الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نوستالجيا.. قصة وقف الأميرة فاطمة الخيري.. وإنشاء الجامعة المصرية

الاميرة فاطمة ابنة
الاميرة فاطمة ابنة الخديوى اسماعيل

ذكرى الأميرة فاطمة بنت الخديوي إسماعيل لا تزال حاضرة في الذاكرة الجماعية للمصريين وغير المصريين، وذلك رغم مرور أكثر مائة سنة على وفاتها، حيث توفيت في يوم 6 ربيع الأول 1339هـ/ 18 نوفمبر سنة 1920م. 

وكانت الأميرة فاطمة نموذجًا رائدًا للمرأة المصرية في تطوير الحياة العامة، كما كان والدها الخديوي إسماعيل، الذي تفوق بمبادراته الوقفية الخالدة على كل من سواه من حكام مصر من أسرة محمد علي باشا.

ويرجع الفضل في حضور ذكرى الأميرة فاطمة الدائم  إلى مبادراتها الخيرية الوقفية الخالدة، التي خصصتها لنهضة الأمة نهضة شاملة مرتكزة على التعليم عامة، والتعليم الجامعي خاصة، وإتاحة فرص التعليم للبنين والبنات والنابغين من أبناء الفقراء تحديدًا، وهو ما أسهم في تخليد ذكراها في تاريخ مصر الحديث والمعاصر كله.

وتعد أشهر مبادراتها الوقفية الخالد  هو تبرعها بالوقف لإنشاء «الجامعة المصرية» جامعة القاهرة حاليا . 

وقد وُلدت الأميرة فاطمة في 25 شعبان 1269هـ/ 3 يونيو 1853م، للخديوي إسماعيل من زوجته «شهرت فزا هانم». 

ونالت حظاً من التعليم المنزلي والثقافة العامة التي كانت سائدة في الربع الأخير من القرن الثالث عشر الهجري. 

وفي عام 1288هـ/ 1871م تزوّجت من الأمير طوسون بن محمد سعيد باشا والي مصر، وأقيم لها عرس أسطوري، ارتدت فيه تاجًا من الماس ثمنه 40 ألف جنيه، وكان فستانها من الحرير الأبيض الفرنسى الثمين المُرصع بأغلى أنواع اللؤلؤ والماس، وبلغ طول ذيله 15 مترًا، وأنجبت من هذا الزواج الأمير جميل والأميرة عصمت، ثم تزوجت من الأمير محمود سرى باشا بعد وفاة زوجها الأول عام 1293هـ/ 1876، وأنجبت منه ثلاثة أولاد وبنتًا.

وذاعت شهرة الأميرة فاطمة نظرًا لامتلاكها كثيرًا من الحلى والملابس الرائعة، ومع هذا الثراء كله، آثرت أن تتخلّى عن ملكياتها وتحوّلها إلى أوقاف خيرية، وتبرّعت بحليها كلها لتمويل بناء الجامعة المصرية، وأغدقت في الإنفاق على مدارس للتعليم ما قبل الجامعي أيضًا، وأشفقت على الفقراء والمساكين وخدامها رجالًا ونساءً؛ حتى إذا حان وقت رحيلها لم يكن بقي لها أملاك خاصة تحت يدها، وكأنها كانت تكرر قصة والدها الخديوي إسماعيل الذي فارق الحياة بعد أن قام بوقف جميع أملاكه ولم يبق له شيء يسمى مالًا «سوى الملابس التي على جسده».

كانت الأميرة فاطمة أكبر المتبرعين بالوقف للجامعة المصرية، ولكن تبرعها لهذه الجامعة لم يكن أكبر تبرعاتها الوقفية؛ إذ لها وقفيات تعليمية أخرى أكبر من وقفيتها على الجامعة المصرية، كما أن إنشاء هذه الجامعة المصرية ذاتها لم يكن  من اقتراحاتها حسب ما يشيع بعض الكُتّاب؛ وإنما كان فكرة الجامعة من اقتراح «مصطفى بك كامل الغمراوي»، وكان من أعيان بني سويف وكبار مُلّاكها، وكان أيًضًا من مشاهير مؤسسي الأوقاف في مصر هو وعائلته في الربع الأول من القرن الرابع عشر الهجري/ مطلع القرن العشرين الميلادي.

وقد اقترح الغمراوي بك الاكتتاب للجامعة، وافتتح الاكتتاب في أكتوبر سنة 1906م، بمبلغ 500 جنيه، وأوقف في سنة 1907م ستة أفدنة لصالح مشروع الجامعة. 

وعلى أثر ذلك انعقد اجتماع حول هذا المشروع في منزل سعد باشا زغلول، واكتتب الحاضرون بمبلغ 4585 جنيهًا، ثم اجتمع المكتتبون مرة أخرى في ديوان عموم الأوقاف المصرية في يوم 20 مايو 1908م برئاسة الأمير أحمد فؤاد (الملك فيما بعد)، وسمّوها «الجامعة المصرية»، وقرّرت لها الحكومة إعانة سنوية قدرها 2000 جنيه، بينما قرّر لها ديوان عموم الأوقاف إعانة سنوية قدرها 5000 جنيه بتوجيه من الخديوي عباس. 

وتوالت التبرعات والوقفيات لصالح مشروع الجامعة. 

وكانت وقفية الأميرة فاطمة هي أكبرها حجمًا، وأبقاها أثرًا مقارنةً ببقية الوقفيات على الجامعة ذاتها؛ حيث وقفت في 28 رجب 1331هــ/ 3 يوليو 1913م مساحة قدرها 674 فدانًا من أطيانها بمديرية الدقهلية، إضافةً إلى ستة أفدنة ببولاق الدكرور تبرعت بها لبناء دار الجامعة، كما تبرعت بمجوهرات قيمتها 18 ألف جنيه حسب أسعار سنة 1913م، لتمويل عملية البناء. 

ولكن قصة الأميرة فاطمة مع الوقف والتعليم كانت أسبق تاريخيًا من قصتها مع الوقف على الجامعة المصرية.

بدأت قصة الأميرة فاطمة مع الوقف وهي في الثالثة والخمسين من عمرها، ففي 28 صفر 1314هـ/ 8 أغسطس 1896م، بادرت بتحرير أول حجة وقفية لها أمام محكمة الفشن الشرعية بمديرية بني سويف، وكانت عبارة عن 21 قيراطًا و196 فدانًا من الأراضي الزراعية بتلك المديرية.