قبل التطرق إلى واقعة الرجل المُتحرش بطفلة المعادي، والتي شغلت الرأي العام طيلة الأيام الماضية، وجب عليا التنويه، بأنني من أشد المطالبين بتوقيع أقصى عقوبة على المتهم، حتى يكون أسوة لكل شخص سولت له نفسه أن يفعل ذلك .. مقدمة صغيرة وجب عليا البدء بها، حتى لا يتم اقتصاص كلامي، والزج به على طريقة "لا تقربوا الصلاة"، ويصبح في النهاية مخالفًا للحقيقة.
"دفعة واحدة"
أولا - فور حدوث الواقعة المُشينة، ضربت فيديوهات الرجل المُتحرش موقعى التواصل الاجتماعي دفعة واحدة، (فيسبوك، تويتر)، وهو شيء ليس جديدًا على "السوشيال ميديا"، والتي تعتبر السبٌاقة دائمًا في نشر الأحداث الغريبة والمريبة.
وبما أن المصريين يعشقون الصخب، وينتقلون من صخب إلى صخب آخر دون أى مشكلة، بدأنا ننساق وراء المنشورات والفيديوهات إما بالتعليقات أو وضع علامات الإعجاب، وفي بعض الأحيان "المشاركة" تحت عنوان "شيٌر وافضح الـ ......"، أو "شِير في الخير"، وكأن الخير قد توقف على نشر الفضائح فقط.
وبالفعل، تحقق ما أراده مستخدموا "السوشيال ميديا"، ففى أقل من ساعة واحدة أصبح الرجل المُتحرش رقم واحد في مصر (مجرم مصر الأول)، لكن من زاوية أخرى، فضحنا الطفلة الصغيرة معه دون أن نشعر، لأنها وببساطة شديدة ستكبر في يوم الأيام وتكون زوجة وأمًا، وبالطبع لن تسلم من التنمر .. (رحمتك يارب).
"زملاء المتحرش"
ثانيا - بعد يوم أو يومين من الحدث، تم نشر صور عديدة للمُتحرش مع زملائه داخل العمل وخارجه، مصحوبة ببعض التعليقات الساخرة المقززة، وكأن أصحابه قد شاركوه الفعلة، أو حرضوه عليها، وجاء التعليق على النحو الأتي : "ياترى أصحابه عملوا إيه بعد اما عرفوا".. (هل هذا يعقل!؟).
"فخذ المتحرش"
ثالثا - حملة من التنمر صاحبت أحد زملائه، بعد نشر صورة له، وهو يجلس على فخذ المُتحرش، مع مجموعة من الأصدقاء في سن الشباب تقريبًا، وقالوا عنه بالنص "مش قادر اتخيل موقف الراجل ده لما عرف اللى حصل".. ما ذنب ذلك الرجل وأصدقائه حتى يتم التنكيل بهم جميعًا، ومعاملتهم على أنهم متحرشون أيضا .. (اللهم ألطف بنا جميعا!؟).
"أخصائي نفسي"
رابعًا – لماذا لم يتم عرض المُتحرش على أخصائي نفسي لمعرفة حالته المرضية فور حدوث الواقعة، فربما كان مصابًا بخللٍ ما في "كيمياء المخ"، وأنا هنا لا أبحث عن مخرج للهروب من العقاب، بل وضع قانون رادع من أجل تحجيم أفعال تلك الفئة المريضة، حتى لا يتم ارتكاب العديد من الجرائم تحت مظلة المرض النفسي (الحمدالله الذي عافنا).
"المستشفى النفسي بالمجان"
خامسا - خلال السنوات الأخيرة، تم بناء العديد من المستشفيات المتخصصة عن طريق التبرعات، مثل الأورام، الحروق، الكلى، بهية، فلماذا لا يكون لدينا مستشفى للأمراض النفسية متطورة بالمجان أيضا، على غرار تلك الصروح الطبية العظيمة!؟.
"الهوس بالفضيحة"
سادسًا وهو الأهم، إذا كان ذلك الرجل مريضًا نفسيًا، فنحن أيضا مرضى نفسيون، وخير دليل على صحة كلامي، هو أن الإيجابيات فى مصر تسير بسرعة السلحفاة، والشر ينطلق مثل الصاروخ، والأخير يسانده دائمًا جيش كبير من الأكاذيب مصحوبًا بتعليقات قذرة وشائعات كارثية (ولكم في 25 يناير عبرة) .
إذا كنا نتحدث عن مرض نفسي أسمه "الهوس بالأطفال" (البيدوفيليا)، فأنا أتكلم عن مرض نفسي أكبر بكثير، قد يضرب شبابنا خلال السنوات المقبلة، وهو "الهوس بالفضيحة" .. وللحديث بقية.