومة وشغل منصب وزير المعارف 4 مرات وعين رئيسًا لمجلس الدولة من عام 1949م حتى 1954م عرف عنه تأييده لثورة يوليو وشارك في مشاورات خلع الملك فاروق مع محمد نجيب وجمال سالم وأنور السادات، بذل جهودا كبيرة في مشروع الإصلاح الزراعي، وطلب إرساء الديموقراطية وحل مجلس قيادة الثورة وعودة الجيش إلى الثكنات إلا أن المظاهرات العمالية هدمت أفكاره.
 
كما نال درجة الليسانس في الحقوق سنة 1917م من مدرسة الحقوق الخديوية بالقاهرة " باللغة الإنجليزية"، وجاء ترتيبه الأول على جميع الطلاب، رغم أنه كان يعمل موظفًا بوزارة المالية إلى جانب دراسته، وتأثر في مرحلة شبابه بالزعيم مصطفى كامل وتبنى فكرة الجامعة الإسلامية التي كان يدعو إليها، كما كان معجبًا بالكواكبي وعبد العزيز جاويش ومحمد فريد وجدي.
 
تم تعيينه بعد حصوله على ليسانس الحقوق بالنيابة العامة في سلك القضاء بمدينة المنصورة عام 1918، وشارك أثناء عمله بالنيابة العامة في ثورة 1919م، فعاقبته سلطات الاستعمار الإنجليزي بالنقل إلى مدينة أسيوط أقصى جنوب مصر، وتم ترقيته سنة 1920 إلى منصب وكيل النائب العام، وفي نفس العام انتقل من العمل بالنيابة إلى تدريس القانون في مدرسة القضاء الشرعي، وهي واحدة من أهم مؤسسات التعليم العالي المصري التي أسهمت في تجديد الفكر الإسلامي منذ إنشائها سنة 1907م.

كما زامل فيها كوكبة من أعلام التجديد والاجتهاد، مثل الأساتذة أحمد إبراهيم وعبد الوهاب خلاف، وعبد الوهاب عزام، وأحمد أمين، وتتلمذ عليه عدد من أشهر علماء مصر، وعلى رأسهم الشيخ محمد أبو زهرة.
 
ومن أشهر ما قاله عبد الرزاق السنهوري: اقرأُ الآن تاريخ أوروبا في القرن التاسع عشر، ومقاومة الدول الأوروبية لتركيا، واقتناصها ممتلكاتها واحدة بعد أخرى، وفرضها عليها شروط الغالب، سواء كانت غالبة أو مغلوبة، وما أظهرته أوروبا من التعصب والجور وما استحلته من ضروب الخيانة والغدر، كل هذا لم يدهشن، إنما يدهشني أن أرى المسلمين يتعجبون مما أظهرته أوروبا من الوحشية تحت ستار المدنية، كأنهم أيقظهم الله من سباتهم يجهلون أن المدنية والإنصاف والعدالة والقانون ألفاظ مترادفة توجد في المعاجم وتسمع على ألسنة الساسة والكتاب، وإذا بحثوا عن مدلولها لم تجده.

وقال أيضا: إن الذي أصاب الدولة العلية من أوروبا تم على وفق السنن الطبيعية، إنها مبررات الذئب للخروف الذي عكر عليه الماء وعلى الخروف حتى يأمن غائلة الذئب أن يخلع قرونه التي تفتت وأن يتخذ له قرونًا من حديد يستطيع أن يخرق بها أحشاء الذئب إذا حدثته نفسه بالاعتداء عليه.

سافر السنهوري إلى فرنسا سنة 1921م في بعثة علمية لدراسة القانون بجامعة ليون، وهناك تبلورت عنده الفكرة الإسلامية، وبدأ يتخذ الموقف النقدي من الحضارة الغربية، فانتقد الانبهار بالغرب، وهاجم تبني د منصور فهمي لمقولات المستشرقين، كما هاجم أيضا موقف الشيخ علي عبد الرازق صاحب كتاب الإسلام وأصول الحكم من الخلافة الإسلامية، وتأثره فيه بالمناهج العلمانية والرؤية النصرانية.

في فرنسا وضع الدكتور عبد الرزاق السنهوري رسالته الإصلاحية التي عرفت بـ " مواد البرنامج "  الذي يتضمن رؤيته في الإصلاح، وأنجز خلال وجوده في فرنسا رسالته للدكتوراه " القيود التعاقدية على حرية العمل في القضاء الإنجليزي "، ونال عنها جائزة أحسن رسالة دكتوراه.

وأثناء وجوده هناك ألغيت الخلافة الإسلامية، فأنجز رسالة أخرى للدكتوراه عن " فقه الخلافة وتطورها لتصبح هيئة أمم شرقية " رغم عدم تكليفه بها وتحذير أساتذته من صعوبتها والمناخ الأوروبي السياسي والفكري المعادي لفكرتها.
 
وبعد عودته من فرنسا عام 1926م عمل مدرسًا للقانون المدني بكلية الحقوق بالجامعة المصرية " القاهرة الآن " ، وشارك في المعارك السياسية والفكرية التي كانت تموج بها الحياة في مصر قبل الثورة، وكان قريبًا من كل تيارات التغيير والإصلاح رغم عدم انضمامه لحزب أو تنظيم. فصلته الحكومة سنة 1934م من الجامعة لأسباب سياسية، منها تأسيسه لـ “جمعية الشبان المصريين”.

ثم سافر إلى العراق سنة 1935م بدعوة من حكومتها، فأنشأ هناك كلية للحقوق، وأصدر مجلة القضاء، ووضع مشروع القانون المدني للدولة، ووضع عددًا من المؤلفات القانونية لطلاب العراق، وتم تعينة بعد عودته لمصر من بغداد سنة 1937 م عميدًا لكلية الحقوق وترأس وفد مصر في المؤتمر الدولي للقانون المقارن بلاهاي.

أسندت إليه وزارة العدل المصرية مشروع القانون المدني الجديد للبلاد، فاستطاع إنجاز المشروع، ورفض الحصول على أي مكافأة.
 
اتجه السنهوري، إلى القضاء وأصبح قاضيًا للمحكمة المختلطة بالمنصورة، ثم وكيلًا لوزارة العدل، فمستشارًا فوكيلًا لوزارة المعارف العمومية، إلى أن أبعد منها لأسباب سياسية سنة 1942 م فعمل بالمحاماة، فاتجه إلى القضاء فأصبح قاضيًا للمحكمة المختلطة بالمنصورة، ثم وكيلًا لوزارة العدل، فمستشارًا فوكيلًا لوزارة المعارف العمومية، إلى أن أبعد منها لأسباب سياسية سنة 1942 م فعمل بالمحاماة، وذلك بعدما أجبر السنهوري مرة أخرى على ترك التدريس بالجامعة سنة 1937 م.
 
عاد للعراق سنة 1943م لاستكمال مشروع القانون المدني الجديد، ولكن بسبب ضغوط الحكومة المصرية " الوفدية " على الحكومة العراقية اضطر للسفر إلى دمشق، وبدأ وضع مشروع القانون المدني لها، ولكن أعيد مرة أخرى لمصر بسبب ضغوط حكومية، وضع أثناء وجوده في دمشق أول مخطط لإنشاء اتحاد عربي سنة 1944 م قبل قيام الجامعة العربية.

كما وضع مشروع معهد الدراسات العربية العليا الذي تأجل تنفيذه حتى سنة 1952 م في إطار جامعة الدول العربية، وشارك في وضع الدستور المصري بعد إلغاء دستور 1923م، وسافر إلى ليبيا بعد استقلالها، حيث وضع لها قانونها المدني الذي صدر سنة 1953 م دون مقابل، ثم حدث صدام بينه وبين الرئيس جمال عبد الناصر سنة 1954م أقيل بسببه من مجلس الدولة، وإعتزل الحياة العامة حتى وفاته.

 وفرض عليه النظام الناصري عُزلة إجبارية حتى عام 1970 م. استطاع أثناء عزلته من 1954-1970  إنجاز عدد من المؤلفات القانونية المهمة، كما وضع المقدمات الدستورية والقانونية لكل من مصر وليبيا والسودان والكويت والإمارات العربية المتحدة.

ولم تسمح له السلطات المصرية بالسفر إلا مرة واحدة تلبية لدعوة أمير الكويت سنة 1960 م، واستطاع خلال هذه المدة وضع دستور دولة الكويت واستكمال المقومات الدستورية القانونية التي تؤهلها لعضوية الأمم المتحدة.
 
تولى السنهوري، وزارة المعارف العمومية في أكثر من وزارة من عام 1945 م حتى 1949 م، وقام أثناءها بتأسيس جامعتي فاروق " الإسكندرية الآن " وجامعة محمد علي، وعيّن عضوًا بمجمع اللغة العربية في مصر سنة 1946 م، كما عيّن سنة 1949 م رئيسًا لمجلس الدولة المصري، وأحدث أكبر تطوير تنظيمي وإداري للمجلس في تاريخه، وأصدر أول مجلة له، وتحول المجلس في عهده للحريات واستمر فيه إلى ما بعد ثورة يوليو سنة 1952م، وعين عميدا لكلية الحقوق.

كما شهدت القاهرة ظهيرة يوم 29 مارس 1954 مظاهرات غريبة، حيث غمرت شوارع المدينة مجموعات من المواطنين تهتف في طرقاتها، تارة بحياة الجيش والثورة وعبد الناصر، وتارة أخرى تنادى بسقوط الأحزاب والنقابات والرجعية، بل وبسقوط الدستور ومعه الحرية والديمقراطية كذلك.

وما إن وصلت إحدى هذه المجموعات إلى مقر مجلس الدولة بالجيزة، حتى علا الهتاف ليشمل الدكتور عبد الرزاق باشا السنهوري، رئيس مجلس الدولة حينئذ، والذي ما لبث المتظاهرون ينادونه بالجاهل والخائن، ويطالبون بسقوطه هو الآخر  وتوقفت المسيرة خارج بوابة المجلس المغلقة بسلاسل الحديد، فدخل أحد الضباط إلى مكتب السنهوري وطلب منه الخروج إلى حديقة المحكمة لمخاطبة المتواجدين بها والتهدئة من روعهم.

وحينئذ اقتحمت جموع المتظاهرين فناء المجلس وانقض بعضهم على السنهوري بالسب والضرب، وحينئذ فقط يبدو السنهوري وقد فطن أخيرا بأن الأمر لم يكن مجرد مظاهرة عادية، وقد قال عن ذلك " وحينئذ أدركت أن الأمر لم يكن مظاهرة أخاطب فيها المتظاهرين، كما ادعى الضابط، بل أمر اعتداء مبيت على، وما لبث المتظاهرون أن دفعونى دفعا إلى الحديقة وتوالى الاعتداء. 

وحينها كاد المتظاهرون ان يفتكوا بالسنهوري ذلك اليوم، لولا أن تلقى الضربة أحد السعاة بمجلس الدولة، كما يحكى أن السنهوري لم يتمكن من مغادرة مكان الاعتداء إلا بعد قدوم الصاغ صلاح سالم، والذي اصطحبه إلى الخارج، والسنهوري وفق إحدى الروايات مدثر بسجادة من مكاتب المجلس، ثم كان اليوم التالى للاعتداء، فأدلى السنهوري بأقواله إلى النيابة العامة من على فراشه بالمستشفى، موجهًا الاتهام صراحة إلى الصاغ جمال عبد الناصر بتدبير الاعتداء عليه يوم 29 مارس، ثم طالبا من زوجته عدم السماح بدخول ناصر عليه الغرفة عندما قدم الأخير لزيارته والاطمئنان عليه في المستشفى.
 
وكان الخلاف الذي وقع بين السنهوري وبين عبد الناصر السبب في حل مجلس الدولة وعمل تصفية من جانب السلطة " وهي الثورة آنذاك " لرجال القضاء العاملين بمحراب مجلس الدولة ثم إصدار عبد الناصر قانون جديد ينظمه، ويذهب البعض إلى أن الخلاف يكمن في رغبة السنهوري في تحقيق الثورة لمبادئها وتمثيل ذلك في جعل سلطة قضائية تكون هي الحكم بين الدولة الجديدة وبين الجماهير.

حتى أن السنهوري وهو رئيس الهيئة القضائية اللصيقة بعمل الإدارة وتراقب أعمالها، في ظل رئاسته تم إلغاء العديد من القرارات الحكومية الصادرة من عبد الناصر نفسه، مما وضع الخلاف بين رجل القانون ورجل السياسة على مستوى الأزمة. وبالطبع حسم السياسي الأزمة لصالحه بإخراج السنهوري من الساحة القانونية.
 
وللسنهوري أعمال عديدة منها مشروعات القوانين المدنية والدساتير: القانون المدني المصري ومذكرته الإيضاحية، وشروحه " الوسيط " وهو في حقيقته " مبسوط "  لا وسيط – والوجيز، والقانون المدني العراقي ومذكرته الإيضاحية، والقانون المدني السوري ومذكرته الإيضاحية.. وقانون البينات بما فيه من قواعد الإثبات الموضوعية والإجرائية، ودستور دولة الكويت وقوانينها: التجاري والجنائي والإجراءات الجنائية والمرافعات وقانون الشركات وقوانين عقود المقاولة، والوكالة عن المسئولية التقصيرية وعن كل الفروع وهي التي جمعت -فيما بعد- في القانون المدني الكويتي.

بالإضافة إلي القانون المدني الليبي ومذكرته الإيضاحية، ودستور دولة السودان، ودستور دولة الإمارات العربية المتحدة.

توفى السنهوري في 21 - 7 -  1971م، ولم يترك من الدنيا إلا ابنته الوحيدة الدكتورة نادية عبد الرزاق السنهوري زوجة الدكتور توفيق الشاوي أستاذ القانون والمفكر الإسلامي الكبير.