في عالم يضرب فيه آثار التغير المناخي كافة موارده ويهددها وعلى رأسها المحاصيل الزراعية التي تتأثر بأي تغيير ولو بسيط مهددة معها الأمن الغذائي لملايين البشر في كل ضربة
وبينما تسعى قوى هذا العالم المتقدمة والنامية منها على حد السواء لفعل أي شئ يمكنه أن يخفف من وطء هذه الضربات وتصحيح الأوضاع المناخية مرة أخرى نجد الوجه المتناقض من هذا العالم يظهر بالجانب الأخر وهو أنه يهدر أكثر من ثلث الطعام المنتج و المعد للاستهلاك البشري ....هدر الطعام ... تحدي جديد وكبير يثقل كاهل البيئة العالمية
في الوقت الذي يعاني فيه ما يقرب من 800 مليون شخص حول العالم الجوع وخطر إنعدام الأمن الغذائي يهدر العالم ما يقرب من مليار وجبة يومياً بمكب النفايات في مختلف البلدان كالصين والهند والولايات المتحدة الأمريكية في المقدمة ومقدار هذا الهدر مايعادل 1.3 مليار طن من الأغذية الصالحة للاستخدام وهو ما يكفي لإطعام 3 مليار شخص إذا حفظ هذا الطعام من الهدر ومن المفارقة أن نجد أسماء عدد من الدول العربية يترأس قائمة الدول الأعلى هدراً ومنها الإمارات العربية والسعودية والعراق ومصر والبحرين .
لا تتوقف المشكلة عند التخلص من كميات الطعام في سلة المهملات كنفايات بل تبدأ من هنا فالأثر السلبي لم يقف حد البيئة ومواردها ومناخها إنما يرتبط أيضا بآثار اقتصادية واجتماعية منها على سبيل المثال وليس الحصر
تحول هذا الكم من الطعام غير المأكول لنفايات يعنى هذا إهدار مليارات المتر المكعب من الماء النظيف المستخدم في عملية الزراعة هباءاً حيث كان بالإمكان توفير هذا القدر من المياه النظيفة لأستخدام الأفراد اليومي.
ينتج هذا المقدار من الطعام المهدر حوالي 4.4 جيجا طن من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري سنوياً والنسبة الأعلى منها لغاز الميثان الذي تتجاوز طاقته الحرارية 80 مرة أقوى من غاز ثاني أكسيد الكربون بما يساهم بنسبة من 8- 10% من الانبعاثات الحرارية.
فإذا ما تمكنا من اتباع الحلول لهذة المشكلة فإننا يمكن تجنيب الكوكب والتخفيف عنه نسبة 10% من غازات الاحتباس الحراري على الأقل أضافاً للاستفادة من هذا الفائض لأطعام الملايين يومياً, وهنا أرى بصيص أمل في إمكانية تجاوز هذا التحدي إذا ما تكاتفنا حكومات وأفراد وقطاع شراكات خاص, حيث يهدر حوالي ثلث الإنتاج العالمي سنوياً ما بين مرحلتي الإنتاج والنقل
وبالتالي لابد من تطوير سلاسل النقل الذكي والتخزين الجيد وتطبيق سياسات تجارية مستدامة .
ونأتي إلى المساهم الأكبر والأهم في السلسة وهو المستهلك حيث تعد الأسر ثم تليها في الرتبة المطاعم الأعلى هدراً للطعام سوء المطهى أو غير المطهى , وقد أشارت منظمة الأغذية العالمية (الفاو) لبعض الأنماط الاسترشادية للسيطرة على هذة الظاهرة
وقد أشارت وزارة البيئة المصرية لهذه الإرشادات وتشجع تبنيها ضمن الأنماط الاستهلاكية للأسرة المصرية ونجد ومنها
التركيز على رفع الوعي وهو هنا مفتاح حل جزء كبير من المشكلة بتكرار التذكير على كافة الوسائل الإعلامية والمنصات والحملات الوطنية ومراكز التثقيف بضرورة اتباع سياسات استهلاكية رشيدة ومنها على سبيل النصح والتذكير
أولاً: التسوق الذكي ويكون بجرد محتويات البيت من الأطعمة وإعداد قائمة بالاحتياجات الأساسية بالكميات المرشدة مع التوعية بضرورة متابعة تواريخ الإنتاج والانتهاء حتى لا تتلف الأطعمة دون إستغلال مع طهوه كمية الطعام حسب احتياج عدد أفراد الأسرة مع وضرورة مراجعة الاحتفاظ بالباقي من الطعام الصالح بالتبريد الجيد وإعادة أستخدامه أو تدويره أو حتى التبرع بها للمحتاجين
ثانياً: يمكن استخدام الكمية المتبقية من الطعام غير الصالحة للاستخدام الآدمي في تسميد المزروعات ولاسيما من الحظ الجيد أن تتولى الحكومة أو بعض الشركات الخاصة توفير بعض مكبات التجميع بالأحياء لتصنيع السماد العضوي من بقايا الطعام
ثالثا: بنوك الطعام من أكثر الأفكار والمبادرات إستغلالاً لكميات الطعام المطهى الزائدة عن الاستخدام سوء للأسر أو المطاعم والفنادق والتي تتولى بدورها تجميعها
وإعادة تغليفها وتقديمها بشكل لائق للمستحقين دون مقابل وبذلك يمكن توفير ملايين الوجبات يومياً , وكلك توجد بعض المتاجر الإلكترونية التي تقوم بنفس الدور ولكن
بشيء من الاختلاف حيث تعرض هذه الوجبات والحلويات الزائدة من المطاعم والفنادق الشهيرة للشراء بأسعار أقل من نصف ثمنها وهو اتجاه حديث في التسوق يجب التشجيع على الاستفادة لكافة الأطراف وقد بدء بالفعل العمل ببعض هذه التطبيقات بالسوق المصري ويجب التشجيع على زيادتها وتسهيل التعامل التقني لهذه التطبيقات .
الحد من هدر الطعام يعني استدامة نظامنا الغذائي ,والتقليل من الفاقد الغذائي لا يسهم فقط في حل مشكلة بيئية بل يعزز من واقع الأمن الغذائي ,ويجعل الموارد المتاحة أكثر كفاءة .
لذا يجب على كل منا أن يتحمل مسؤوليته ويعمل على نشر الوعي حول أهمية ترشيد الطعام ,معتبراً ذلك خطوة نحو مستقبل أكثر أستدامة وليكن هدفنا جميعاً بناء مجتمع يتسم بالوعي يضمن في إطاره العدالة الغذائية والمناخية للجميع .