الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

جابهت الرجعيين بالكلمة .. نوال السعداوي ألفت 61 كتابًا لمساواة المرأة بالرجل

صدى البلد

سخّرت الكاتبة الكبيرة نوال السعداوي، التي رحلت عن عاملنا منذ قليل، نفسها للكفاح من أجل قضيتها، وحرية المرأة، وألّفت 61 كتابًا دافعت فيها بضراوة عن حق المرأة في التساوي مع الرجال، وانحازت لكثيرٍ من القضايا النسوية، مثل الوقوف ضد تمسّك المجتمع بالعذرية كدليل على الشرف، ومواجهة تحقيره لدور المرأة في العلاقة الجنسية. 

وخاضت السعداوي العديد من المعارك في كتاباتها من أجل انتزاع وترسيخ حقوق المرأة ومساواتها العادلة بالرجل، وكفاحها في مجابهة جسور، مقتحمة أعداء المرأة من الظلاميين والمتشددين دينيًا والرجعيين من السلفيين في نظرتهم المتدنية للنساء وفرضهم القيود والتحريمات والوصايا والفتاوى الشاذة التي تضعهن في مكانة منحطة.

نوال السعداوي، ولدت في 27 أكتوبر عام 1931 لعائله تقليدية ومحافظة بقرية كفر طحلة إحدى قرى مركز بنها التابع لمحافظة القليوبية، كانت الطفلة الثانية من بين تسعة أطفال، ختنت في السادسة من عمرها، وأصر والدها على تعليم جميع أولاده، وكان من الذين ثاروا ضد الاحتلال البريطاني لمصر والسودان كما شارك في ثورة 1919، وكعقاب له تم نقله لقرية صغيرة في الدلتا وحرمانه من الترقية لمدة 10 سنوات، واستمدت نوال منه احترام الذات ووجوب التعبير عن الرأي بحرية وبدون قيود مهما كانت النتائج، كما شجعها على دراسة اللغات.

وتخرجت نوال من كلية الطب جامعة القاهرة في ديسمبر عام 1955 وحصلت على بكالوريوس الطب والجراحة وتخصصت في مجال الأمراض الصدرية وعملت كطبيبة امتياز بالقصر العيني، تزوجت في نفس العام من أحمد حلمي زميل دراستها في الكلية، ولم يستمر الزواج لفترة طويلة فانتهى بعدها بعامين، وعندما سئلت عنه في أحد حواراتها قالت: «زوجي الأول كان عظيمًا، زميلي في كلية الطب، كان رائعًا، والد ابنتي، لم يرد والدي مني أن أتزوجه لأنه غادر إلى السويس لمحاربة البريطانيين، لكن بعد ذلك تم خيانة المقاتلين، والكثير منهم تم حبسه، هذه الأزمة كسرته وأصبح مدمنًا، وأخبرت أنني لو تزوجته، قد يوقف إدمانه، لكنه لم يفعل. حاول قتلي، لذا تركته، وتزوجت مرة ثانية من رجل قانون ولم يستمر هذا الزواج أيضا».

خلال عملها كطبيبة لاحظت المشاكل النفسية والجسدية للمرأة الناتجة على الممارسة القمعية للمجتمع والقمع الأسري، ففي أثناء عملها كطبيبة في مكان ميلادها بكفر طحلة، لاحظت الصعوبات والتمييز الذي تواجهه المرأة الريفية، وكنتيجة لمحاولتها للدفاع عن إحدى مرضاها من التعرض للعنف الأسري، تم نقلها مرة أخرى إلى القاهرة، لتصبح في نهاية المطاف المدير المسئول عن الصحة العامة في وزارة الصحة، في ذلك الوقت قابلت زوجها الثالث الطبيب والروائي الماركسي شريف حتاتة الذي كان يشاركها العمل في الوزارة، وأعتقل لمدة 13 عاما في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، وتزوجوا في عام 1964 ولهم ولد وبنت، ولكن إنتهى الزواج بطلاق بعد 43 عاما معا.

وقالت عنه: «الزوج الثالث هو شريف حتاته، والد ابني، كان رجلا حرًا جدًا، ماركسي تم سجنه، عشت معه 43 عامًا، وأخبرت الجميع: هذا هو الرجل "النسوي" الوحيد على وجه الأرض، ثم بعد ذلك اضطررت للطلاق أيضًا، كان كاذبًا، كان على علاقة بامرأة أخرى، تعقيد الشخصية ذات الطابع الأبوي، ألف كتبًا عن المساواة بين الجنسين ثم خان زوجته، أنا متأكدة أن 95% من الرجال هكذا».

وفي عام 1972 نشرت كتاب بعنوان «المرأة والجنس»، مواجهة بذلك جميع أنواع العنف التي تتعرض لها المرأة كالختان والطقوس الوحشية التي تقام في المجتمع الريفي للتأكد من عذرية الفتاة، وأصبح ذلك الكتاب النص التأسيسي للموجة النسوية الثانية، وكنتيجة لتأثير الكتاب الكبير على الأنشطة السياسية أقيلت نوال من مركزها في وزارة الصحة، لم يكتف الأمر على ذلك فقط فكلفها ذلك أيضا بمركزها كرئيس تحرير مجلة الصحة، وكأمين مساعد في نقابة الأطباء، ومن عام 1973 إلى عام 1976 اهتمت نوال بدراسة شئون المرأة ومرض العصاب في كلية الطب بجامعة عين شمس، ومن عام 1979 إلى 1980 عملت كمستشارة للأمم المتحدة في برنامج المرأة في أفريقيا والشرق الأوسط.

واشتهرت نوال السعداوي بإثارتها للجدل وانتقادها للحكومة المصرية، ففي عام 1981 ساهمت نوال في تأسيس مجلة نسوية تسمى المواجهة، وحكم عليها بالسجن 6 سبتمبر 1981 في عهد الرئيس محمد أنور السادات، أطلق سراحها في نفس العام بعد شهر واحد من اغتيال الرئيس.

سجنت نوال في سجن النساء بالقناطر، وعند خروجها قامت بكتابة كتابها الشهير "مذكرات في سجن النساء" عام 1983، ولم تكن تلك هي التجربة الوحيدة لها مع السجن، فقبل ذلك بتسع أعوام كانت متصلة مع سجينة وإتخذتها كملهمة لروايتها "امرأة عند نقطة الصفر " عام 1975، كما رفضت محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة في مصر في 12 مايو 2008 م، إسقاط الجنسية المصرية عن المفكرة المصرية نوال السعداوي، في دعوي رفعها ضدها أحد المحامين بسبب آرائها.

ونتيجة لآرائها ومؤلفاتها تم رفع العديد من القضايا ضدها من قبل الإسلاميين مثل قضية الحسبة للتفريق بينها وبين زوجها، وتم توجيه تهمة "ازدراء الأديان" لها، كما وضع اسمها على ما وصفت بـ"قائمة الموت للجماعات الإسلامية" وتم تهديدها بالقتل، وفي عام 1988 سافرت خارج مصر، قبلت عرض التدريس في جامعة ديوك وقسم اللغات الأفريقية في شمال كالورينا وايضا جامعة واشنطن.

واختيرت السعداوي ضمن أكثر النساء تأثيرًا في العالم العربي خلال 100 عام، من جانب مجلة "تايم" الأمريكية، بسبب نضالها كناشطة نسوية من أجل تعزيز مكانة المرأة، خصوصا بعد اجتيازها تجربة السجن، الذي وصفته بأنه كان بمثابة "ميلاد جديد لها"، ولم تشأ «السعداوي» أن تقتصر معاركها مع السلطة السياسية، وإنما واصلت في مقالاتها التي انتظمت في صحيفة الأهرام، معركتها مع العقل الذي يستغل الدين لتبرير الاستبداد وتعزيز الجهل، وهي المعركة التي جعلتها هدفًا لحملات استهداف معنوي، وتشيع من وقت لآخر أخبار عن وفاتها، وتُروج لها على مواقع التواصل الاجتماعي.