الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

معركة الوعي (5)

ونحن نخوض غمار معركة الوعي ، التي هي أهم وأخطر المعارك ، لا يمكن أن نتغافل أو نتعامى عن كثير من أولئك الذين مارسوا الانتماء الوطني إدعاء وتزلفًا ، واجترارًا لأقوال نافقوا فيها حتى النخاع بعد أن خدعوا من حولهم ، وصوروا لهم أنفسهم بأنهم وحدهم الحريصون على الوطن وأبنائه .. فأمثال هؤلاء تسلقوا أعلى المراتب ، ونهبوا وسرقوا باسم الوطن ، لكنهم كانوا أول من طعنه في الظهر عندما تعرض لأول أزمة مركبة أو معقدة .
 ولذلك فإننا لا ننظر إلى أي أزمة تمر بها مصر حاليًا نظرة عابرة ، وإنما نرى فيها تجربة مُرة تطهر الوطن من أولئك الذين عميت بصيرتهم حين شوهوا جوهر المواطنة والوطنية ، ولم يروا في الوطن إلا صورة الارتزاق والبيع والشراء ، وتلبية المصالح والحاجات ، ومكانًا مثاليًا لطلب الراحة والاستعلاء.
  ولا شك أنه في إطار سعينا إلى صناعة الوعي الحقيقي بالانتماء الوطني ، سنكون قادرين على كشف التزييف أو التضليل الذي يمارسه أعداء الوطن ، فلم يُعد الجواب خافيًا على أحد بعد انكشاف الأوراق وسقوط الأقنعة وافتضاح الأدوار المشاركة مباشرة في المؤامرة على الدولة المصرية تخطيطًا وتنفيذًا وإدارة .
  إن السلاح الأقوى في معركتنا ، هو ضرورة كشف هؤلاء المتآمرين الذين سعوا بكل ما أوتوا من قوة إلى إضعاف إيمان المواطنين بكل ما يخصهم من دين وعقيدة أو مبادئ وقيم ، عن طريق تضخيم بعض الأخطاء السلوكية أو التصورات الفكرية المختلفة معهم وتهوين بعض القيم والتشهير بها إلى درجة الاستهزاء ، وسعوا أيضًا إلى إثارة بذور وعوامل الفرقة والشقاق في صفوف أبناء الوطن ، بتفريقهم عن القيادة وعن بعضهم البعض بزرع قنابل عنقودية متنوعة في عقول بعض الأفراد .. فضلًا عن سعيهم إلى تهويل وتضخيم أزماتنا المالية والاقتصادية والاجتماعية ، والتشكيك في قدرات وخطط الدولة وبرامجها ، والتأثير على الروح المعنوية لأفراد المجتمع وقرارات القادة ، وتدعيم التطرف الديني والسياسي للتشويش على القناعات والاعتقادات الدينية الصحيحة والمعتدلة والتشكيك في مصداقيتها ، وتعميم مشاعر الاحباط واليأس في أوقات الأزمات وخاصة بين فئة الشباب بحكم خصوصية اهتماماته وطموحاته .
  ورغم تأكيداتي المستمرة على الدور البارز الذي يمكن أن يلعبه الإعلام في نشر الحقائق والوعي .. إلا أنه بكل أسف ، وجدنا إحدى القنوات الفضائية مؤخرًا ، ، تستضيف أمثال هؤلاء ، الذين ضيعوا الكرامة وسعوا في الأرض فسادًا ، وشوهوا قيم ومبادئ المجتمع .. أي سقطة هذه ونحن نخوض معركة كبيرة لبناء الوعي ، بهدف القضاء على الفساد والمفسدين والمتلونين .. كيف يمكن لإعلامي في قناة فضائية كبيرة أن يستضيف مثل هذه النماذج الفاسدة التي لفظها المجتمع ؟
 إن استضافة مثل هؤلاء الفاسدين ، هي إهانة لكرامة الوطن ومبادئه ، كما أنها ترسخ لوجود حالة من غياب العقاب والعدل ، وغياب الأمل أيضًا .. كيف سيصدق المجتمع المصري والعربي هذا الأمر ، وكيف سيقتنع بأن هذا الفاسد كان ثوريًا ، يتحدث عن آلام الفقراء وطموحاتهم .
  إن ما فعله هذا الإعلامي كان بمثابة الخنجر الذي صوبه نحو معركتنا في بناء الوعي ، ولا أدرى ما الدافع وراء استضافة هذا الفاسد ، وكأنه من الفاتحين ، ليخرج علينا بكل عنجهية ويقول أنا لم أخطيء ولم أخالف القانون والأخلاق وأنا راجع رافع رأسي .. وهنا أتساءل .. هل استضافة هذا المتلون الفاسد كان بهدف زيادة المشاهدات؟ وهل زيادة المشاهدات وتحقيق أرباح إعلانية أهم من معركة الوطن ؟ ولماذا في هذا التوقيت الحرج ؟ ولمصلحة من نحاول تبرئة هذه النماذج السيئة؟ أين المجلس الوطني لتنظيم الإعلام ؟ وأين ميثاق الشرف الإعلامي ؟
  إننا لا نحكم على أي مواطن بناء على درجة ثقافته أو علمه أيًا كان شأنه في اختصاصه طبيبًا أم مهندسًا ، مثقفًا أم معلمًا ، صحفيًا أم أديبًا ، حقوقيًا أم فنانًا .. عاملًا أم فلاحًا .. وإنما نحكم عليه في ضوء سلوكه الخلقي الذي يجسد روح الانتماء إلى الوطن وأبنائه - ومن ثم إلى المجتمع الإنساني – بعيدًا عن النفاق والانتهازية والعبث واللامبالاة .
إن ما حدث يُعد نوعًا من أنواع تزييف الوعي وخلط المفاهيم والتشويش على العقول ، ونوعًا من أنواع الحروب النفسية التي تستهدف تحطيم قيم وأخلاقيات الشعب ، وقتل كافة معتقداته ومُثله التي يؤمن بها ... وهذا يؤكد ما أشرت إليه سابقًا من أن الإعلام بكل أشكاله وأنواعه ما زال في حاجة إلى العديد من جهود التطوير والتحديث والالتزام بميثاق الشرف الإعلامي ، ليكون إعلام هادف بناء ، يخوض معركة من أخطر المعارك .. وهي معركة الوعي .

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط