الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مركز الأزهر: العفو يكون لمستحقه لا المجاهر بفسقه

العفو والتسامح
العفو والتسامح

قال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية إن المولى عزَّ وجلَّ عظَّم الأجر لكل من عفا وصفح عن الناس، بأن جعل أجره عليه سبحانه؛ ترغيبًا منه تعالى في الاتصاف بقيم البر والتسامح والسلام؛ فقال تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}. [الشورى: 40].

 

العفو في أخلاق النبي


وأضاف مركز الأزهر عبر صفحته على فيس بوك أن سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم جسّد خلق العفو في شخصه وأخلاقه الكريمة، ويتجلى ذلك في قول السيدة عائشة رضي الله عنها عنه: «لم يَكُن فاحِشًا، ولا مُتفَحِّشًا، ولا صخَّابًا في الأسواقِ، ولا يَجزي بالسَّيِّئةِ السَّيِّئةَ، ولَكِن يَعفو ويَصفَحُ». [أخرجه الترمذي].

 


وأوضح مركز الأزهر أن العفو يكون لمستحقه الذي اعترف بذنبه، وأظهر الندم على خطئه، أما إيقاع الجزاء القانوني على المسيء المجاهر بفسقه فهو واجب على المجتمع؛ لكف أذاه؛ فقد قال ﷺ: «إنّ الناس إذا رأوا الظالمَ فلم يأخذوا على يدَيه أوشك أن يعُمَّهم الله بعقاب». [أخرجه أبو داود].


وأشار مركز الأزهر إلى أنه لا يقدر على العفو إلا أصحاب النفوس النقية، وانتشار خلق العفو من شأنه تنقية المجتمع من الخلافات، ونشر روح المحبة بين الناس؛ قال تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}. [فصلت:34].

أمثلة من حياة النبي عن تسامحه


وذات يوم كان يرتدي صلى الله عليه وسلم بُردًا نجرانيًا غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه جبذة، حتى شوهد صفح عنق رسول الله قد أثَّرت بها حاشية البُرد من شدة جذبته، فقال: يا محمد أعطني من مال الله الذي عندك؛ فالتفت إليه، فضحك ثم أمر له بعطاء.

ومن صور التسامح الديني عند النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلم، حين وصل وفد نصارى نجران إلى المدينة لمقابلتة للتعرف على الإسلام، صَحَّ عَنه أَنَّهُ أَنْزَلَ وَفْدَ نَصَارَى نَجْرَانَ فِي مَسْجِدِهِ وَحَانَتْ صَلَاتُهُمْ فَصَلوا فِيهِ. وهنا كانت دعوته الكريمة لهم بالحكمة والموعظة الحسنة، وليس بالسلطان والقوة، امتثالًا لقوله تعالى:﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾.

أما أعظم صور التسامح فكانت يوم فتح مكة، حينما تملك رسولنا الكريم أمر من آذوه وضيقوا الخناق على أتباعه، واضطروهم للخروج من مكة والهجرة إلى الحبشة ثم يثرب؛ وبرغم ذلك لم يرد الإساءة بإساءة، وخاطب أهلها قائلًا: ماذا تظنون أني فاعل بكم؟ فردوا عليه: أخ كريم وابن أخ كريم. فقال لهم:"اذهبوا فأنتم الطلقاء"، بل كرم أبا سفيان بن حرب بقوله: "ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن"، فدخل من فوره الإسلام، وأبلى فيه حتى فقد إحدى عينيه في الحرب لاحقًا.

وهنا نود أن نشير إلى آية قرآنية تشكل عصب التسامح الديني، حين يقول المولى عز وجل:﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَاۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾. وهذه الآية الكريمة-طبقًا لجمهور المفسرين-إنما هي القول الفصل في التسامح الديني مع الآخر، وأن لا تكرهوا أحدًا على الدخول في الإسلام فإنه واضح جلي دلائله وبراهينه، لا يحتاج إلى أن يُكره أحد على الدخول فيه.

تلك هي سنة الحبيب محمد في العفو والتسامح، ويبقى سؤال: أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ؟ أَغْفِروا يُغفَر لَكُم!