مع اقتراب كل عام من نهايته، يبرز "كشف حساب" تسطره دفاتر الهيئات والدوائر العلمية وغيرها من المؤسسات الرصدية، سواء على المستوى المحلي أو العالمي؛ لدق ناقوس الخطر وجذب الانتباه. ومن خلال متابعاتي الشخصية، استوقفني اهتمامُ أكثر من منظمة طبية متخصصة بالتحذير الذي أعتبره الأهم على الإطلاق؛ كونه يرتبط بصحة أطفال العالم الذين باتوا عرضة لعادات وممارسات مدمرة؛ منها التغذية المشبعة بالدهون، واستنزاف ساعات النوم في السهر أمام شاشات الهواتف والأجهزة الإلكترونية، والعزوف عن ممارسة الرياضة.
ومؤخراً، صدر تقرير الاتحاد الدولي للسكري (IDF) بعنوان "توقعات أطلس السكري 2025"، والذي كشف أن ما كان يُسمى سابقاً "سكري البالغين" أصبح يغزو فئة الأطفال والمراهقين بمعدلات غير مسبوقة. وتوقع الاتحاد ارتفاعاً في نسب الإصابة بمقدار 46% بحلول عام 2050، إذا لم يتم التدخل الفوري لتغيير الأنماط الغذائية والأنشطة البدنية للأطفال. وبالإضافة لما سبق، أطلقت منظمة الصحة العالمية (WHO) صرخة أخرى مدوية ضمن إحصائياتها الأخيرة، وتحديداً في الرابع عشر من نوفمبر الماضي الموافق لليوم العالمي للسكري؛ حيث أكدت المنظمة أن أكثر من 95% من حالات السكري المسجلة مؤخراً كانت من "النوع الثاني"، مع طفرة في التشخيص بين أطفال الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط. واعتبرت المنظمة الأطعمة فائقة المعالجة والمشروبات السكرية الموجهة للأطفال بمثابة المحرك الأول لهذه الأزمة، بل وأوصت بضرورة الحد من تسويقها.
وإذا أردنا التدقيق أكثر في الإحصائيات والنتائج سالفة الذكر -عزيزي القارئ- سنجد أن معظم إصابات الأطفال بالسكري على مدار عقود سابقة كانت من "النوع الأول" بالفعل، وهي حالة مناعية ذاتية يهاجم فيها الجهاز المناعي خلايا "بيتا" المنتجة للأنسولين في البنكرياس ويدمرها، لأسباب غالبيتها وراثية. ونتيجة لذلك، يعجز الجسم عن إنتاج الأنسولين؛ وهو الهرمون الأساسي الذي يسمح للجلوكوز بدخول الخلايا لإنتاج الطاقة، وبدونه يتراكم السكر في مجرى الدم. لكن الملاحظ في عام 2025 هو تزايد إصابة الأطفال بـ "النوع الثاني"؛ وهو اضطراب أيضي يتعلق بتعثر التمثيل الغذائي وتحويل الغذاء إلى طاقة، مما يؤدي لعدم إنتاج الجسم ما يكفي من الأنسولين أو لا يستطيع استخدامه بفعالية، فتحدث "مقاومة الأنسولين". هذا النمط الذي كان حكراً على البالغين، صار اليوم يطارد أطفالنا في مقتبل العمر.
وبتدقيق النظر في سوء التمثيل الغذائي على وجه التحديد، كطريق رئيسي يمهد للإصابة بالنوع الثاني من مرض "السكري" اللعين، الذي أصبح يطارد صحة أطفال العالم بأسره، حسب الإحصائيات الأخيرة لدوائر علمية رفيعة؛ سنكتشف أن مفتاح تغيير نمط التعود على الأطعمة المحلاة بالسكريات، والمشبعة بالدهون، واستنزاف ساعات طويلة في السهر أمام الشاشات، وضياع ساعات النهار في ممارسة الرياضة الإلكترونية وليست البدنية؛ هو التأثير والتقرب من الأبناء منذ نعومة أظفارهم، وتقديم القدوة الحسنة في عادات الغذاء السليمة، وحسن الإصغاء إليهم لضمان التأثير فيهم، واصطحابهم قدر الاستطاعة لمراكز الشباب لإدمان تلك العادة الصحية، وتشجيعهم على بلوغ التفوق الرياضي، وتحذيرهم المستمر من استبدال الساحات الخضراء الحقيقية بملاعب إلكترونية تدمر البصر وتعيق حركة الجهاز الهضمي في التمثيل الغذائي الذي يعتمد كثيراً في عمله على الحركة والمجهود وليس الثبات والسكون. كما أن عملية "الأيض" تحدث أثناء النوم بساعات الليل، فلا يجب استنزاف تلك الساعات الفارقة في السهر، كما يجب تنظيم ساعات النهار وتقسيمها حسب الأهداف اليومية المنشودة، مثل الذهاب للمدارس. وبالإضافة لما سبق، يجب الاعتماد على الوصول لأهدافنا عبر الأقدام بدلاً من ركوب وسائل نقل مثل "التكتوك" إلا للضرورة القصوى؛ لمساعدة أجسادنا على حرق السعرات الحرارية الزائدة بواسطة المشي، وهو جزء لا يتجزأ من عملية الهضم.
في النهاية، رغم بساطة مثل هذه المعلومات التوعوية السابق ذكرها -عزيزي الأب عزيزتي الأم- إلا أن علم النفس الاجتماعي الحديث يراها ضرورية في توطيد وثقل العلاقة بين الأهل والأبناء؛ لأنها معلومات ترتبط بالصحة والحياة وتثبت للصغار بأنهم دائماً في بؤرة اهتمامنا، ما سيجعلهم حريصين على الاستماع للصوت الذي يدعم بقاءهم أصحاء في كل شيء.