الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

محمود بكري يكتب : معركة الوعي (22)

محمود بكري
محمود بكري

  مرّ العالم ويمر بمجموعتين من أنواع الحروب ، الأولى : الحروب التقليدية التي تستهلك السلاح والأرواح وهي ثلاثة أجيال: الأول ، وهو الحرب بين جيشين نظاميين لدولتين متخاصمتين ، وفي مساحات محددة جغرافيًا، أما الجيل الثاني فهو الحرب بين جيش نظامي لدولة بعينها وبين جماعات مسلحة غير نظامية، بينما يمثل الجيل الثالث ، نوع الحروب الاستباقية التي تشنُّها دولة على دولة أخرى في محيطها الجغرافي، وتكون مباغتة وعنيفة ومدمِّرة كما فعلت ألمانيا في الحرب العالمية الثانية ... وتتميز هذه الأجيال بأنها مقدَّرة الوسائل والنتائج، يمكن ملاحظتها، ولذلك شملتها قوانين دولية وأحكام عالمية يمكن أن تحدَّ من بعض ضررها أو تحجِّم انتشارها.

  وفيما يتعلق بالمجموعة الثانية من الحروب ، فهي الحروب غير التقليدية ، التي تبدأ بالجيل الرابع وبعده الخامس، وربما نحن الآن نعيش الإصدار السادس منها، وهي تستعمل كل الوسائل المتاحة: سياسية وإعلامية واقتصادية وثقافية واجتماعية ـ دون الاستعمال المباشر والظاهر للجيوش والأسلحة التقليدية ، وتستهدف إضعاف الدولة المستهدَفة وإنهاكها بغرض إخضاعها لإرادة المستَهدِف ...وهذه الأجيال الجديدة هي ابتداع  أمريكي خالص بدأ بعد أحداث 11 سبتمبر ، ومن أهم وسائلها وغاياتها:
- إضعاف الدول الوطنية: وذلك بضرب هيبة الدولة وتغييب أخلاقها (الدولة) في عقول وقلوب منتسبيها وتسفيه مؤسساتها ورموزها إلى الحد الذي قد يجعلها مبتذلة لا تحظى باحترام.
- استهداف الانتماء الاجتماعي وضرب اللحمة الوطنية في الدول المستهدَفة، بزرع بذور الشقاق والتفرقة والفوضى، واستحداث ولاءات إثنية وعرقية واجتماعية .
- ممارسة العصف الفكري والثقافي المستهدِف للقيم الاجتماعية والأخلاقية بدعوى عالميتها ـ  - استهداف الأسرة: لما لها من أثر في المجتمعات الشرقية ـ بخلاف الغربية ، وذلك بإثارة الضجيج حول العلاقة بين الجنسين ليُتسرب من خلالها إلى البناء الأسري.
- ضرب المرجعيات الفكرية والثقافية والسياسية.

 لقد استهدفت من العرض السابق لأنواع الحروب وأهدافها وتأثيراتها ، وخاصة حروب الجيلين الرابع والخامس ، التمهيد ، لتوضيح الهدف الخفي وغير المعلن من وراء إنتاج وعرض فيلم "أصحاب ولا أعز" المعروض على منصة الترفيه العالمية "نتفليكس"، وهو النسخة العربية من الفيلم العالمي "Perfect Strangers"، ويشارك في بطولته مجموعة كبيرة من نجوم الفن ، منهم منى زكي وإياد نصار .
 هذا الفيلم الذي يحوي 20 لفظًا إباحيًّا  ويروج للمثلية الجنسية على أنها شيء طبيعي، أو أن العلاقة بين رجل وامرأة قبل الزواج لا مانع منها. .. إنما يستهدف بالأساس ضرب القيم والثوابت المجتمعية وتدمير عقول الأطفال والشباب ، وبالتالي فهو أحد أدوات حروب الجيلين الرابع والخامس.
  وقد يتساءل البعض " وهو محق في ذلك" ... ما الدليل على صحة ذلك ؟ . وأرد عليه بالحقائق والمعلومات الآتية :
- لابد أن ندرك أن الإعلام هو أحد أهم الأدوات المستخدمة في تحقيق أهداف وغايات الحروب الجديدة .. والجديد في هذا المجال هو ظهور منصات رقمية ، وهي عبارة عن مكتبات مرئية تحتوى على أفلام ومسلسلات وعروض متعددة الجنسيات ، حيث انتشرت انتشارًا عالميًا واسعًا ، وأكثرها انتشارًا هي شبكة نتفليكس الأمريكية ، وقد أشار أحد الباحثين المتخصصين إلى أن منصة العرض الامريكية (نتفليكس) تعرضت لهجوم واسع النطاق ، خصوصًا على منصات التواصل الاجتماعي ، وذلك بسبب اتهامها بالترويج للمثلية الجنسية . الأمر نفسه حدث مع شركة ديزني للأفلام ، والتي تبث مضامين قد تكون غير مناسبة للأطفال ، وهو ما أقرته المجلة الطبية البريطانية BMJ فيما يتعلق بالإيحاءات الجنسية في بعض أفلام ديزني.
- توصلت إحدى الدراسات الحديثة التي أجريت في العام 2021 ، على عينة من المسلسلات التي تعرضها شبكة نتفليكس في الفترة من 2017 وحتى 2020 ، إلى أن هذه المنصات تتفنن في دس السم في العسل ، حيث أظهرت النتائج وجود عدد من الرسائل الواضحة والضمنية التي تقدمها نتفليكس عن المثلية الجنسية مثل أن الشخصيات المثلية تشكل عائلات مترابطة ، ورومانسية ، يتشارك الزوجان فيها في كل شيء ، ويساعدان الآخرين ، ويتمتعان بالحكمة والرزانة والنجاح في عملهما ، وتتمتع هذه الشخصيات بالثقافة العالية والاهتمام بمطالعة الكتب .

   هذه نتائج وثقتها دراسات وبحوث علمية وليست مجرد كلام مرسل .. وبالتالي ، فإن الغفلة عن كل هذا قد يحولنا من حيث ندري أو لا ندري إلى جنود فاعلين لصالح معسكرات خصومنا ، وتلك أبدع نجاحات حروب الأجيال الجديدة.
إن المشكلة أو القضية أكبر بكثير من مجرد فيلم أو مسلسل .. القضية هي استهداف لقيمنا وأخلاقياتنا وسلوكياتنا ، من خلال محاولة  تزييف الوعي المجتمعي وتغيير المفاهيم ، والتشكيك في الثوابت والمبادئ .
  ولذلك ، فإنني أطالب بسنّ القوانين التي تقنن دخول مثل هذه المنصات والشبكات لمجتمعاتنا ، أو دراسة كيفية ملاءمتها للفئات العمرية المختلفة ، وكيفية تناسبها مع أدياننا وثقافتنا .