الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حل الدولتين أم نهاية الدولة اليهودية؟.. هكذا تغيرت معادلة القضية الفلسطينية

صدى البلد

كما نعرف أن الأرض في حركة دوران مستمرة ولا نشعر بها، كذلك العالم يتغير بدون توقف وبدون أن نشعر كذلك، هذا حديث يمكن قوله بشأن الصراع العربي الإسرائيلي مع تصاعد الجولة الأخيرة - الأعنف منذ سنوات- بين المقاومة والاحتلال الإسرائيلي، ولكن كيف تتغير الأمور، وهل تتغير للأسوأ فقط أم أنه قد يكون هناك شئ مختلف.

بعد 4 سنوات من الدعم الأعمى لإسرائيل خلال سنوات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، جعل القدس عاصمة للكيان الصهيوني، ولم يفعل شيئاً حيال التوسع الاستيطاني لفتاه المدلل بنيامين نتنياهو، بيد أن هناك الكثير من النتائج العكسية وبعض التغيرات التي لا تصب جميعها في صالح الاحتلال.

مع كل موجة عنف إسرائيلي تجاه الفلسطينيين تظهر من جديد بعض الحقائق التي قد تبدو متوارية، مثل أن العنف الإسرائيلي لا يزيد الأمور سوى سوءاً بالنسبة لها، الدعم العالمي للقضية الفلسطينية - حتى وإن لم يدعم حلم التحرير وعودة الأرض بالكامل- يتزايد بنفس وتيرة تزايد الغضب الفلسطيني والعربي تجاه الاحتلال، ولم تعد القيود الخزعبلية مثل "معاداة السامية" قادرة على إيقاف هذا الدعم ومنع ألسنة العالم من فضح جرائم الاحتلال وقتل المدنيين والأطفال، ولا تستغرب إذا وجدت حملات تناهض هذه التهمة الوهمية "معاداة السامية".

قبل الانتخابات الأمريكية، حذر الرئيس الأمريكي جو بايدن ترامب ونتنياهو من خطط الأخير للتوسع الاستيطاني في الضفة، لأن ذلك سيؤدي إلى تناقص دعم شباب الحزب الديمقراطي لإسرائيل، الدعم الذي يتناقص بشكل متطرد بين هذه الفئة بسبب جرائم الاحتلال في ظل الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل. بحسب "واشنطن بوست".

على الرغم من أن بايدن وافق أمس على صفقة أسلحة لإسرائيل بقيمة 735 مليون دولار، إلا أن أصواتاً بات من المسموح لها أن تتعالى في أمريكا لتدين مثل هذه الصفقة.

القيود المصنوعة من أجل دعم إسرائيل وخنق الأصوات التي تفضح جرائمها وتدعم القضية الفلسطينية هي في حقيقة الأمر تحدث أثراً عكسياً، وتزيد رقعة الدعم للقضية الفلسطينية، حتى تجد مثلا العديد من ممثلي هوليوود يدعمون الفلسطينيين ويدينون الجرائم الإسرائيلية من بينهم الممثلة الإسرائيلية الأمريكية، ناتالي بورتمان، كما أن عدد اليهود المناهضين لإسرائيل نفسهم في زيادة.

أوروبا وأمريكا اللذان يطلق عليهما اصطلاحاً، الغرب، باتا يقفان بشكل متزايد في خانة شديدة الإحراج أمام مجتمعاتهم، فمع اتجاه الفكر "الحداثي" العالمي نحو حقوق الإنسان والتعايش ورفض القمع والحرية وحرية التعبير، باتت كل هذه القيم التي يوجهها الغرب كسلاح في وجه الإسلام والفلسطينيين وكل ما يمثل الشرق الأوسط، سلاح في وجوهمم، فأصبحوا أمام شعوبهم "الحرة" داعمين لكيان إرهابي يقتل العزل والأطفال. مع مد الخط على امتداده للخلف أو الأمام ندرك حجم التغيرات التي حدثت وتحدث.

حل الدولتين .. أم نهاية الدولة اليهودية

الإنسان بطبعه يقفز إلى الأسئلة النهائية، وماذا بعد، هل تتحرر فلسطين، هل نشهد حل الدولتين الذي طال وطال انتظاره، وهل تكن فلسطين دولة من البقاع منزوعة السلاح لأن إسرائيل لن تسمح بها مسلحة،  أم حل الدولة الواحدة ذات القومية أم القوميتين؟

في مقال منشور على صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، اليوم الإثنين، بعنوان "متى تصل حماس وإسرائيل إلى بداية النهاية؟". قالت الكاتبة جينيفر روبين وهي تستعرض الدائرة التي لا تنتهي من موجات التصعيد بين حماس وإسرائيل، إن الأمور ليست على ما يرام بالنسبة لحماس أو إسرائيل، حماس تتكبد خسائر فادحة (بشرية ومادية). كما تكبدت إسرائيل خسائر. كما أن النقد يتصاعد بسرعة وقسوة أكبر مما كان عليه في الصراعات السابقة. في حين أعلن الرئيس بايدن وآخرون في الإدارة بقوة عن دعمهم لحق إسرائيل في الدفاع عن النفس ، فإن الحوادث الأخيرة بالإضافة إلى عدد القتلى بين الأطفال الفلسطينيين والعنف المروع في الشارع بين الإسرائيليين العرب واليهود الإسرائيليين سيكثف الضغط من المجتمع الدولي للانتهاء من هذا. إن تصرفات إسرائيل، بعبارة ملطفة، تختبر صبر حتى أقوى حلفائها.

وانتهت إلى أنه لا توجد نهاية منظورة للصراع المتجدد بين حماس وإسرائيل، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة والدول العربية يريدون التهدئة والسلام أكثر من طرفي الصراع نفسيهما، مما لايعطي للفلسطينيين أية حقوق، ولا يمنح الإسرائيليين السلام أبداً.

في مقال للكاتب الأمريكي الختص في التيارات اليهودية بيتر ينارت، لصحيفة "نيويورك تايمز" في يوليو الماضي، بعنوان "لم أعد أؤمن بالدولة اليهودية"، قال "عام 1993 عندما تصافح إسحق رابين وياسر عرفات حديقة البيت الأبيض لبدء رسميًا عملية السلام التي كان كثيرون يأملون في إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل. كنت أدافع عن حل الدولتين - أولاً في جلسات الليل، ثم في المقالات والخطب - منذ ذلك الحين".

وأضاف:"كنت أؤمن بإسرائيل كدولة يهودية لأنني نشأت في أسرة انتقلت من قارة إلى أخرى مع انهيار الجاليات اليهودية في الشتات. لقد رأيت تأثير إسرائيل على جدي وأبي ، الذين لم يكونوا أبدًا سعداء أو آمنين كما لو كانوا محاصرين في مجتمع من اليهود. وعرفت أن إسرائيل كانت مصدر عزاء وفخر لملايين اليهود الآخرين، الذين عانت عائلاتهم من صدمات أكبر من صدماتي".

وتابع:"ذات يوم في بداية سن الرشد، مشيت في القدس، قرأت أسماء الشوارع التي تسرد التاريخ اليهودي، وشعرت بتلك الراحة والفخر بنفسي. كنت أعلم أن إسرائيل كانت مخطئة في حرمان الفلسطينيين في الضفة الغربية من الجنسية، والإجراءات القانونية الواجبة، وحرية التنقل والحق في التصويت في الدولة التي يعيشون فيها. لكن حلم حل الدولتين الذي من شأنه أن يمنح الفلسطينيين دولة خاصة بهم، دعني آمل أن أظل ليبراليًا وداعمًا للدولة اليهودية في نفس الوقت. لقد أطفأت الأحداث الآن هذا الأمل".

وأوضح أن "حوالي 640 ألف مستوطن يهودي يعيشون في القدس الشرقية والضفة الغربية، وقد قامت الحكومتان الإسرائيلية والأمريكية بتجريد الدولة الفلسطينية من أي معنى حقيقي. تتصور خطة السلام لإدارة ترامب وجود أرخبيل من البلدات الفلسطينية، منتشرة عبر ما لا يزيد عن 70 في المائة من الضفة الغربية، تحت السيطرة الإسرائيلية. حتى قادة أحزاب يسار الوسط الإسرائيلية المزعومة لا يؤيدون قيام دولة فلسطينية ذات سيادة وقابلة للحياة. تستضيف الضفة الغربية أحدث كلية طب في إسرائيل".

وتابع:"إذا أوفى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتعهده بفرض السيادة الإسرائيلية على أجزاء من الضفة الغربية، فإنه سيضفي الطابع الرسمي على واقع عمره عقود: عمليا، ضمت إسرائيل الضفة الغربية منذ فترة طويلة".

في هذه النقطة يمكن أن نقطع المقال، ونقتبس ما قالته صحيفة "واشنطن بوست" الامريكية عن خطورة التوسع الإسرائيلي في الضفة، لأنه سينتج عنه أعمال عنف عشوائية متفرقة لا يمكن لإسرائيل السيطرة عليها "إلا باجتياح الأراضي الفلسطينية، مما يؤدي إلى انهيار الأجهزة الأمنية الفلسطينية والسلطة الفلسطينية. وهذا بدوره سيتطلب من إسرائيل السيطرة الكاملة على الضفة الغربية بأكملها، وتحمل المسؤولية عن حياة 2.6 مليون فلسطيني. هذا سيناريو له تداعيات مقلقة لأولئك الذين يريدون لإسرائيل أن تكون دولة ذات أغلبية يهودية وديمقراطية. إذا لم تكن هناك فلسطين، فسيكون مصير إسرائيل أن تصبح دولة ثنائية القومية بدلاً من دولة يهودية، أو أن تتبنى نظام فصل عنصري يحكم فيه ملايين الفلسطينيين من قبل إسرائيل لكنهم يفتقرون إلى الحقوق السياسية الكاملة".

في يونيو 2011، انتحب الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز قائلاً: "إنني قلق من استمرار تجميد محادثات السلام. أخشى أن تصبح إسرائيل دولة ثنائية القومية. ما يحدث الآن هو تباطؤ تام. نحن على وشك الاصطدام بالحائط. نحن نسارع بأقصى سرعة نحو وضع تتوقف فيه إسرائيل عن الوجود كدولة يهودية ".

نعود إلى مقال "نيويورك تايمز"، حيث يؤكد بينارت :"
لقد اتخذت إسرائيل قرارها تقريبًا: دولة واحدة تضم ملايين الفلسطينيين الذين يفتقرون إلى الحقوق الأساسية. الآن يجب أن يتخذ الصهاينة الليبراليون قرارنا أيضًا. حان الوقت للتخلي عن حل الدولتين التقليدي وتبني هدف المساواة في الحقوق لليهود والفلسطينيين. حان الوقت لتخيل منزل يهودي ليس دولة يهودية".

وأضاف:"يمكن أن تأتي المساواة على شكل دولة واحدة تشمل إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، كما اقترح كتاب مثل يوسف منير وإدوارد سعيد. أو يمكن أن يكون اتحادًا كونفدراليًا يسمح بحرية الحركة بين بلدين متكاملين بشدة. ستكون عملية تحقيق المساواة طويلة وصعبة، وستواجه على الأرجح مقاومة من المتشددين الفلسطينيين واليهود. 
لكنها ليست خيالية. هدف المساواة الآن أكثر واقعية من هدف الانفصال. والسبب هو أن تغيير الوضع الراهن يتطلب رؤية قوية بما يكفي لخلق حركة جماهيرية. دولة فلسطينية مجزأة تحت السيطرة الإسرائيلية لا تقدم هذه الرؤية. يمكن للمساواة. على نحو متزايد، فإن دولة واحدة متساوية ليست فقط تفضيل الشباب الفلسطيني. إنه أيضًا ما يفضله الشباب الأمريكي".

وواصل:"سيقول النقاد أن الدول ثنائية القومية لا تعمل. لكن إسرائيل هي بالفعل دولة ثنائية القومية. يعيش شعبان، متساويان في العدد تقريبًا، تحت السيطرة النهائية لحكومة واحدة. (حتى في غزة، لا يستطيع الفلسطينيون استيراد الحليب أو تصدير الطماطم أو السفر إلى الخارج بدون إذن إسرائيل). وأدبيات العلوم السياسية واضحة: المجتمعات المنقسمة هي الأكثر استقرارًا وأكثر سلامًا عندما تمثل الحكومات جميع شعوبها. هذا هو الدرس المستفاد من أيرلندا الشمالية. عندما استبعد البروتستانت والحكومة البريطانية الكاثوليك، قتل الجيش الجمهوري الأيرلندي ما يقدر بنحو 1750 شخصًا بين عامي 1969 و 1994. وعندما أصبح الكاثوليك شركاء سياسيين متساوين، توقف العنف إلى حد كبير. إنه درس جنوب إفريقيا، حيث أيد نيلسون مانديلا الكفاح المسلح حتى فاز السود بحق التصويت. يظهر التاريخ أنه عندما ينال الناس حريتهم، فإن العنف ينخفض. على حد تعبير مايكل ملكيور، الحاخام الأرثوذكسي وعضو مجلس الوزراء الإسرائيلي السابق الذي أمضى أكثر من عقد في إقامة علاقات مع قادة حماس، "لم ألتقي بعد بشخص غير مستعد لصنع السلام".

واستطرد:"أخبرني الحاخام ملكيور مؤخرًا أنه لا يزال يدعم حل الدولتين، لكن وجهة نظره تتجاوز أي ترتيب سياسي معين: هو أن الفلسطينيين سيعيشون بسلام إلى جانب اليهود عندما يتم منحهم الحقوق الأساسية. ما يجعل من الصعب على العديد من اليهود فهم ذلك هو ذكرى الهولوكوست". "كما كتب الباحث الإسرائيلي يهودا الكانا، أحد الناجين من المحرقة، في عام 1988، إن ما يحفز الكثير من المجتمع الإسرائيلي في علاقاته مع الفلسطينيين ليس إحباطًا شخصيًا، بل هو قلق وجودي عميق يغذيه تفسير معين لدروس الهولوكوست . تقود عدسة الهولوكوست هذه العديد من اليهود إلى افتراض أن أي شيء أقل من الدولة اليهودية يعني انتحار اليهود".

وشرح:"قبل الهولوكوست، لم يصدق العديد من الصهاينة البارزين ذلك. كتب مؤرخ الجامعة العبرية دميتري شومسكي في كتابه (ما وراء الدولة القومية): لم يكن التطلع إلى دولة قومية محوريًا في الحركة الصهيونية قبل الأربعينيات. أصبحت الدولة اليهودية الشكل المهيمن للصهيونية. لكنها ليست جوهر الصهيونية. جوهر الصهيونية هو وطن يهودي في أرض إسرائيل، مجتمع يهودي مزدهر يمكنه توفير الملجأ والتجديد لليهود في جميع أنحاء العالم".

وأكمل الكاتب:"هذا ما أحبه جدي وأبي - ليس دولة يهودية بل مجتمع يهودي ، بيت يهودي. يمكن أن تكون إسرائيل وفلسطين وطنًا يهوديًا هو أيضًا، على حد سواء، وطنًا فلسطينيًا. وبناء ذلك الوطن يمكن أن يجلب التحرير ليس فقط للفلسطينيين ولكن لنا أيضًا".

استدعاء المقال وترجمته لا يعني الاتفاق بالضرورة مع الطرح الذي يقدمه الكاتب اليهودي، بل أن ما جاء في المقال بالإضافة إلى ما سبقه يشير إلى أن الوضع الجاري ليس له أن يستمر إلى الأبد، لن تعيش "الدولة اليهودية" كما يسمونها في سلام بالمنطقة، وفبكلمات أخرى، هي ليست موجودة لتبقى، فشرعيتها قائمة على الاغتصاب وحده، لذا في تتآكل باستمرار، بل وتأكل وتفضح نفسها فتفقد معناها رويداً رويداً حتى لدى الذين يعيشون في إسرائيل أنفسهم.