الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

خلال احتفالية أقامتها جامعة القاهرة.. جابر عصفور: أنا ابن طه حسين وسهير القلماوي.. وعاهدت أساتذتي أن أكون حريصًا على العلم|نوستالجيا

صدى البلد

خلال عام 2019 حصل الناقد الأدبي الراحل الدكتور جابر عصفور على جائزة النيل، وعقب فوزه مباشرة نظم قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة احتفالية كبرى بمناسبة حصوله على جائزة النيل.

فلسفة عميقة

تحدث وقتها العديد من أستاذة اللغة العربية بالكلية فقد ذكر رئيس قسم اللغة العربية الدكتور خيري دومة وقال: إن قسم اللغة العربية يعتز كثيرًا بما قدمهُ الدكتور جابر عصفور طوال مسيرتهُ، سواء كان لوطنه أو لجامعته، حيث إنه دافع عن قيم الحرية والعقلانية فى مواجهة القهر على مختلف أشكاله وألوانه، فعندما دخلت قسم اللغة العربية عام ١٩٨٠، كان جابر عصفور أستاذًا شابًا لامعًا تسبقه مؤلفاته، وكان يدرس لنا مقررًا اسمه مدخل إلى الدراسة الأدبية، حيث لفت انتباهنا ثلاثة خصال فى ذلك الأستاذ الشاب؛ معرفته بالأدب وفلسفته وسعته العميقة وراء هذه المعرفة وكذلك ربطه بالأدب الحداثى، ونقده وزعزعته لا تتوقف فى كل معارفنا القديمة الراسخة، فنحن عرفنا كتبًا مُدهشة من خلالهِ، والحقيقة أن كل من درس معه يعرفون قيمة هذه الأستاذية، فليس من السهل أن نقبل بالمسلمات وقد ترددت في كتبه دائمًا مقولته التى استعارها من أدونيس عندما قال: "كنتَ كالآخرين - أرفض الآخرين، بدأوا من هناك ابتدئ من هنا".. 
أضاف: عصفور هو ابن بار لسلالة ممتدة من العلماء والدارسين تمتد إلى أساتذته مثل طه حسين، وسهير القلماوى وشكرى عياد، إلى آخر هذه السلالة العظيمة من الأستاذة التى أفرزت ولازالت تفرز أجيالًا جديدة من الباحثين.

تفكير عقلاني

وعقب كلمة الدكتور خيري دومة تحدث وقتها رئيس جامعة القاهرة الدكتور محمد عثمان الخشت والذي قال: إن جابر عصفور هو قامة علمية نعتز بها كثيرًا لأن تأثيرهُ الثقافى وتأثيره العلمى أثرا فى الواقع الثقافى المصرى والعربى، ويجب أن نتوقف عند تولية عصفور لوزارة الثقافة، لأنى أشعر دائمًا أن هناك فجوة بين النظرى وبين العملى، فتستطيع أن تبنى نظريات أدبية وفلسفية لكن عندما تحتك بالواقع العملي تفشل، فأفلاطون فى كتابهِ «الجمهورية» عندما قدم الجمهورية المثالية، اكتشف بعد ذلك أن ما كتبه لا يمكن تحقيقه لأنه ابتعد عن الواقع حينها، وهذا ما فعله عصفور فقد احتك بالواقع منذ بدايته، وأعتقد أن عمله فى وزارة الثقافة أفاده كثيرًا، فهو صاحب تجربتان، ومن لهُ تجربتان يجب أن نتوقف عندهُ.

أضاف الخشت إننى كثيرًا ما أقول أن التغيير الحقيقى، هو تغيير طريقتنا فى التفكير، أى لا نستعيد العصور القديمة، فالمشروع العظيم الذى أقامه جابر عصفور؛ وهو المركز القومى للترجمة يجب أن يُستفاد منه بصورة كبيرة لأنه مشروع عظيم، لكن المجتمع لازال لم يستفد من هذا المشروع لأن الناس لازالوا يفكرون بطريقتهم القديمة وهذه هى أزمتنا لأن المجتمع أصبح غير قادر على تقبل الأفكار الجديدة، فيجب إصلاح تربة المجتمع حتى نمكن هؤلاء من أن يستوعبوا التغيير ويستافدوا منه، وأنا أرى أنه يجب تغيير طرق التفكير قبل تغيير الأفكار، أي تكوين تيار عقلانى عام لدى العامة، وهذا من المفترض أن يأتى من خلال الجامعة فنحن داخل جامعة القاهرة جعلنا مقرر للتفكير النقدى على كافة كليات الجامعة، حتى نوحد هويتنا كجامعة لتغيير طريقة تفكير الطلبة من التفكير اللاهوتى وصولًا إلى التفكير النقدى العقلانى.

وخلال الاحتفالية تحدثت الدكتورة رجاء أحمد علي وكيل كلية الآداب إن أستاذنا جابر عصفور هو تاريخ طويل من العطاء الفكرى والنقدى فقد قدم الكثير من المؤلفات والدراسات التي تمثل في مجملها مشروعًا تنويريًا، وقد اعتبر التنوير قضيتهُ الذى حارب من أجله واعتبره مشروعه الذى عاش حياته من أجله، ومن خلال تجديد الخطاب الثقافى.

نقطة تحول

وفى حديثه قال الدكتور أحمد شمس الدين الحجاجى، إن جابر عصفور لم يتوقف إبداعه فقد أخذ طريقه إلى الأدب الحديث والقديم، ولكي نضعه في مكانه لابد أن ننظر إلى خريطة الأدب العربي، والمثقفين العرب منذ أن بدأت نهضة التصحيح، الذي كان قائدها الأول رفاعة الطهطاوى ثم في العصر الحديث بدأت نهضة جديدة يقودها العقاد ويقودها طه حسين، وهذه النهضة كانت انفجارًا للثقافة، ثم تحركت النهضة وصولًا إلى جابر عصفور الذى آمن بضرورة التنوير، فقد قدم مفهومًا للنقد الثقافى ولم يتبع النقاد الثقافيين، لكنه كان صاحب منهج وصاحب مدرسة فهو الرجل الذى قاد حركة الثقافة منذ القرن العشرين وحتى يومنا هذا.

وفي حديثه قال المترجم والدكتور محمد عنانى إن جابر عصفور آمن بما آمن بهِ طه حسين وهو ضرورة التنوير داخل المجتمع، كما أنه آمن بضرورة الارتباط والاطلاع على الأدب الغربى والتواصل ومعه لذلك كان له رؤية ومشروع بدأ بتحقيقه حتى وصل إليه وهو مشروع المركز  القومى للترجمة الذى آمن بهِ كثيرًا.
واتفق مع الرأى الباحث السياسى نبيل عبد الفتاح الذى قال إن عصفور هو واحد من بين أهم المثقفين النقديين خلال النصف الثانى من القرن العشرين في مصر، وقد لعب دورًا بارزًا فى مصر فهو أحد بناة المؤسسات فى الثقافة المصرية، وهذا الدور لعبه طه حسين ولعبه يحيى حقى في محاولة تأصيل التحديث المادى والمؤسسي فى المجتمع المصرى، كذلك فإن من أهم ما قدمه الدكتور جابر عصفور هو أن كتبه وتحليلاته النقدية مثلت نقطة تحول في الكتابات النقدية، والتي أدت إلى التحليل النقدى المنهجى الذي يساهم فى براعة بين اللغة الإصلاحية وبين التدقيق فى تناسق وائتلافٍ خلاق، ومن ثم تشكل كتاباته سردية نقدية متميزة في جيله والأجيال اللاحقة، والأهم هو تطويعه للمفاهيم والمصطلحات الغربية وسلاسة تطبيقها.

صوت مرتفع

وخلال الاحتفالية قال وزير الثقافة الأسبق الدكتور عماد أبو غازي: "علاقتي بعصفور بدأت عندما كان لي نشاط سياسى وكان يصيح فينا لأننا نعطل محاضرته بسبب صوتنا المرتفع، ونحن فهمنا بعد ذلك أنه لم يكن يعارضنا لكنه كان مقتنع أن الجامعة هي مكان أساسي للعلم ولا يصح أن يتم التشويش على الطلبة، واللقاء الثانى بيننا حدث عندما قرر الرئيس السادات إبعاد عدد كبير من أستاذة الجامعات وكان من ضمنهم جابر عصفور وحينها قابلته بالمعادى، وانقطعت بعد ذلك الصلة بيننا إلى أن التقينا أثناء إعداد جامعة القاهرة لمئوية طه حسين، وكذلك الاحتفاء بمناسبة حصول نجيب محفوظ بجائزة نوبل، وقد عملت معه فى لجنة الإعداد لهاتين المناسبتين وكانت هذه هي بداية التعارف الحقيقي بيننا عن قرب ومازالت علاقتنا مستمرة حتى الآن فقد علمني واستفدت منه كثيرًا طوال حياتي.

عاهدت أستاذتي

وفي نهاية الاحتفالية قال الدكتور جابر عصفور إنه سعيد بهذا التكريم الذي يأتي من جامعتهِ التي يعتز بالانتماء لها.
أضاف: الإنسان هو ابن أساتذته وأنا ابن طه حسين وابن سهير القلماوى، وابن هؤلاء الذين زودونى بالحياة الفكرية وطلبوا منى أن أعاهدهم فعاهدتم أن أكون حريصًا على العلم، وأنا أرى فعلًا أن التدريس هو موهبة ونعمة والتزام وأمانة، فأنت مسؤول أمام المجتمع أن تخرج تلامذة متفوقين وإلا لن تُخرج تلميذًا بحق، حيث أنني أذكر جيدًا أن أستاذتي سهير القلماوي كانت ستشرف على رسالتي للماجستير حيث عذبتني لمدة عام وذلك لأنها لم تبتسم لي منذ اللحظة التى سلمت إليها فيها الفصل الأول من رسالة الماجستير، لأن مراجعي التي استخدمتها كانت باللغة العربية حيث تجهمت في وجهي وطلبت مني أذهب إليها إلا عندما أنهي قراءة المراجع المكتوبة باللغة الإنجليزية، وعندما ذهبت إليها بعد عام لتسليمها الفصل الأول لمرة ثانية، ابتسمت لي، وطلبت مني أن أمزق الفصل الذى كتبته منذ عام وأن ألقيه في سلة المهملات.
أضاف: هذا العهد هو الذي يجب أن نتبعه مع طلابنا لأننا في أيدينا أمانة يجب أن نراعى الله فيها.