الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حكم تعلق الحجاج بأستار الكعبة في الحرم.. دار الإفتاء ترد

الكعبة
الكعبة

ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول صاحبه "ما حكم التعلق بأستار الكعبة والالتصاق بها؟

وذكرت دار الإفتاء، بأن الكعبة هي بيت الله، والقبلة، والمسجد الحرام، وهي محلٌّ للإجلال والاحترام؛ لأن الله عز وجل جعلها بيتًا له؛ تشريفًا وتكريمًا لها؛ قال تعالى على لسان نبيه إبراهيم عليه السلام: ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ﴾ [إبراهيم: 37]، وقال عز وجل: ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ [الحج: 26].

كما أن الكعبة، هي أول بيت وضع في الأرض لعبادة الله عز وجل؛ قال تعالى: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 96].

وأوضحت، أن الله جعل ما حول مكة من جميع جهاتها الأربع حرمًا آمنًا، تكريمًا لبيته الحرام، وقد جعلها الله عز وجل قِبْلَةً للمسلمين يستقبلونها في صلاتهم خمس مرات، ولا يجوز لإنسان أن يستقبل غيرها، بل لو اتخذ قبلة غيرها عالمًا متعمدًا لا تقبل صلاته إلا في بعض الأحوال الاستثنائية؛ كما في صلاة الخوف مثلًا؛ قال تعالى: ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ [البقرة: 144]، وقد جعل الله عز وجل الطواف بمعناه الشرعي خاصًّا بالكعبة فقال تعالى: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: 29].

وأضافت، أن المراد بالتعلُّق بأستار الكعبة: هو التشبث بها والالتصاق بأركانها وكسوتها. والكسوة: هي ما يُتَّخذ من الثياب للستر والحلية، وفي "المصباح المنير" للعلامة الفيومي (2/ 534، مادة: ك س ى): [الكسوة: اللباس، بالضم والكسر] اهـ.

وهذا التعلق فيه إشارة إلى الإلحاح في طلب المغفرة، وسؤال الأمان، كالمذنب المتعلق بثياب من أذنب إليه، المتضرع إليه في عفوه عنه، المظهر له أنه لا ملجأ له منه إلا إليه.

وذكر العلامة ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (6/ 352، ط. دار الفكر): [قال عبد الباري لأبي الفيض: ما معنى التعلق بأستار الكعبة؟ فقال: مَثلهُ مثل رجل بينه وبين صاحبه جناية، فهو يتعلق به ويستخذي له رجاء أن يهب له جرمه] اهـ.

وقد كان العرب قبل الإسلام إذا أراد أحد منهم أن يُؤَمِّن نفسه دخل الكعبة وتعلَّق بأستارها، والظاهر أن هذا مما ورثوه عن بقايا دين إبراهيم الخليل عليه السلام إذ استمر ذلك إلى عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فما بعده دون نكير، ومما يروى في هذا ما أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (8/ 52، ط. دار الرشد): [لما كان يوم فتح مكة أَمَّنَ النبي عليه الصلاة السلام الناس إلا أربعة نفر وامرأتين، وقال: «اقْتُلُوهُمْ وَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمْ مُتَعَلِّقِينَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ: عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ خَطَلٍ، وَمِقْيَسَ بْنَ صُبَابَةَ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ»] اهـ.

وقد ورد في كلام كثير من الفقهاء التصريح بذلك على اختلاف مذاهبهم:
قال الإمام الغزالي في "إحياء علوم الدين" (1/ 269، ط. دار المعرفة): [وأما التعلق بأستار الكعبة والالتصاق بالْمُلْتَزَمِ، فلتكن نيتك في الالتزام طلب القرب حبًّا وشوقًا للبيت ولرب البيت، وتبركًا بالمماسة، ورجاء للتحَصُّن عن النار في كل جزء من بدنك لا في البيت، ولتكن نيتك في التعلق بالستر الإلحاح في طلب المغفرة، وسؤال الأمان؛ كالمذنب المتعلق بثياب من أذنب إليه المتضرع إليه في عفوه عنه، المظهر له أنه لا ملجأ له منه إلا إليه ولا مفزع له إلا كرمه وعفوه، وأنه لا يفارق ذيله إلا بالعفو وبذل الأمن في المستقبل] اهـ.

وقال الشيخ الدردير في "الشرح الصغير مع حاشية الصاوي" (2/ 43، ط. دار المعارف): [(و) ندب (دعاء) بعد تمام طوافه وقبل ركعتيه (بالملتزم): حائط البيت بين الحجر الأسود وباب البيت: يضع صدره عليه، ويفرش ذراعيه عليه ويدعو بما شاء، ويُسمَّى الحطيم أيضًا] اهـ.

وقال الإمام ابن قدامة في "المغني" (3/ 407، ط. مكتبة القاهرة): [قَالَ طاوس: رَأَيْت أَعْرَابِيًّا أَتَى الْمُلْتَزَمَ؛ فَتَعَلَّقَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: بِك أَعُوذُ، وَبِك أَلُوذُ، اللهُمَّ فَاجْعَلْ لِي فِي اللهَفِ إلَى جُودِك وَالرِّضَا بِضَمَانِك مَنْدُوحًا عَنْ مَنْعِ الْبَاخِلِينَ، وَغِنًى عَمَّا فِي أَيْدِي الْمُسْتَأْثِرِينَ، اللهُمَّ بِفَرَجِك الْقَرِيبِ، وَمَعْرُوفِك الْقَدِيمِ، وَعَادَتِك الْحَسَنَةِ. ثُمَّ أَضَلَّنِي فِي النَّاسِ، فَلَقِيته بِعَرَفَاتٍ قَائِمًا، وَهُوَ يَقُولُ: اللهُمَّ إنْ كُنْت لَمْ تَقْبَلْ حَجَّتِي وَتَعَبِي وَنَصَبِي فَلا تَحْرِمْنِي أَجْرَ الْمُصَابِ عَلَى مُصِيبَتِهِ، فَلا أَعْلَمُ أَعْظَمَ مُصِيبَةً مِمَّنْ وَرَدَ حَوْضَك وَانْصَرَفَ مَحْرُومًا مِنْ وَجْهِ رَغْبَتِك] اهـ.

وبناء على ما سبق: فالتعلق بأستار الكعبة أو مس البيت والدعاء، كل ذلك من الأمور المندوبة باعتبار ما تحمله من معاني الالتجاء إلى الله وطلب مغفرته والإلحاح في ذلك، إضافة إلى التبرك والإجلال والتعظيم، ولا ينبغي أن يترتب على هذا الحكم التفصيلي فوضى في التعامل مع الكعبة مما يُعدّ إساءة واستهانة بذلك البيت المقدس، كما أنه يجوز للقائمين على أمر المسجد الحرام تنظيم ذلك الأمر وإن وصل إلى منعه خشيةً على كسوة الكعبة من التمزيق وحسمًا لتلك الفوضى، ولكن لا يكون منع ذلك بادِّعاء حرمة نفس الفعل أو كونه شركًا.