الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ركيزةٌ من ركائز الإيمان.. خطيب المسجد الحرام: الإيمانُ باليوم الآخِر حقيقةٌ مُسَلَّمة واعتقادٌ جازم

خطيب المسجد الحرام
خطيب المسجد الحرام

قال الشيخ الدكتور بندر بليلة، إمام وخطيب المسجد الحرام، إن السعيد من اتقى واهتدى والشقي من تمرد واعتدى، منوهًا بأن الإيمانُ باليوم الآخِر هو حقيقةٌ مُسَلَّمة، واعتقادٌ جازم، وركيزةٌ من ركائز الإيمان.

الإيمان باليوم الآخر

وأوضح «بليلة» خلال خطبة الجمعة اليوم من المسجد الحرام بمكة المكرمة، أنه الإيمان بكل ما أخبر اللهُ به ورسولهُ –صلى الله عليه وسلم- مما يكونُ بعد الموت، وما أعدَّ اللهُ للطائعين من ثواب، وللعاصين من عقاب.

واستشهد بما سألَ جبريلُ عليه السلامُ النبيَّ –صلى الله عليه وسلم- عن الإيمان فقال: «أن تؤمنَ بالله وملائكتهِ وكُتبهِ ورُسُلهِ واليوم الآخِر، وبالقدر خيرِه وشرِّه» أخرجه مسلم، موضحًا أنه بالإيمان به يتبيَّن المؤمنُ المصدِّق، من الكافرِ المكذِّب؛ إذْ هو إيمانٌ بالغيب، واطِّراحٌ للشَكِّ والريْب "ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب" .

المشركون أنكروا اليومَ الآخرَ

وأشار إلى أنه حين أنكر المشركون اليومَ الآخرَ وارتابوا فيه وقالوا: "أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظما أنكم لمخرجون هيهات هيهات لماتوعدون إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا ومانحن بمبعوثين"ردُّ اللهُ تعالى عليهم، وكشفَ ضلالَهم، وأقام عليهم الحُجةَ بمجيء اليوم الآخر، وبيَّن الحكمةَ منه، فقال سبحانه "أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لاترجعون".

وتابع: وعاب سبحانهُ عليهم نسيانَهم له، وجازاهم على ذلك بنسيانِه لهم، ودخولِهم النار، وفَقدِهم النصير، فقال: اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا ومأواكم النار ومالكم من ناصرين ، مشيرًا إلى أن اليوم الآخِر: يومٌ له في رُوْح العبدِ رَوْع، وفي جَوانحه منه رَهبة، هو يومُ التَّناد، يومُ الحَسرة، يومُ التغابُن، يومَ يقومُ الناسُ لرب العالمين، يومَ يُبعثَرُ ما في القبور، ويُحصَّلُ ما في الصدور، يومَ تُزلزَلُ الأرضُ زِلزالَها، وتُخرِجُ الأرضُ أثقالَها.

من مَهامِّ الرُّسُلِ

وأضاف أنه قد كان من مَهامِّ الرُّسُلِ عليهم السلامُ مع أقوامهم دعوتُهم إلى الإيمان باليوم الآخِرِ، وبيان ُأحوالِه وأهوالِه؛ ذلك أنَّ تذكُّرَه أمارةُ خير وهُدى، والغفلةَ عنه نذيرُ سوء ورَدى، وأول قَدَم يضعها العبدُ في ميدانِ اليومِ الآخِرِ هي بموته ثم قَبْرِه، وفي القبر الافتتانُ والامتحان، فيُكْرَمُ فيه أو يُهان ، يُوفَّقُ المؤمنُ ويُكرَّمْ، ويُخذَلُ الكافرُ ويُجَرَّمْ.

ودلل بما قال النبيُّ –صلى الله عليه وسلم-: «إنه قد أُوحي إليَّ أنكم تُفتنون في القبور قريبًا أو مثلَ فتنةِ المسيحِ الدجال، فيُؤتى أحدُكُم فيُقال: ما عِلمُك بهذا الرجل؟ فأما المؤمن فيقول: هو محمد، هو رسولُ الله، جاءنا بالبينات والهدى، فأجبنا وأطعنا -ثلاثَ مِرار- فيُقال له: نَمْ، قد كنا نعلمُ إنك لتؤمنُ به، فَنَمْ صالحا، وأما المنافق فيقول: لا أدري! سمعتُ الناسَ يقولون شيئًا فقلت» أخرجه البخاري ومسلم، ثم أخبر صلواتُ الله وسلامُه عليه أنه يُفتَحُ له بابٌ إلى الجنة فيُقال له: هذا منزلُك لو آمنتَ بربك، فأمَّا إذْ كفرتَ به فإن الله عز وجل أبدلك به هذا، ويُفتح له بابٌ إلى النار، ثم يَقمَعُه قَمعةً بالمطراق يسمعُها خَلْقُ اللهِ كلُّهُم غيرَ الثقلين» أخرجه الإمامُ أحمد.

في القبر النعيمُ أو العذاب

وأفاد بأنه في القبر النعيمُ أو العذاب، وبعده البعثُ وقيامُ الساعة، ثم تُعادُ الأرواحُ إلى الأجساد، وتتشققُ الأرضُ عنهم كما تتشققُ عن النبات فإذا كان ذلك قامت القيامةُ الكبرى، وخرج الناسُ من قبورهم لرب العالمين حُفاةً عُراةً غُرْلا، فتدنو منهم الشمس، ويغشاهم العَرَق، وتُنصَبُ الموازينُ لوزنِ الأعمال وتُنشَرُ صحائفُ الأعمال، فآخِذٌ كتابَه بيمينه، وآخِذٌ كتابَه بشماله أو مِن وراء ظَهره.

وواصل: ثم يُحاسِب اللهُ الخلق، ويخلُو بعبده المؤمنِ فيُقرِّرُه بذنوبه، ويُقِرُّ بها وهو يرجو رحمةَ الله، وأما الكافرُ أو المنافقُ فربما أقَرَّ بها، وربما جادل عنها، إلا أنَّ اللهَ سبحانه يُنطِقُ منه السمعَ والبَصَرَ والجوارحَ بما اقترفَ واجترح ثم تُرفَعُ لهم النارُ فيُحشَرون إليها، ويتساقطون فيها.

المؤمنون يتأخرون

وأكمل: أما المؤمنون فيتأخرون لِيَرِدُوا الحوضَ الكريم: حوضَ نبيِّنا محمدٍ –صلى الله عليه وسلم- ، ماؤُهُ أشدُّ بياضًا من اللبن، وأحلى من العسل، آنيتُه عددُ نجومِ السماء، طُولُه شهر، وعَرضُه شهر، من يَشرَبُ منه شَرْبَةً لا يظمأُ بعدها أبدًا، ثم يوافيهُمُ الصراطُ المنصوبُ بين الجنة والنار، يعبُرونه على قَدْر أعمالهم، يتقدمُهُم الأنبياءُ والمرسلون وهم يقولون لِهولِهِ وشِدَّتِه: «اللهم سَلِّمْ سَلِّمْ، اللهم سَلِّمْ سَلِّمْ» ثم يُوقَفون على قَنطرة بين الجنة والنار، فيُقتصُّ لبعضهم من بعض، فإذا هُذِّبوا ونقوا دخلوا الجنة.

ونبه إلى أن الإيمانَ باليوم الآخِرِ وأهوالِه وأحوالِه يُورِثُ العبد صلاحًا في عملِه، وزَكاءً في نفْسِه، واستقامةً في سيرته، فلا يَرتكِبُ المحرمات، ولا يُقارِفُ الموبقات، ولا يُفرِّطُ في سعادته الأبدية الأُخروية، ويستبدلُ بها أدنى ما يكون من لَذَّة، مما هي سَحابةُ صَيفْ، أو خَيالُ طَيفْ، إنَّ الدنيا في إدبار، والآخرةَ في إقبال، وإنَّ أسْمى غايةٍ يَطمَحُ إليها المؤمن أن يَثقُلَ في اليومِ الآخِرِ ميزانُه، وحينها تُزَفُّ له البُشرى، ويَحْمَدُ السُّرى، ثم المصيرُ إلى دار الخُلْدِ والنعيم، بِمِنَّةِ الجوادِ البرِّ الكريم.