الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

محمد مبروك الشيلاني يكتب: «قبل أن يَهِلّ الهلال»

صدى البلد

يتزايد الحَراك الاجتماعي، وتتعدد أبواب الطاعات خلال شهر رمضان المبارك، ومن بين هذا الحَراك وهذه الأبواب: السعي لإصلاح ذات البين، وذلك برأب الصدع وإزالة الجفوة بين شخصين أو أسرتين؛ سعيًا وراء تحقيق السلم الاجتماعي والأُسري. 
هذا وتتسم الأجواء الرمضانية بروحانيات عالية، وينشط الساعون في الخير للتوسط بين المتخاصمين والضغط عليهم من أجل إنهاء النزاعات بينهم والتأليف بين قلوبهم، وهذه جهود تُذكر فتُشكَر، فلَمُّ شمل البيوت والأُسَر، والتأليف بين أفراد المجتمع من أشرف الغايات وأعظم القُربات. 
لكنَّ الانتظار حتى يأتى شهر رمضان لأداء تلك المهمة ليس الأنسب كما يَظن الكثيرون، فقد ثبت في السُنة أنَّ السَّنة العبادية تنتهي في شهر شعبان برفع الأعمال فيه، ففي الحديث: (وَهوَ شَهْرٌ تُرفَعُ فيهِ الأعمالُ إلى ربِّ العالمينَ) "صحيح - سنن النسائي". والسؤال هنا: كيف ولماذا انتظر هؤلاء المتخاصمون حتى طُويت صحيفة أعمال السَّنة، دون أنْ تُطوى معها خلافاتهم وتصفو نفوسهم؟  كيف يستقبلون الركن الرابع للإسلام، والسَّنة العِبادية الجديدة، ولا تزال الخصومة قائمة فيهم، والشحناء تدِبّ في نفوسهم؟!
إنَّ المسلم الواعي هو الذي يدرك أنَّ "التخلي من القبيح يسبق التحلي بالصحيح"، وأنَّ حرث الأرض وتهيئتها للزراعة يأتي قبل وضع البذور فيها، وهذا من المعلوم بالضرورة في كل مواسم الزراعة!. لكنَّ بعض العباد يتعاملون مع مواسم الطاعات بتجاهل أو تكاسل أو تغافل، بدلًا من التأهب لها بـرَد المظالم، وإصلاح الخلل، وتنقية النفوس من أدران الخصومات وشوائب المشاحنات. ويتمادى هؤلاء المساكين في خصامهم ويُسوفون في إنهاء النزاعات بينهم، حتى يدركهم شهر رمضان على هذه الحال المَعِيبة، ثم يُبددون أوقاتهم وأوقات الوسطاء بينهم في الجلوس حول طاولة الحوار؛ لإنهاء الخصومات، بدلًا من اغتنام الجميع لهذه الأوقات في أداء صلاة التراويح أو التهجد أو الاعتكاف أو قراءة القرآن أو غير ذلك من صنوف العبادة في شهر الطاعات. والعجيب أنَّ هؤلاء الفُـرَقـاء قد استعدوا جيدًا لشهر رمضان على المستوى الجُسماني، فوفروا احتياجات البطون والأجسام، لكنهم لم يفكروا في الاستعداد على المستوى الإيماني، ولم يوفروا احتياجات الأرواح والقلوب، ومنها إزالة الأكدار وإنهاء الخصومات. وهؤلاء المساكين قد نسوا أو تناسوا أو جهلوا أو تجاهلوا أنَّ الغاية من شهر رمضان هي تحقيق السمو الروحي والسلام النفسي، لا تخزين الطعام ومَلء البطون! .
والمسلم الحق هو الذي يتحرى القبول لعمله، فيفرغ قلبه من الأكدار، ولا يدع فيه مجالًا لخصومة ولا لحقد ولا لحسد؛ لأنَّه يدرك جيدًا أنَّ "الملتفت لا يصل" وأنَّ "المشغول لا يُشغَل" وأنَّ الكياسة تقتضي ألا يجمع حسناته في كيس مثقوب؛ لذلك فهو لا يَرضى لقلبه أنْ ينشغل بالخصام أثناء شهر الصيام والقيام، كما أنَّه يضع نصب عينيه حديث المفلس، ففي الحديث أنَّ النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: (أَتَدْرُونَ ما المُفْلِسُ؟ قالوا: المُفْلِسُ فِينا مَن لا دِرْهَمَ له ولا مَتاعَ، فقالَ: إنَّ المُفْلِسَ مِن أُمَّتي يَأْتي يَومَ القِيامَةِ بصَلاةٍ، وصِيامٍ، وزَكاةٍ، ويَأْتي قدْ شَتَمَ هذا، وقَذَفَ  هذا، وأَكَلَ مالَ هذا، وسَفَكَ دَمَ هذا، وضَرَبَ هذا، فيُعْطَى هذا مِن حَسَناتِهِ، وهذا مِن حَسَناتِهِ، فإنْ فَنِيَتْ حَسَناتُهُ قَبْلَ أنْ يُقْضَى ما عليه أُخِذَ مِن خَطاياهُمْ فَطُرِحَتْ عليه، ثُمَّ طُرِحَ في النَّارِ) "صحيح مسلم".
لقد أقبل موسم الخيرات وشهر الطاعات؛ لذلك وجب على المجتمعات والأسر المسلمة أنْ تستقبله بدون خصومات أو نزاعات، حتى لا تُفسد على نفسها أمرَ دينها وصفوَ دنياها، ففي الحديث: (أَلَا أَدُلُّكُم على أَفْضَلَ من درجةِ الصلاةِ والصيامِ والصدقةِ؟ قالوا: بلى يا رسولَ اللهِ. قال: إصلاحُ ذاتِ البَيْنِ، فإنَّ فسادَ ذاتِ البَيْنِ هي الحالِقَةُ. لا أقولُ: إنها تَحْلِقُ الشَّعْرَ، ولكن تَحْلِقُ الدِّينَ) "صحيح – رواه الترمذي".
إنَّ أنوار شهر رمضان وتجلياته لنْ تدركها النفوس التي تكدَّرت بالأحقاد وتشبعت بالخصومة، ونفحات ليلة القدر لنْ تَتنزل إلا على ذوي القلوب السليمة التي يحب أصحابها الخير للغير، ولا يعرفون سبيلًا للتشاحن أو التخاصم. ومن أراد أن يصحح المسار، وأن يصفو قلبه من الأكدار، وألا يكون في رمضان من المحرومين، فعليه أن يراجع نفسه جيدًا. فمن أغضب والديه أو أحدهما فليعجل بالاعتذار وليكن بهما بارًا، ومن قطع رحمه فليصلها، ومن كانت عليه مظلمة فليردها لأصحابها، ومن كانت بينه وبين أخيه المسلم جفوة فليبادره بالسلام، ومن أخطأ في حق غيره فليعتذر إليه، ومن أساء لامرأته فليصالحها، ومن تركت بيت زوجها في ساعة غضب فلتُسرع بالرجوع إليه. فإن فعلنا ذلك غشيتنا الرحمة وحلت في نفوسنا الألفة، فيأتي الهلال ونحن في خير حال.

وختامًا: نسأل الله أن يُوحِد صفنا، وأن يجمع شملنا، وأن يؤلف بين قلوبنا، وأن يُصلح بيوتنا ونفوسنا، وأن يحفظ مصرنا، وأن يجعلنا في رمضان من الفائزين. وكل عام وأنتم بخير.