قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

رحلة مع رجل صالح .. كتاب جديد في معرض الكتاب يوثق حياة البسطاء

شعيب عبد الفتاح
شعيب عبد الفتاح

صدر حديثا كتاب رحلة مع رجل صالح، للمؤلف شعيب عبد الفتاح، المستشار الإعلامي السابق بالرياض وأبوظبي، ويتواجد الكتاب في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ 52، داخل صالة 2، جناح B21.

يتناول الكتاب حياة رجل بسيط هو مثال لجميع أهالينا الطيبين الذين عاشوا وماتوا في صمت وهدوء ولم يأخذوا من الدنيا شيء، ودون أن يلتفت إليهم أحد أو يتحدث عنهم الناس في مجالسهم ومنتدياتهم المختلفة، إنها سيرة جموع الصالحين البسطاء الذين كانوا ومازالوا يمثلون الصعيد الطيب لهذه الأمة، فأنفاس الصالحين هي التي تملأ الكون وتعطر أوقات الدهر والزمان، وهي العبق الذي يفوح من مجالسهم وحديثهم.


انشغل الرجل الصالح علي مدار حياته بالسيطرة على نفسه لا بالسيطرة على الناس، وقد وهبه الله إيماناً فطرياً نقياً راسخاً، ووقاه شر الجدل والتفلسف والتنظير والتنطع ولغو الكلام، وهداه الله إلى الطيب من القول والصالح من العمل، وامتلأ قلبه بالافتقار إلى الله وشدة الانكسار بين يديه.

كان الرجل الصالح هادئ الصوت لم يرفع صوته قط أثناء الحديث أو الخلاف في الرأي، طيب الكلمات، كريم الخُلق، نبيل النفس حكيماً لا يتسرع في اتخاذ القرار، يحترم العهد والوعد، صادقاً لا يراوغ، حسن الظن بالجميع، طيباً حنوناً كريماً جوّاداً، يملأ محيطه بالأمل والطاقة الإيجابية، يمقت اللغو في الكلام والقيل والقال والغيبة والنميمة والسخرية من الآخرين.

كان عبداً ربانياً، يحفظ الله في كل أقواله وأفعاله في السر والعلن، يغُض الطرف، ولا يمشى مختالاً ولا فرحاً، ولا يمشى إلا في الخير، نشر السماح والعفو بين أهله ومحبيه وكل من حوله، لا يأكل ولا يشرب إلا الحلال الطيب فلم يعرف أيا من أنواع الدخان طوال عمره، كان يغضب لله ويفرح لله.


لا يرد صاحب حاجة، يسارع في فك الكربات يعطي كل من يقصده في قرض حسن، وفي أحيان كثيرة لم يكن معه مال فيقوم باقتراض المال المطلوب من أحد أصحابه الكثر ويعطيه للرجل طالب القرض.


عماد حياته الرضا التام والصبر الجميل وصدق التوكل على الله والخروج عن تدبير نفسه إلى تدبيره سبحانه وتعالى، سهلاً ليناً سمحاً شديد التواضع والانكسار لربه، قلبه خالياً من الكبر والرياء، لا يظلم ولا ينتصر لمظلمته، يستوي عنده المدح والذم والمنع والمنح وإقبال الناس عليه وإدبارهم عنه؛ بل يرجح الذم والمنع والإدبار على مقابلهم؛ فلا يفرح بمدح النّاس ولا يحزن لذمّهم.


لسانه لا يفتر عن ذكر الله سبحانه وتعالى، وإذا أنصت إليه جيداً سمعته إما قارئاً للقرآن الكريم أو مستغفراً أو مصلياً على النبي صلى الله عليه وسلم، أو قارئاً لأوراده اليومية صباحاً ومساءً.. لا ينام الثلث الأخير من الليل للتهجد، ملازم للطهارة والنوم عليها، يداوم على لوم نفسه، عفيف اللسان واليد والجسد، غاض للبصر حتى إلى أهله ومحارمه، لا يكشف العورة حتى في الخلوات حياء من الله والملائكة.. من عمار المساجد إما بالصلاة والذكر أو بالخدمة والصيانة، وكان مثله مثل الكثير من السابقين يجزم بأنه لم ير ظهر أحد من المصلين معه في المسجد قط، لمسارعته إلى الصلاة منذ طفولته ووقوفه في الصف الأول، كما كان من آخر الخارجين من المسجد.. لا يجلس إلا جلوس التشهد لأنها الجلسة التي اختارها الله لنا ونحن جالسين أمامه في الصلاة، شديد الحب والأدب مع علماء الدين، حسن الظن بالجميع إذا قال صدق وإذا قيل له صدّق، كريم الخلق وكريم الإنفاق لا يخاف الفقر ولا يأبه به، صبوراً على مكاره الدنيا من أمراض ومحن ومصائب.


كان باراً بوالديه وبأهله وعائلته، واصلاً لرحمه وأقاربه، يؤثرهم على نفسه، يوقر الكبير ويعطف على الصغير، يسارع في نجدة الملهوف ومساعدة المحتاج وزيارة المريض وإصلاح ذات البين، شفوقاً باليتامى والضعفاء، فاعلاً للخير دالاً عليه؛ ويحبه لكل الناس كما يحبه لنفسه وأولاده، محباً لضيوفه من البسطاء والفقراء والمساكين وغلابة الناس، وكريماً بالمجاذيب الهائمين على وجوههم، وحفياً بالدراويش السائحين في الأرض بلا مأوى، فكان خادماً لهم وساهراً على راحتهم وإسعادهم.


كان مجلسه من أوله إلى آخره إما ذكر لله سبحانه وتعالى أو صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أو ذكر لمناقب العلماء وأولياء الله الصالحين وسيرتهم وأقوالهم وتجلياتهم الصادقة في محبة الله سبحانه، لم يسمع أحد في مجلسه قط كذباً أو نفاقاً أو غيبةً أو نميمةً أو همزةً أو لمزةً، كان مجلسه مثالاً صادقاً لما جاءت به نصوص الكتاب العزيز والسنة المطهرة بالحث على ملازمة الجلساء الصالحين، والتحذير من الجلساء الفاسدين؛ وذلك لما للرفقة والمجالسة من تأثير على الفرد في حياته وسلوكه.


كان رحمه الله مربياً صادقاً؛ ليس بالكلام مثل الخطب والدروس، بالسلوك الحياتي والتطبيق العملي، وطبقاً لرؤية علماء التربية فإن أعظم ما يؤثر في التربية هو ما يسمى بالمنهج الخفي؛ أي السلوك، وبمثل هذه الطريقة صنع الأئمة في كل زمن أجيال العظماء من تلامذتهم وإلا فإن الوعظ العام، والتوجيه اللفظي، لا يصنع إنساناً ولا يغير طبعاً معوجّا بل يظل فقط ثقافة يستعذب الإنسان الحديث عنها ويحفظ كلام الأكابر في ذلك بينما تظل آلات نفسه من داخلها تجري وتعمل وفق المفاهيم التي تكون عليها.


كانت مجاهدة الرجل الصالح الكبرى في تزكية النفس، وكان يتأسى بقول ابن القيم: وأفرض الجهاد جهاد النفس, وجهاد الهوى, وجهاد الشيطان, وجهاد الدنيا, فمن جاهد هذه الأربعة في الله هداه الله سبل رضاه


كان البر هو الضوء الحليم الذي يشع من الرجل الصالح على أهله ومعارفه وكل المحيطين به، فهو باراً للجميع دون استثناء، فكان الابن البار والأخ البار والزوج البار والأب البار والصديق البار والمريد البار والجار البار، وكثيراً ما كان يذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (البر حُسن الخُلق).. فالبر ينطوي تحته كل أفعال الخير وخصاله، وحسن الخلق هو بذل الندى، وكف الأذى، والعفو عن المسيء، والتواصل مع الخلق بالمعروف وبمحاسن الأخلاق والأعمال، وبالإحسان إليهم وصلتهم وإكرامهم وأمرهم ونهيهم وبذل المعروف لهم، وبذل الخير لهم، كما قال ابن عمر رضي الله عنه. الموصلة إلى جنته

ما عند الله أقرب إليه مما في يده

لم يكن لدى الرجل الصالح شيئا أهون عليه من الدنيا بكل مالها وجاهها؛ فلم يسع قط في طلبها أو الجري وراء زخرفها ومتاعها، بل كان زاهداً حتى في حلالها وخيرها الذي طالما أتاه عبر سنوات عمره الطويل، كان مُحباً للإنفاق والتصدق بأي شيء سواء القليل من المال الذي معه؛ فإن لم يكن فبجلبابه أو بأثاث بيته، فلم يكن يخاف الفقر ولا يأبه به؛ متسلحاً بإيمان راسخ بأن ما عند الله هو أقرب إليه مما في يده أو جيبه،


ففي صباح يوم عيد الفطر من أحد الأعوام ارتدى الرجل الصالح جلبابه الجديد الذي أحضره من الترزي العربي بالقرية في الليلة البارحة وذهب لصلاة العيد بالمسجد، وفي الطريق قابله أحد الفقراء وبعد السلام عليه وتهنئته بالعيد أبدي الفقير إعجابه الشديد بالجلباب الجديد، وقال له: والله أنا كان نفسي في جلباب مثله أستقبل به العيد لأن جلبابي قديم ومرقّع كما ترى، لكن لم يكن معي المال لشراء مثله أو حتى أقل منه، فما كان من الرجل الصالح إلا أن عاد إلى البيت ومعه الرجل الفقير، وبعد فترة قليلة ذهبا معا إلى المسجد، والرجل الفقير يرتدي الجلباب الجديد وهو يرتدى جلبابه القديم.

كان يشدد على أن المؤمن الصادق في كل دقيقة, في كل موقف, يقول: ماذا سأجيب الله عز وجل لو سألني؟ ابتسامتك مسجلة, عبوسك مسجل, عطاؤك مسجل, منعك مسجل, صلتك مسجلة, قطيعتك مسجلة, كل حركة, كل سكنة مسجلة, والصادق هو الذي يهيئ لله جواباً عن كل شيء يفعله، وكلما شددت على نفسك كان حسابك أهون، من حاسب نفسه في الدنيا حساباً عسيراً كان حسابه يوم القيامة يسيراً.


المساجد عنوان تمسك الأمة بدينها وعقيدتها

كانت المساجد عنده هي أعظم مظهر من مظاهر الإسلام، وأنصع صورة تتجلى فيها روح العبادة الخالصة لله سبحانه وتعالى، ويؤمن بأن المسجد هو المرآة الصادقة لمدى تمسك الأمة بدينها وعقيدتها.


قضى الرجل الصالح جل حياته في المساجد؛ مابين صلاة وتعمير وصيانة، وكثرة الذكر وقراءة للقرآن واستغفاره ودعاء وابتهالات في كل مساجد القرية حتى المصليات الصغيرة المقامة على الترع والقنوات.


كان حريصاً على الذهاب إلى المسجد قبل وقت الصلاة حتى يستعد للدخول نفسياً ووجدانياً قي أجواء وتجليات الصلاة، فلم تكن الصلاة لديه مجرد حركات أوطقوساً شكلية يؤديها وكفى، ولكنها كانت خشوعاً وتقوى ولقاء مع الله والوقوف أمامه وبين يديه؛ قبل وأثناء وبعد الصلاة، فكان لا ينسلخ من أجواء الصلاة بمجرد انتهائها ولكنه يستمر في حالة الخشوع حتى ينتهي من ختم الصلاة وقراءة بعض أوراد التسابيح والذكر، ولم يذكر أولاده أنه صلى في البيت إلا النوافل والتهجد.


الضيف رزقه على الله والأجر لي !
للضيف عند الرجل الصالح مكانة كبير ومنزلة عالية، تزداد فرحته كلما هلت على داره الضيوف سواء من القرية أو من الغرباء عنها، حفاوته بهم بالغة، يأبى أن يقوم بخدمتهم أحد من أولاده، بل كان حريصاً كل الحرص على خدمتهم بنفسه إكباراً لهم وتقديراً لشأنهم، ولم تكن ضيافته تقتصر على تقديم الطعام والشراب، بل كانت بشاشة استقباله وحميمية ترحيبه تكاد تشعر الضيف بأنه هو المضيف وصاحب الدار ، وكان دائما يردد مقولته الجملية: أحب شيء عندي في الدنيا هو الضيف؛ رزقه على الله والأجر لي .


لم يكن ضيوفه من الأغنياء والقادرين مطلقاً فلم نشهده مرة واحدة يقيم وليمة للموسرين أو أصحاب السلطة والنفوذ، بل كانت ضيوفه من أصحابه الطيبين حملة ومحفظي القرآن الكريم ورواد الحضرة بالقرية وكذلك علماء الدين من الأزهر الشريف، والغلابة والفقراء والمساكين وما يطلق عليهم المجاذيب والدراويش والذين كان معظمهم بلا مأوى أو سكن، أما في ليلة المولد النبوي الشريف فكانت الدار تمتلئ بالزوار والضيوف من القرية ومن غيرها، حيث يطعم الطعام ويوزع الحلوى على الكبار والصغار.

تلك ملامح الرحلة مع هذا الرجل الصالح، ومن يصحبنا في هذه الرحلة فربما يجد نفسه أمام سيرة والده أو جده أو أحد أقاربه أو معارفه أو حتى أحد ممن سمع عنهم ذات مرة، وقد يجد فيه رجلاً يأمل أن يكون هو في يوم من الأيام.