الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

زعيم الانفصاليين يتسبب في أزمة بين البلدين

أمين صوصي في حوار لـ "صدى البلد": إسبانيا أساءت لـ علاقات الجوار مع المغرب.. والرباط قادرة على رد الصاع صاعين

زعماء البلدين
زعماء البلدين

شهدت الأيام القليلة الماضية، حالة من التوتر الشديد بين الشقيقة المغرب وجارتها الأوروبية إسبانيا بسبب تصرفات قامت بها الأخيرة وصفتها الرباط بأنها استفزازية، وتسيء للعلاقات بين الدولتين.

ووصل التوتر بين الدولتين إلى مرحلة أوشكت فيها الأمور على الانفجار، وهو ما جعلنا نجري الحوار التالي مع الباحث المغربي المختص في الدعاية السياسية، أمين صوصي علوي، لـ يطلعنا على ما يجري، وتداعيات التوتر بين البلدين وتأثيره على مستقبل العلاقات فيما بينهما؟، فإلى نص الحوار:-

ما أسباب تجدد الخلاف بين المغرب وإسبانيا؟

النزاع بين إسبانيا والمغرب نزاع تاريخي، قديم و مزمن، وقضية إبراهيم غالي، ما هي إلا الشجرة التي تخفي الغابة في الحقيقة، وإبراهيم غالي زعيم جبهة البوليساريو المتمردة التي تحارب المغرب وتريد فصل صحرائه عن جغرافيته دخل إلى إسبانيا بهوية منتحلة بعلم السلطات الإسبانية وكما هو معلوم  اسبانيا هي التي تسبب في نشأة البوليساريو قبيل خروجها من الصحراء المغربية، و بعد أن كانت هذه الجماعة الانفصالية تزعم أنها تقاوم الاستعمار الإسباني تحولت فجأة الى جماعة انفصالية ضد المغرب.

وحين قام المغرب باسترجاع صحرائه بعد المسيرة الخضراء عام 1975، تحولت هذه الجماعة إلى جماعة متماهية مع الطرح الإسباني ومتعاونة معه بشكل مكشوف.

هناك وثائق ظهرت مؤخرا تثبت أن إبراهيم غالي، زعيم الجماعة المتمردة المتطرفة "على حد وصفه"، كان عميلا للشرطة الإسبانية قبل أن تؤسس هذه الجماعة الانفصالية، وهناك تورط بشكل أو أخر في تلميع هذه الجماعة التي أسست لتكون كالمسمار في قدم المغرب، لهذا حاولت باستمرار خلق مشاكل مختلفة في جنوبي المغرب مثلها مثل كل الجماعات الانفصالية الشيوعية الشبيهة لها، وترتكب جرائم أقل ما توصف به إنها جرائم حرب.

إسبانيا تزعم أن هناك شعب صحراوي مستقل، وهذا لم يظهر إلا في ستينيات القرن الماضي بسنوات قليلة قبيل انتهاء الاحتلال الإسباني، فقبلها لم يكن هناك شيء اسمه الشعب الصحراوي بل كانت تلك المنطقة تاريخيا ضمن أراضي المغرب، وكانت قبائلها كلها مبايعة لـ ملوك المغرب، وظهور فكرة "شعب صحراوي" منفصل عن بقية المغاربة هي مجرد أكذوبة اخترعتها إسبانيا "الدكتاتور فرانكو" لتبرير احتلالها للمنطقة وفصلها عن بقية ربوع المملكة.

 

ما طبيعة هذه الجماعة المتمردة التي تدعمها إسبانيا؟

هذه الجماعة تكونت من متطرفين شيوعيين وعناصر إجرامية ومرتزقة من دول مختلفة، تم تجنيدهم وتمكينهم من السلاح، ولعب الاستعمار دورا في تسليحهم وتمكينهم من الحماية من الملاحقات القضائية، فـ إبراهيم غالي مطلوب من العدالة الإسبانية في جرائم حرب  كـ الاغتصاب والقتل والاختطاف والإبادة، ولكن للأسف القيادة السياسية الإسبانية قدمت له الدعم والحماية، وأدخلته إلى أراضيها للعلاج منتحلا لـ شخصية جزائرية وبجواز سفر دبلوماسي مزيف.

الحكومة الإسبانية كانت على علم بدخول "غالي" أراضيها، وهذا في حد ذاته جريمة قامت بها الحكومة الإسبانية.

إسبانيا كانت تحاول في الفترة الأخيرة توطيد العلاقات مع المغرب من أجل مصالحها زاعمة القطيعة مع الأفكار الاستعمارية القديمة، ولكن أزمة إبراهيم غالي كشفت أن إسبانيا ما زالت مستمرة خلسة في دعم الانفصاليين لتطعن بشكل غادر المغرب.

إسبانيا كانت تحاول إخفاء أهدافها وتظهر الحياد في قضية الصحراء المغربية، ولكن حادثة إبراهيم غالي فضحت سلوكها الملتوي، واثبتت أنها دولة لا تحترم الاتفاقيات والمواثيق التي تربطها بالمغرب وعلى رأسها اتفاقيات أمنية مشتركة؛ وبإيوائها سرا لإبراهيم غالي، وتمكينه من العلاج على أراضيها، علما بأنه تسبب في جرائم ضد مواطنين إسبان ومغاربة؛ تكون قد أقدمت على عمل عدائي واضح رغم كل ما تزعمه من رغبة في استمرار العلاقات الطيبة مع المغرب.

 

ما الموقف المغربي بشكل عام تجاه إسبانيا؟

المغرب على الرغم مما لحق به من أذى تاريخي و جرائم من الجانب الإسباني إلا أنه ينظر إلى مستقبله وإلى تحسين العلاقات والخروج من ظلال التاريخ؛ لبناء علاقات أكثر هدوء واتزان، وقد ساهم في حماية إسبانيا من عمليات إرهابية ومن الجريمة المنظمة وقام بتفكيك خلايا للهجرة السرية.

المغرب منع محاولة تسلل 14 ألف من المهاجرين السريين إلى داخل إسبانيا،  كما مد باستمرار الجانب الإسباني - في إطار اتفاقيات قضائية وأمنية- بمعلومات عن مجرمين وملاحقين في قضايا مختلفة.

المغرب اقتصاديا هو الشريك الأول لإسبانيا، وعلى المستوى السياسي هناك تقارب بين الجانبين، كما أن المغرب رفض استقبال انفصاليين إسبان رغم أنهم حاولوا بناء علاقات مع المغاربة نكاية في إسبانيا؛ فكان المغرب واضحا متعاونا مع الجابب الإسباني، ولكن يبدو أن كل هذا لم يشفع له ولم يجعل إسبانيا تتخذ موقفا مماثلا صارما واختارت التعامل بشكل مناف لحسن الجوار ولمقتضيات الشراكة، ومن حق المغرب الآن إعادة النظر في كل العلاقات مع إسبانيا.

ما الأضرار التي تسبب فيها الإسبان للمغرب؟

إسبانيا أثبتت أنها جار غير موثوق به ولا يمكن الاعتماد عليه في بناء علاقات مستقبلية؛ لإنها أولا قامت بهذه الحادثة الشنيعة، كذلك لم تسعى لحلها بشكل واضح، كما لم تجب على أسئلة المغرب التي طرحها عندما واجه إسبانيا بما قامت به من احتضان لهذا المجرم الهارب من العدالة ومحاولة تهريب إبراهيم غالي، القضية أكبر من مجرد حادثة عابرة، فـ الحادثة كشفت حقيقة استمرار السلوك الاستعماري القديم الذي مارسته إسبانيا خلال قرون وليس فقط في المرحلة المتأخرة من الاستعمار.

إسبانيا تعادي المغرب من قرون طويلة ومعلوم أن الجانب الإسباني تورط في احتلال أراضي مغربية في القرنين السادس عشر والسابع عشر، كما أن سبتة ومليلية هي أراضي مغربية محتلة إلى اليوم من الجانب الإسباني، وهذا التاريخ الاستعماري لديه استمرارية في العقلية الاستراتيجية الإسبانية، ويبدو من ذلك أن الجانب الإسباني لم يتخلص من هذه العقلية الاستعمارية العدوانية التي تقف حجر عثرة نحو تحقيق الأمن والاستقرار في البحر الأبيض المتوسط وفي منطقة الساحل، وخير مثال على ذلك استمرار نشاط الجماعات الإرهابية في الساحل بسبب غياب الاستقرار السياسي، ورمادية المواقف الإسبانية التي أورثت المنطقة تركة استعمارية ثقيلة ما زالت تهدد أمن الجميع.

 

المقارنات بين المغرب وإسبانيا تصب في صالح من؟

بالمقارنة أصبح المغرب ندا عسكريا وسياسيا واقتصاديا ولا يمكن لإسبانيا القيام بأي عمل ضد المغرب دون أن تكون له تبعات تداعيات على مصالح إسبانيا، فالمغرب أصبح دولة قوية في حوض البحر الأبيض المتوسط، ولكن يبدو أن العقلية الاستعمارية تحجب عن إسبانيا هذا الواقع مما يجعلها مستمرة في استعدائه بشكل مرضي في الوقت الذي اعترفت فيه دولة كبيرة مثل الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء، وحتى الدول الأفريقية التي كانت إلى زمن قريب تعادي المغرب غيرت من مواقفها.

الدول التي كانت تمول الانفصاليين في الصحراء وتشتري مواقف الدول ضعفت إمكانياتها وقلت ولم يعد هناك من يمول كما كان في فترة الحرب الباردة، وهذا باتت آثاره بارزة في تغير مواقف كثير من الدول بخلاف إسبانيا التي خلقت هذا الواقع وحليفتها الجزائر التي اعانتها على ذلك نكاية في المغرب.

كثيرون تخلوا عن دعم الانفصاليين للحفاظ على العلاقات مع المغرب لأنه طرف موثوق وحريص على بناء علاقات متوازنة وإيجابية مع شركائه ومساهم رئيسي في صناعة واقع بعيد عن التوترات السياسية.

المغرب أحرج الجانب الإسباني ودفعه إلى الاعتراف بهذه الفعلة الشنيعة مما جعل إسبانيا تضطر لاستدعائه لمواجهة العدالة ولو بشكل صوري، ولكن المغرب لا يثق في الجانب الإسباني وعبر عن ذلك من قبل وزارة الخارجية وهو ما تأكد لاحقا في سماح إسبانيا لـ زعيم الانفصاليين بالهروب إلى الجزائر.

من وجهة نظرك الأمور بين البلدين قد تصل إلى حد القطيعة؟

نعم قد تصل للقطيعة؛ لكن لا أعتقد أن ذلك سيستمر طويلا، هناك عدة أطراف ستدخل على الخط لتخفيف الضغط، ولن تترك دول مثل أمريكا والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية الأمور حتى تشتعل بين الطرفين، بالإضافة لذلك هناك نخب وشخصيات سياسية داخل إسبانيا تضغط على الحكومة الاسبانية، وتعتبر أنها أضرت بالمصالح العليا للبلاد، كما أن مصالح إسبانيا المختلفة مع المغرب قوية، لكن تصحيح العلاقات بين البلدين أبعد من حادثة إبراهيم غالي ويجب أن يكون مستقبلا على أسس شفافة وواضحة.

 

ماذا لو أصرت إسبانيا على مواقفها؟

إسبانيا الحلقة الأضعف في الاتحاد الأوروبي، وتأذت من الأزمة الاقتصادية في عام 2008، ولم يدعمها ويقف إلى جوارها سوى المغرب، فـ الجانب المغربي هو داعم للاقتصاد الإسباني وإذا لم تتجاوب إسبانيا وتقتنع بهذا الأمر ستتأذى بشكل كبير، فالمغرب استقبل مواطنين إسبان وقت الأزمة الاقتصادية ووفر لهم فرصا للعمل والجانب الإسبانى يعلم ذلك، فإذا أصرت إسبانيا على موقفها في استعداء المغرب ستتأثر مصالحها بشكل خطير، فالمغرب شريك في قضايا مختلفة تمس الأمن الإسباني وهذا سيكون له آثاره السلبية على إسبانيا.

 

ماذا عن الموقف العربي؟

الجامعة العربية تدعم المغرب في قضية سبتة ومليلية وستدعمه ضد إسبانيا في قضيتها وقد تخسر إسبانيا دولا عربية كبيرة، والجانب العربي في عمومه مع المغرب.

حتى الآن لم يطلب المغرب من الأطراف العربية أن تقوم بوساطة، فـ الأزمة الآن بين طرفين والجامعة العربية تنتظر ما ستنجم عنه هذه الأزمة والكل يراقب سلوك إسبانيا.