الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الزيادة السكانية وتآكل الدولة المصرية|3 تجارب عالمية تؤكد صحة رؤية الرئيس السيسي

أرشيفية
أرشيفية

أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي، أن «النمو السكاني فوق طاقة البلد، وسيترتب عليه ممارسات وسلوكيات، وسيؤدي إلى تدمير الدولة أو كاد أن يؤدي إلى تدمير الدولة في عام 2011».

وتابع الرئيس السيسي، خلال كلمته في افتتاح عدد من المشروعات السكنية المتنوعة بمدينة بدر، أن «العشوائيات ظهرت لأن الدولة لم تستطع أن تلبي احتياجات المواطنين»، معقبا: «مش موضوع فساد المحليات، الدولة لم تستطع السيطرة على حالها».

وشدد السيسي على أن «قضية الوعي أخطر قضية تواجه المجتمعات ليس في مصر فقط ولكن في كل العالم».

وفي هذا الإطار يستعرض «صدى البلد»، عدد من التجارب العالمية الناجحة لمواجهة خطر النمو السكاني، ومنها؛ التجربة الصينية - الإيرانية والإندونيسية.

التجربة الصينية لمواجهة الزيادة السكانية

تعد تجربة جمهورية الصين الشعبية من التجارب الرائدة والناجحة في مواجهة المشكلة السكانية، حيث أجرت الصين أول تعداد سكاني لها فى عام 1953، ورأت أن الزيادة السكانية أصبحت مشكلة أمام أي محاولة للتقدم الاقتصادي والاجتماعي، نظراً للنمو السريع في عدد السكان مقارنة بالنمو الاقتصادي، وأيقنت بكين حينها، أن التنمية الاقتصادية وحدها، لن تكفى لتحقيق التقدم، فلابد من حل المشكلة السكانية.

وعملت الصين على مواجهة المشكلة السكانية، وأرسلت لوزير الصحة وقتها، تدعوه إلى مساعدة الشعب في مسألة تحديد النسل، وبدأت حملات واسعة للدعاية لوسائل منع الحمل، وبعد عام 1956 كانت نقطة تحول فارقة، حيث أعلن الاتحاد الديمقراطى للنساء الصينيات استعداده القيام بحملة واسعة لتحديد النسل، بعد أن أعلن نائب رئيس الوزراء الصيني أن «الاستمرار فى إنجاب الأطفال بدون حساب أصبح أمراً غير مقبول».

وفى نفس العام قال رئيس الوزراء الصيني، «إننا نؤيد تنظيم عملية التكاثر حماية لصحة الأطفال والنساء من أجل تربية وتثقيف الجيل الصاعد ورفاهية أمتنا».

وقد تطورت السياسات السكانية عبر حملات أربعة، الأولى بين عامي 1956 – 1958، والثانية بين عامي 1966 -1962، والثالثة عام 1971 تحت شعار «أجل طول قلل» بمعنى تأجيل الزواج ليكون فى أواخر العشرينات، وإطالة الفترة بين إنجاب الأطفال، وإنجاب عدد قليل من الأطفال في حدود طفلين للأسرة.

وما لبثت أن رأت دولة الصين بعد مرور عشرين عاماً، أن هذه الحملات الثلاثة لم تحقق ما تصبو إليه، من تحقيق التوازن بين السكان والتنمية، ورأت أن بناء الاقتصاد الصيني وتحقيق التقدم، لن يحدث، إلا إذا اكتفت الأسرة بطفل واحد، فبدأت حملتها الرابعة وهى حملة «أسرة الطفل الواحد»، ثم أصدرت قانون السكان وتنظيم الأسرة في عام 2001، ولجأت إلى تطبيق حوافز إيجابية وأخرى سلبية لتفعيل القانون وضمان تأثيره.

عوامل نجاح التجربة الصينية

1- تطبيق برنامج محدد وقوي لتنظيم الأسرة بطريقة صارمة في كل المناطق الجغرافية.

2- ارتفاع سن الزواج إلى أكثر من 25 سنة.

3- زيادة عدد السنوات بين الطفلين الأول والثاني في الريف وفي الأصول العرقية بالصين مع اكتفاء بطفل واحد في الحضر.

4- تطبيق كل من الحوافز الإيجابية والحوافز السلبية.

5- الالتزام بالتنمية البشرية من خلال الاهتمام بالتعليم والصحة، وتحسين وضع المرأة، وزيادة معدل مساهمتها في العمل، ومشاركة الرجال في تنظيم الأسرة.

6- في كل مراحل التعامل مع قضية السكان اعتبرت الحكومة الصينية المسألة السكانية محوراً أساسياً في الخطة الشاملة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والوطنية، وبهذا عملت على دمج برنامج لتنظيم الأسرة مع كافة أبعاد العملية التنموية، وأكدت على أن النمو السكاني يجب أن يكون متوافقاً مع التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

التجربة الإيرانية للحد من النمو السكاني

أنشأت إيران برنامج تنظيم الأسرة في عام 1967- وحقق البرنامج بعض النجاح، وعندما بدأت الحكومة الإيرانية في وضع خطة طموحة للتنمية، أوضح الخبراء أن الزيادة السكانية غير المنضبطة ستكون معوقا لجهود التنمية، وكان أن قررت الحكومة إحياء برنامج تنظيم الأسرة، ورصدت للبرنامج ميزانية مفتوحة لتقديم خدمات ووسائل تنظيم الأسرة مجانا وعلى أعلى مستوى لجميع السكان.

وحصلت الحكومة الإيرانية على تأييد رسمي معلن من أعلى المرجعيات الدينية لتطبيق برنامج تنظيم الأسرة، وكان معدل الإنجاب الكلي في إيران 5.62 في عام 1990، وفي عام 2000 انخفض المعدل إلى 2 فقط، وفي الريف انخفض المعدل في نفس الفترة من 8.1 إلى 2.4، وطبقا لآخر بيانات الأمم المتحدة، فإن معدل الإنجاب عام 2015 - 2016 انخفض إلى 1.7.

عوامل نجاح التجربة الإيرانية

1- المساهمة الإيجابية لرجال الدين وإباحتهم كافة وسائل تنظيم الأسرة بدون استبعاد لأي وسيلة، مما رفع الحواجز الثقافية والنفسية لدى الإيرانيين لقبول مفهوم الأسرة الصغيرة، والإقبال على تنظيم الأسرة.

2- محو الأمية وتوسيع نطاق التعليم لاسيما بالنسبة للمرأة.

3- توفير وسائل تنظيم الأسرة مجاناً، وإزالة العوائق الاقتصادية والاجتماعية أمام موردي هذه الوسائل مع العمل على توفير الدعم المالي.

4- مسئولية مشتركة بين الأزواج والزوجات في تنظيم الأسرة.

5- الاستثمارات في البنية التحتية.

6- نجاح البرنامج الإعلامي في إزالة العقبات الثقافية والاقتصادية لتنظيم الأسرة، وتأكيد الحملة الإعلامية للشعب على أن تنظيم الأسرة يتفق مع المبادئ الإسلامية ولا يهدد القيم العائلية.

التجربة الإندونيسية لمواجهة الزيادة السكانية

اعترف الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو (المعروف بجوكوي) في عام 2016، إن «تنظيم الأسرة هو مفتاح نجاح الأجيال القادمة».

ويؤدي انخفاض النمو الديمغرافي إلى ارتفاع نصيب الفرد من الناتج الوطني الإجمالي، وارتفاع الأجور، والمدخرات، والاستثمار؛ بينما قد يعزز النمو الديمغرافي المرتفع حلقة فقر متوارثة من جيل إلى جيل، حيث غالبا ما يحرم الشباب في الأسر الكبيرة من الحصول على المؤهلات والأدوات والفرص التي يحتاجونها لتطوير مستقبلهم.

وفي عام 1970، أسست اللجنة الوطنية الإندونيسية للسكان وتنظيم الأسرة لمعالجة مشكلة الزيادة السكانية، وكان لديها هدفين محددين: خلق «أسرة صغيرة مرفهة» لتكون قاعدة في إندونيسيا، والحد من الخصوبة عن طريق تشجيع وسائل منع الحمل.

وفي البداية حققت جهود اللجنة الوطنية الإندونيسية للسكان وتنظيم الأسرة نتائجا مبهرة، ومع حلول عام 2000، أي بعد 30 عاما من العمل الهادف، تراجع معدل الخصوبة بنسبة 54%، من 5.6 ولادة لكل امرأة إلى 2.6، وهذا ما جعل برنامج إندونيسيا للتخطيط الأسري من بين أكثر البرامج نجاحا في التاريخ.

لكن التقدم في هذا المجال توقف قبل أن تحقق إندونيسيا هدفها الكامن في تحقيق معدل 2.1 في مستوى الإحلال في الخصوبة في الفترة ما بين 2010 و2015. ووفقا للأمم المتحدة، بلغ معدل الخصوبة في إندونيسيا 2.45 في عام 2015.

عوامل نجاح التجربة الإندونيسية

1- وجود نظام مؤسسي مسئول ويتابع ويقيم، وقد تم في عام 1999 إنشاء وزارة لشئون المرأة من ضمن مهامها متابعة برنامج تنظيم الأسرة.

2- التمكين الاجتماعي والاقتصادي للمرأة ودفعها إلى التعليم والعمل واعتبار ذلك محوراً أساسياً في مواجهة قضية السكان.

3- دعم كامل من جانب رجال الدين، وتبنيهم قضية تنظيم الأسرة.

4- إشراك الأزواج بمسئولية كاملة في تنظيم الأسرة.

5- إعداد المقبلين على الزواج، وإعطاء برامج للإقناع بمزايا الأسرة صغيرة الحجم.

6- مشاركة القطاع الخاص، واللامركزية في تقديم الخدمات.

7- الاهتمام بمحو الأمية ، والاهتمام بالتعليم بصفة عامة.

8- توفير الوسائل الحديثة وإتاحتها في كل المناطق الجغرافية بالجودة المطلوبة والكفاءة العالية.

دروس مستفادة من التجارب السابقة

التجارب السابقة مجتمعة بينها قواسم مشتركة أدت إلى نجاح جهود الحد من النمو السكاني في هذه الدول من هذه القواسم المشتركة ما يلي:

1- الارتقاء بمستوى المرأة من حيث التعليم والعمل والدفع بها إلى سوق العمل.

2- الارتفاع بسن الزواج، وتشجيع الإنجاب بعد سن العشرين إلى 35 سنة.

3- استخدام وسائل لتنظيم الأسرة حديثة وعلى أعلى كفاءة، وإتاحتها لجميع الفئات، وفي كل المناطق الجغرافية.

4- إشراك المجتمع المدني والمحليات مع الحكومة في تنفيذ البرنامج.

5- اللامركزية في التطبيق ومراعاة الظروف المحلية للمناطق الجغرافية المتباينة داخل كل دولة.

6- استخدام التربية السكانية كمواد أساسية سواء في الجامعة أو المدارس.

7- برامج إجبارية لتوعية المقبلين على الزواج.

8- الدعم الكامل لرجال الدين وتبنيهم موضوع تنظيم الأسرة (إندونيسيا، وإيران).

9- عقوبات مالية وحوافز إيجابية (الصين) والحوافز الإيجابية (اندونيسيا وإيران).

10- الارتقاء بالنظام المؤسسي المسؤول عن مواجهة قضية السكان إلى حد إنشاء وزارة متخصصة (اندونيسيا).

وقد أكدت تجارب الدول السابقة أن التخفيف من سرعة النمو السكاني أدى إلى زيادة قدرة تلك البلدان على التصدي للفقر، وحماية البيئة وإصلاحها، وبناء القاعدة اللازمة لتحقيق التنمية المستدامة، وتحسين الدخل القومي مما انعكس مباشرة على نصيب الفرد منه.