الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

دبّة رجله أمن وأمان.. ذكريات «عسكري الدرك» في الحارات والأزقة المصرية

عسكري الدرك
عسكري الدرك

"ها مين هناك".. عبارة سمعناها كثيرا في الاذاعة وشاهدنا قائلها في الأفلام القديمة.. حتى علمنا أن هذا البطل الساهر على أمننا اسمه عسكري الدرك.
ارتبط عسكري الدرك بذاكرة المصريين، ورغم اختفائه عن الساحة المصرية منذ قيام ثورة 23 يوليو، إلا أن السينما المصرية لعبت دورًا كبيرة في الحفاظ على شخصية عسكري الدرك بسبب تعدد تجسيدها، حتى كاد لا يخلو فيلم سينمائي في خمسينيات وستينيات القرن الماضي من شخصية عسكري الدرك.
لم تكن الصفارة التي يحملها العسكري، إلا جزءًا من قانون البوليس عام 1906، أي منذ 115 سنة.

عيون ساهرة لراحة المواطن

مع أن شخصية عسكري الدرك كانت تظهر بشكل ملحوظ في أفلام الكوميديا، خصوصا أفلام المخرج الكوميدي الراحل فطين عبد الوهاب، والممثل الراحل إسماعيل يس، ورفيقه في معظم أعماله رياض القصبجي، لتضفي البهجة على المشاهد المصري والعربي، إلا أنها كانت تجسيدًا واقعيًا لظاهرة "العسكري"، الذي يجوب شوارع القاهرة على دراجة أو مترجلًا، حاملًا عصاه وصفارته لحفظ الأمن والممتلكات ومنع السرقات، ومطاردة اللصوص والمجرمين، وتبعث الطمأنينة داخل المواطنين أن هناك من يحميهم ويسهر على حفظ أمنهم.

مطالب بعودة عسكري الدرك بعد 25 يناير

عقب اندلاع ثورة 25 يناير، وما أعقبها من هروب عدد كبير من المجرمين واللصوص وتجار المخدرات من السجون، وشيوع السرقات، خاصة سرقة البنوك وشركات الصرافة، ومحال الذهب، والسيارات، وجرائم الاغتصاب، والتحرش والاختطاف، في ظاهرة لم تعهدها مصر من قبل، خرجت الدعوات لتطالب بعودة عسكري الدرك مرة أخرى إلى الشوارع لمواجهة الانفلات الأمني والحد من السرقات.

3وفي منتصف 2012، أعلن وزير الداخلية - في ذاك الوقت - اللواء أحمد جمال الدين، رسميًا عن عودة عسكري الدرك، تجسيدًا لمطالب الشارع المصري، وخبراء الأمن، ولكن بشكل متطور يتواكب مع متطلبات العصر الحديث، على هيئة نقاط شرطة صغيرة موزعة فى نطاق المربعات السكنية، يتم تجهيزها بأحدث أجهزة الاتصالات والانتقال، وبما يحقق الانتقال السريع إلى مكان الوقائع والبلاغات.

أصل الدرك

عكس ماهو شائع من أن أصل كلمة درك يعود إلى اللغة التركية، وأنها انتشرت في الوطن العربي إبان حكم العثمانيين، إلا أن كلمة "درك" عربية الأصل، وتعنى قوات الشرطة، ووفقًا للمعجم الوسيط معنى كلمة "الدرك" هو "اللحاق"، أما معجم (المنجد) فقد أعطى تعريفًا للكلمة يتفق مع ما يألفه الناس، وفسّر طبيعة عملها، حيث وردت كلمة الدرك بأنها "قوة عسكرية يعهد إليها بحفظ الأمن والنظام"، وفي معجم الصحاح في اللغة يقال: "تدارك القوم أي تلاحقوا ولحق آخرهم بأوله".

سر ارتباط الدرك بالعثمانيين

يعود ارتباط الكلمة بالعثمانيين، نظرًا لأنهم أدخلوا قوة الدرك لحفظ الأمن في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ومن وقتها ارتبط اسم عسكري الدرك بتعريف رجل الشرطة في كثير من الأقطار العربية، حتى بعد انتهاء الخلافة العثمانية واستقلال الدول العربية عن المستعمر الأجنبي، كما هو شائع فى الأردن والجزائر، والمغرب وتونس.

ويجمع المؤرخون على أن أول من أرسى قواعد عمل قوات الدرك كهيئة عسكرية مكلفة بحفظ الأمن بين السكان المدنيين إلى فرنسا، عندما أنشأت قوات مماثلة تحت مسمى"جندرمة" في القرن الثاني عشر الميلادي، وقد انتقل هذه التنظيم إلى العديد من الدول الأخرى التي كانت لها صلة بفرنسا، أو البلدان التي كانت في وقت من الأوقات تخضع لسيطرتها مباشرة مثل المستعمرات، والأقطار الواقعة تحت الانتداب الفرنسي آنذاك.

التطور التاريخي لعسكري الدرك

محمد الجوادي المؤرخ والمفكر السياسي، قال إن قوات الدرك في مصر كانت أحد أنواع كثيرة من القوى البشرية العاملة في الشرطة، وكانت مؤهلة لوظائف محددة تنتهى عندها ولاتتخطاها.

ولاتوجد بها درجات "ترقيات" بمعنى أن عسكري الدرك يؤدى وظيفة محددة له مدى العمر، ويستمر في رتبته حتى انتهاء خدمته، مؤكدًا أن هذا النظام أخذته مصر عن النظام الإنجليزي، مثلها في ذلك مثل وظيفة "كونستابل" المرور وخفير النظام، ومعاون الإدارة الذى كان يعمل على حل القضايا بين المتخاصمين في أقسام الشرطة قبل وصولها للمحاكم وكان من خريجي كلية الحقوق.

ثورة يوليو تلغي عسكري الدرك

وأوضح الجوادي، أن ثورة يوليو بفكرها الشمولى عندما جاءت قامت بإلغاء وظيفة عسكري الدرك وكونستابل المرور والخفير النظامي- وهو يختلف عن مهنة الخفير الحالي المعمول بها فى الريف- وقصرت الأمر على وظيفتين فقط، إما عسكري وإما ضابط شرطة، وظل الوضع هكذا حتى أواخر الستينيات، عندما أدرك النظام فشل التجربة، فقام بإنشاء معهد أمناء الشرطة ليضيف مسمى وظيفى آخر إلى جهاز الشرطة.

ورحب الجوادي، بعودة عسكرى الدرك، حيث يرى فيها كسرًا للنظام الشمولى الذى عاشته مصر بعد ثورة يوليو، وطالب بعودة الوظائف الأخرى التى تم إلغائها مثل كونستابل المرور، ومعاون الإدارة للعمل على حل مشاكل الأمن والمرور التى نعيشها حاليًا، مشددا على ضرورة الإعداد الجيد لعودة عمل عسكري الدرك، وأن الأمر يحتاج إلى لجنة من المفكرين وأساتذة الجامعات وخبراء الأمن، لوضع أطر علمية تحدد طبيعة عمل الجهاز الجديد وتحدد صلاحياته، وتكليفاته وحدود وظيفته، وطرق الثواب والعقاب حتى لا يكون مجرد جهاز تمت إضافته إلى وزارة الداخلية دون أن يفيد المجتمع في شىء.