قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
عاجل
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

مصطفى الشيمى يكتب: مأوى ..

- كملتى اللى كان ناقص في حياتي و اللى كنت فكرهُ كامل ... (تصمت هي ) ويسألها .. مضيقة ؟
= معاك اضايق بس لو رُحت عن بالى ... !
*****
وجدها . شجرة مستديمة الخضرة ، جذعها يطول السماء ، ذات ساق قائمة مبيضةو سريعة النمو والانتشار . تشبه كثيرًا شجرة " الملنجتونيا " ممتدة الظلال لها أصل ثابت ورائحتها تنبعث لأمتار . استغرقت أكثر من ثلاثون عاماً لتكبر وتتحمل عبء وثقل فروعها . راح يستند عليها ليرتاح بعد أن توقفت حياته كعربات القطار القديمة الصدئة على القضبان لا تستعمل ، كان مطارد من البشر كما يطارد الكلب الضال بلا ملجأ أو مأوى . وجدها ذات يوماً وهو سائر بائس غير باكِ ، فالدموع تتساقط أملاً فى إيجاد حل أو رجاءاً فى التخلص من ألم مستمر . ولكنه احساسه الدائم بفقد الأمان أضاع منه حتى الإحساس بالألم . لجأ إليها كى يحتمي من البرد القارص الذى وصل لنخاع عظمه ، أو يستظل بها فى يوماً ضرب لهب الشمس رأسه . لجأ إليها وهى مأمنه وكهفه وسردابه الكامن بالسعاده ، فرحة كبرى غمرته ، كأنه الغافل الذى أهدته السماء قصراً . استمر هذا الشعور حتى أنساه كل ما لاقاه فى حياته من صفعات وإهانات وندبات و أعوام مليئة بالضغط والخوف والاستنزاف . الآن أحس بنفسه محمياً بأحضان أغصانها المتينة كشعور الناجي من الغرق والآمن فى قلاع حصينة ، الذى يسرى إليه الدفء و يعرف مصدره ، و كفت أطرافه عن الرعشة . لا يشعر بأى أعباء و كأن أحمال الدنيا أصبح فى خفة الريشة . يذهب إليها ويشعر أنه ذاهب إلى مكان أصبح عزيزاً عليه تماماً ، شئ واحد فقط كان يخنقه إذا فكر فيه ، أن يعود و يجد مكانه مشغولاً بغيره ، أو يتسلل أحداً إلى فروعها ويقتطف ثمارها عنوة ، أو تستغيث فى غيابه بخفيف واضح و لا يسمعها ، أو يدهس جاهل أوراقها المتساقطة دون أن يعلم كيف صنعت .
هكذا أحس وظل يحس .. كل يوم قلبه يقترب ويتشكل ويستجيب بل أن سعادته القصوى كانت أنه قد أصبح له شئ يخصه وينتمي إليه . أصبح له هو - التائه فى الحياة - مأوى ، أحبها أكثر مما أحب أمه ، كانت الحضن والبيت والظل و العائلة وكل ما يمت إليه فى الدنيا ، لا يدرى كم عام مضى ، ولكنه يدرك أن الزمن توقف به عند هذه اللحظة التى أكتشفها فيها . وأدرك أن الحياة قد دبت فى أنحائه وأخضر كل مكان مات فيه .