رغم أن المشروع القومي"حياة كريمة"ليس المشروع القومي الأول الذي أطلقته القيادة المصرية علي مدار السنوات السبع الماضية..لكن من المؤكد أن هذا المشروع الضخم العملاق يحمل بين سطور قصته بفصولها المختلفة ما يعبر بوضوح عن عمق الرؤية وخصوصية الفلسفة المرجوة من وراءه..فماذا يمكن أن نقرأ من إختلافات بين هذا المشروع العملاق وبين غيره من المشروعات القومية؟؟!!
خصوصاً أنه تم إطلاق عشرات المشروعات القومية منذ بدأت مصر رحلتها الحقيقية للبناء والتنمية مع إطلاق إشارة البدأ في حفر قناة السويس الجديدة في أغسطس من عام 2014 وإلي الآن..صحيح أنها لم تكن رحلة سهلة نظراً لما صاحبها من ظروف إستثنائية لم تكن خافية علي أحد منا..فكلنا عشناها وتعايشنا معها وعانينا منها وتأثرنا بها..لكن سيبقي الأهم وهو أن قدرة الدولة علي السير في هذه المحاور المختلفة أصبحت بخطي أكثر ثباتاً..تتنامي هذه القدرةيوماً بعد آخر نحو الجمهورية الجديدة.
أعتقد أن أول مايلفت الإنتباه في مشروع "حياة كريمة" أنه يجمع بين كل مؤسسات الدولة الرسمية بوزاراتها ودواوين محافظاتها إلي جانب مؤسسات العمل المدني علي إختلافها..الشعبية الحزبية والإجتماعية والشبابية والحقوقية وأيضاً القطاع الخاص وشركاء التنمية في عمل قومي واحد..الهدف هو رفع مستوي جودة الحياة لأكثر من ستين مليون مواطن مصري..بما يعني إختفاء النزعة الفردية الضيقة فالجميع يستوعب كونه يمكن أن يمثل جزء من عمل جماعي..ينفذه فريق واحد والكل يسعي من خلاله كذلك لإثبات الذات وتذوق معني النجاح الجماعي دون أن يتعارض ذلك مع طموح الآخرين.
ثانياً:أتوقع أنه مع توالي الإنجازات والنجاحات وإتساع رقعة العمل الذي بدأ فعلاً قبل أشهر داخل منظومة حياة كريمة ستختفي وللأبد تلك النظرة السلبية التي كانت تسكن في عيون الملايين من أبناء الريف المصري..عندما كانوا يشاهدون بأنفسهم مستوي الخدمات التي كانت تتوفر لأقرانهم من أبناء المدن الكبري ولايتوفر معظمها إليهم..ثم جاء مشروع"حياة كريمة" يشعل من جديد في نفوسهم الأمل..فالغد يمكن أن يكون مشرق ويحياه أبناء الشعب الواحد دون أي فوارق بينهم..لعل هذا تطبيق فعلي لقيم سامية لطالما كثر الحديث عنها عقود طويلة مثل العدالة الإجتماعية والشفافية والمساواة..علي الغرب أن يعي من هنا ومن أرض الكنانة المعني الحقيقي لحقوق الإنسان وأولها حق الحياة..خصوصاً بعد أن أعتمدت الأمم المتحدة هذا المشروع كأكبر مشروع تنموي حول العالم وتم إعتمادة كنموذج محاكاة للتنمية المستدامة حتي يستفيد الجميع منه.
ثالثاً:أتصور أنه لم يحدث من قبل مشروع في هذا الخصوص بهذا الحجم الضخم..فما تم رصده لهذا المشروع القومي تخطي حاجز السبعمائة مليار جنيه مع توحيد جهة الصرف وهو مايعني االتصدي لأي بؤرة من بؤر الفساد قبل أن تبدأ..يرتبط هذا الإنفاق بجداول زمنية مرحلية مقسمة في إطارها العام علي ثلاث سنوات..كما أنه مرتبط من ناحية أخري بجداول تنفيذ محددة يصاحبها خطة شاملة للرقابة علي كل التفاصيل المختلفة للمشروع.
رابعا:الشباب هم العمود الفقري للهيكل التنظيمي لهذا المشروع القومي..خصوصاً من كان منهم مدعوماً بخبرات علمية وعملية متخصصة ضمنت له مكان متميزاً في هذه الخريطة الشبابية..التي تجمع بين أبنائنا وفتياتنا من كافة ربوع الجمهورية وبما يعني أن إطلاق كيان جديد يحمل إسم"إتحاد شباب الجمهورية الجديدة"لم يأتي عبثاً..إنما تطوراً طبيعياً لرؤية باتت لاتحتاج إلي أدلة أو براهين عن قناعة فخامة الرئيس السيسي بقدرات وإمكانيات شباب وفتيات مصر وضرورة الإستفادة منها في بناء مصر المستقبل..قناعة ظهرت بوضوح مع الخطوات الأولي للقيادة السياسية والإعلان عن الدفعة الأولي للبرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة متبوعاً بإنشاء الإكاديمية الوطنية للتدريب..ثم سلسلة من المؤتمرات الشبابية التي طاف معها الرئيس السيسي العديد من محافظات الجمهورية..جمعت بعضها شباب مصر بالشباب الإفريقي والعربي والدولي..مايمكن أن يتولد داخل هذا المشروع العملاق من فرص عمل ومايتوفر فيه من أوجه مشاركة وإستفادة تعود بالخير علي شباب ريادة الأعمال من أصحاب الشركات المتوسطة والصغيرة..يؤكد بلا شك علي هذا الهدف الفرعي من عشرات الأهداف التي تندرج جميعها تحت الهدف الإستراتيجي للمشروع وهو تحسين حياة أكثر من ستين مليون مواطن مصري ضمنهم علي الأقل مايفوق نسبة الستون بالمائة من الشباب.
خامساً:المشروع يغطي كل محافظات مصر من الشمال إلي الجنوب ومن الشرق إلي الغرب..المستهدف أكثر من خمسة آلاف وأربعمائة قرية بالإضافة إلي مايقرب من ثلاثون ألف تابع..سيستغرق العمل بها مايقارب الثلاث سنوات والكل يعمل تحت إشراف موحد يتابع لحظة بلحظة مايحدث هنا ومالم ينتهي منه العمل هناك..هذا بالطبع سيخلق نوع من التنافسية بين مؤسسات الدولة المختلفة في تقديم الخدمة علاوة علي سهولة التنسيق بينها والمستفيد الأول والأخير هو المواطن المصري.
سادساً:إعتماد المشروع في غالبيته علي المنتج المصري سيوفر فرصة جيدة لتحسين مستوي المنتج المصري علاوة عن زيادة ثقة المستهلك المصري في المنتج المصنع محليا..هذا بالتأكيد سيزيد من حركة الإقتصاد وزيادة معدل دوران رؤوس الأموال التي ستشارك مع الدولة في هذا المشروع العملاق علي كافة المستويات..ونتيجة منطقية لهذا ستزداد حركة عجلة الصناعة مايترجم في النهاية إلي مرتبات وأجور ومزايا مادية تدخل جيوب العاملين في هذه الشركات والمصانع.
سابعا:المشروع كونه موجه بالأساس إلي غالبية الشعب المصري علاوة علي العائد المادي الذي سينعكس بالطبع منه علي فئات أخري..سيزيد من ثقة المواطن المصري في المؤسسات الرسمية للدولة والتي يساهم مستوي تقديمها للخدمة المقدمة له سواء بالإيجاب أو السلب علي صورة الدولة التي يرتبط بها زهنه ومخيلته وهو مايعني مزيد من الولاء والإنتماء لتراب الوطن مادامت الدولة حريصة علي تقديم كل مابوسعها إليه.
ثامناً:ديناميكية المشروع في أكثر من إتجاة وعلي أكثر من محور في نفس التوقيت يمكن أن يحدث حالة من الحركة الدؤبة في المجتمع ككل..وهو ماظهرت بوضوح فلسفته عند إختيار مراكز وقري المرحلة الأولي وعددها أثنان وخمسون مركز تتضمن مايقارب ألف وأربعمائة قرية وحوالي أثنا عشر ألف تابع..هذا بالطبع سيحدث حالة من الإيجابية في المزاج العام للمتجمع ومردود ذلك علي الإنتاج والناتج المحلي للدولة.
تاسعاً:الخبرات التي تتولد من مثل هذه المشروعات الكبري والخبرات التراكمية التي سيكتسبها المشاركون فيها ستساعد بلاشك علي صناعة المستقبل خصوصاً أن معظم القائمين عليه من الشباب.
عاشراً:يعد المشروع إلي جانب غيرة من المشروعات القومية التي تمت وبدأت تعطي بعض ثمارها عودة حقيقية إلي ماتم التأسيس له في فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي..في نفس التوقيت الذي بدأت فيه معظم النمور الأسيوية رحلتها مع التنمية ولكن نظراً لظروف بعضها خارج عن إرادتها وبعضها تسببت فيه سطحية الرؤية وعدم الإدراك الجيد كانت مصر قد خرجت عن قضبان النهضة وتخلفت عن الركب.