الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مقارنة بشرية

صدى البلد

عندما نريد أن نقارن، هل نقارن بين ما يقبل المقارنة أم ما لا يقبل المقارنة؟ (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم) (البقرة:44). ما هو الأمثل أن نفكر أم ندع المهمة للغير ليقرر عنا؟ الأولى فيها احتمال الصح والخطأ بالإضافة للمخاطرة في مواجهة من سيحكم بناء على فهمه وخلفيته، والمخاطرة هنا بأن يتخذ المواجهة ليس بالحوار والحجة والمنطق، بل بالملاحقة والهجوم الشخصي! 

إن كان التفكير سيأخذ صاحب هذه العملية الشخصية الذاتية إلى التشويش بسبب التحرك فوق قشور من البيض ويطالب ألا يغير في شكلها، وليس عليه أن يعترض أصلا بأنها ليست أرضا سوية بل مجرد قشور، فالخواء الفكري يبدو طريقا مغريا! ولكن بما أن غيرك، وممن له وزن وأتباع، قد قرر بأنها أرض مسطحة وليست قشورا، إذن فما يراه؛ هو ما يجب أن تراه، وهو أيضا ما يجب أن تنطلق منه، تقبل هذا، ومن ثم انطلق ما شئت في عمليات التفكير، وماذا سينتج حينها.. فوضى من الأفكار، ليس لها ملامح بغموضها وعمقها، تترنح بين المنطق واللامنطق، رؤى تستطيع أن تتطوعها في هذه المدرسة الفكرية أو تلك... أفكار آمنة... آمنة... آمنة... فارغة!


أصبحت الثقافة "تيك أوي"، جملة من هنا وسطرا من هناك، ويصبح الحامل أو الناشر مفكرا أو مثقفا، ولو أنه عرض لجلسة حوار، فستجد إما هروبا وإما "تزأبقا" في المفاهيم، وتتهم بعدها بكل التهم القاموسية المستحدثة، وتوصم بأوصاف أقلها جاهل ومعارض يسعى خلف البلبلة! وعبثا تحاول أن تفهم مصدر أفكار هجومية تصل لحد غير إنساني تصاحبها أفكار تتسم بالرحمة والتعاطف، وجميعها تخرج من فرد واحد يحمل مسؤولية القلم والقيم! وإن حاولت أن تفصل بين ما هو إنساني وما هو غير إنساني، تركت لبراثين وأنياب الأتباع ينهشون بك، دون أي تدخل من المصدر الذي ينأى بنفسه عن الرد أو الحوار العقلاني، لأن من ليس مع كل ما يقدم ككل دون أي تجزئة إذاً فهو ضد مجموع ما يمثله المصدر، والذي من ضمنه القيم الإنسانية!


أنريد فوضى الفكر، نريد تلاقح الفكر، نريد مناورات ومناقشات، نريد النقد والمواجهة لا الإقصاء والتشهير، نريد فكرا يرتكز على تعمق في التاريخ والفلسفة والمنطق يُفعّل داخل نطاق حدود الله، يعمل من أجل بناء أرض الله، وهي لا تبنى بالسواعد فقط، بل بالأفكار أيضا، نريد أن نسمع ونقرأ لمخازن الفكر لا ممن يدعي الفكر، نريد السفن الضخمة للإبحار في هذا المجال، ونرفض أن نقاد من قبل أصحاب الزوارق الورقية! نريد أرضا من طين وماء وبذور. سورة هود: الآية 61»، ولو نظرنا إلى جميع الأنبياء سنجد أن لهم دوراً بارزاً في البناء والتعمير، فقد كان لكل واحد منهم عليهم الصلاة والسلام حرفة يعيش منها، فكان آدم حراثاً وحائكاً، وكانت حواء تغزل القماش، وكان إدريس عليه السلام خياطاً وخطاطاً، وكان نوح وزكريا نجارين، وكان هود وصالح تاجرين، وكان إبراهيم مزارعاً ونجار.