الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

شعيب عبد الفتاح يكتب: النبي .. سر كمال الإنسانية

شعيب عبد الفتاح يكتب:
شعيب عبد الفتاح يكتب: النبي .. سر كمال الإنسانية

في ذكرى مولدك يا سيدي يا رسول الله، كم يحتاج الإنسان أن يستمد من إنسانيتك الكاملة قبسا يعيد اليه انسانيته المفقودة ، فأنت يا سيدي سر كمالها ، وسر هديها وانتشالها ، وسر الرحمة الربانية التي أرسلك الله بها للعالمين. 

يستمد الإنسان إنسانيته من نبي يقول للناس على رؤوس الأشهاد: من كنتُ شتمته أو ضرُبته أو آذيته أو أخذتُ شيئًا من ماله.. فليقتصّ مني اليوم، قبل أن لا يكون دينارٌ ولا درهم" . ويقول : اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا ، وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا ، وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمَسَاكِينِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .. ويقول : أنا عبد ، آكل كما يأكل العبد ، وأجلس كما يجلس العبد ، نبي يركب الحمار ، ويجيب دعوة العبد ، ويدعى إلى خبز الشعير فيجيب ، نبي يمر عليه الشهرُ ما يوقِدُ في بيته نارًا، إنما هو التمرُ والماءُ.

نبي يكسر حاجز الرهبة والخوف بينه وبين أصحابه فيقول لهم أنه لَيس بِمَلِكٍ ، إِنَّمَا هو ابْنُ امْرَأَةٍ كانت تَأْكُلُ الْقَدِيدَ ، نبي يبدأ الناس بالسلام ويكنيهم ويدعوهم بأحب الأسماء إليهم، وكان يقف لخدمتهم ويجهد نفسه لراحتهم، نبي يسأل عن أخبار أصحابه ويتفقد أحوالهم، ويدعو لغائبهم، ويزور مريضهم ويشيع جنائزهم، ويصلي عليهم، ويفرح في فرحهم ، ويحزن قلبه وتدمع عينه لحزنهم وآلامهم . 
نبي يضع الخدم موضع الأخوة ، يحبهم ويحنو عليهم ، يأكلون من أكله ، ويلبسون من ملبسه ، ويعينهم في أعمالهم ، ولا يكلفهم ما لا يطيقون ، نبي ما قال لخادمه قط عن شيء فعله : لم فعلت كذا وكذا؟ أو لشيء تركته، هلا فعلت كذا وكذا ، نبي يسأل عن جارية سوداء كانت تنظف المسجد ، فقالوا ماتت ، ودفنوها دون أن يخبروه بأمرها، ، فقال صلى الله عليه وسلم: «دلوني على قبرها» ، ثم أتى قبرها حتى وقف عليه وصلَّى عليها.. وهكذا يعظم النبي الناس بحسب أعمالهم، وما قاموا به من طاعة الله وعبادته ، وليس بحسب نسبهم وحسبهم ، فرُبَّ عملٍ صالح صغَّرَتْه الأعين، كان سببًا لرضا الرحمن، والفوز بالجنان . 

نبي يزور المرضى من غير المسلمين ، فها هو يستأذن لزيارة جاره اليهودي المريض ، والذي كان يؤذيه ، بوضع القاذورات أمام بيته في الليل حتى لا يراه أحد . نبي كان يقف أثناء مرور جنازات الموتى من غير المسلمين وعندما قيل له : إنها جنازة يهودي ، قال لهم : أليست نفسا ... رد النبي بتلك الجملة التي ارتقت بكل المعاني والقيم الإنسانية الى مدارجها العليا ، وسمت بالسلوك الانساني سموا ينزع من النفس البشرية كل رزاياها من الحسد والكبر والسخرية والازدراء ، كانت اجابتك يا سيدي يا رسول الله ( أليست نفسا ) عنوانا كبيرا تزينت به الأرض ، عنوانا لقبول الاخر بغض النظر عن دينه ، أوعقيدته ، أولونه ، أوجنسه ، أوعرقه ، عنوانا انسانيا فريدا متفردا ، أزال كافة الفروق بين بني الانسان ، بين الغني والفقير، القوي والضعيف، العالم والجاهل، المؤمن والكافر ، فالكل سواء في ميزان إنسانيتك الكاملة يا سيدي يا رسول الله . 
نبي يتجمل لزوجاته ويتطيب لهن ، ويسابقهن في الجري ، ويشرب الماء من موضع شربهن ويأكل من موضع أكلهن ، نبي يحُسْن العهد لزوجاته ، ويحفظ ودهن ، ويرعى حُرمتهن وعشرتهن في حياتهن ووفاتهن ، فإذا ذبح الشّاةَ يقول: أرسلوا بها إلى أصدقاءِ خديجةَ، ويوم فتح مكّة بعد أن حقّق الله -تعالى- لنبيّه النصر ودخل مكّة عزيزًا قادرًا، فلم يقبل بالبيات في بيت أحد، وقال للقوم اضربوا لي خيمة عند قبر خديخة ، وبات في الخيمة ليكون مبيته بجوارها حتى وهي مدفونة في قبرها . 

نبي يمسح بيديه الشريفتين دموع زوجته السيدة صفية عندما بكت لتأخر بعيرها في المسير ، ويجلس عند بعيره، فيضع ركبته لتضع رجلها على ركبتيه حتى تركب البعير، في مشهد يفيض بكل معاني الاحترام والمودة والرحمة للزوجة ، من نبي الانسانية الكاملة سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم . 

نبي يخفض جناحه للأطفال ، ويحملهم فوق ظهره ورقبته ، ويحنو عليهم ويُقبِّلهم ويمسح على رؤوسهم ، ويداعبهم ويضحك معهم ، ويأبى أن يقطع عليهم فرحهم ولحظات سعادتهم ، ويصفهم بأنهم فلذات أكبادنا تمشي على الأرض . 
نبي يفيض رحمة وعطفا على الحيوان والطير ، ويضعه موضع الأمم المماثلة للانسان ، يشعر بآلامه ومرضه وجوعه وعطشه ولحظات ضعفه ، 
فقد وسِعت شفقتُه احدى امهات الطيور ، فجمع بينها وبين فراخها ، بعد أن كادت تفارقهم بسبب عدوان البشر على عشها وهي غائبة ! .. كما أمر أصحابه أن يتقوا الله في البهائم ، ونهاهم عن تجويعها وتحميلها فوق الطاقة والقدرة 
نبي كان اخر ما قاله للانسان : أيها النّاسُ إن رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وإنّ أَبَاكُمْ واحِدٌ ، كُلكُّمْ لآدمَ وآدمُ من تُراب ، وأخر نداء وجهه للانسان : أَيُهَا النَّاس، إنّ دِمَاءَكُمْ وَأمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَليكُمْ حَرَامٌ إلى أنْ تَلْقَوْا رَبَّكُمْ . 
فما أشد حاجة البشرية اليوم لأن تنهل من معين انسانيتك الكاملة ، ولأن تلتمس هديا من هدي خلقك العظيم يا سيدي يا رسول الله ، صلاة وسلاما عليك يا سيد الخلق واخر رسل الله ، صلاة دائمة ، موصولة أبدا الى يوم الدين يارب العالمين .