تمتلئ جعبة عالم الآثار الدكتور زاهي حواس، بالكثير من الأسرار والألغاز حول العديد من الاكتشافات الأثرية التي شارك فيها، أو التي فحصها، ومن أبرز تلك الاكتشافات مومياء الملك توت عنخ آمون، التي يكشف زاهي حواس عن العديد من الأسرار التي تخص الملك توت عنخ آمون، وحقيقة اللعنة التي اشتهروا بها.
فحص ودراسة مومياوات الملك توت عنخ آمون
ويقول زاهي حواس في كتابه "الحارس.. أيام زاهي حواس" الصادر عن دار نهضة مصر: "في بداية المشروع عام 2004 استعنت بالدكتور «صالح بدير»، وكان عميدا لكلية الطب جامعة القاهرة، لمست اهتمامه العلمي بالمشروع، وكان من رأيه أن نبدأ بدراسة مومياء «توت عنخ آمون»، بينما كنت أميل للبدء بدراسة مومياوات غير ملكية، واستقر الرأي في النهاية على دراسة مومياء «توت عنخ آمون»، واتفقنا على أن تحصل «ناشيونال جيوجرافيك» على حق تسجيل العمل تليفزيونيا مقابل جهاز الأشعة المقطعية الـذي أهدوه لنا، وكان ثمنـه 8 ملايين دولار ويستطيع تسجيل نحـو ألف صورة لكل مومياء، وتم تكليف براندو كويلتش الإيطالي Brando Quilici بمهمة التنسيق لعملية التسجيل التليفزيوني للقناة، في ذات الوقت رفضت أن تكـون نتائج المشروع حصرية لـ «ناشيونال جيوجرافيك»، فسمحنا لعدد قليل مـن الميديا بالحضور، على أن تقوم «نيفين العارف» مستشـارة الإعلام بإرسال نتائج البحث بالصور لكل القنوات التلفزيونية والصحافة، وقد اخترت «نيفين العارف» الصحفية بالأهرام ويكلي لكي تصبح المستشارة الإعلامية للمشروع وكانت مهمتها الاتصال بالقنوات الأجنبية وإرسال البيانات الصحفية لها، وقد قامت بمجهود جبار، ساعدها فيه الإذاعي «محمد حسين».
ويضيف: "بدأنا العمـل وسـافر د. «بديـر» مع «دي ميلر Dee Miller و «براندو Brando» إلى الواحات البحرية والأقصر ولكنهم اختلفوا في وجهات النظر، ولا أريد الخوض في الأسباب، بعد ذلك اتفقت مع «هشام الليثي» على أن يذهب بجهاز الأشعة المقطعية إلى الأقصر فسافر بالفعل لبدء العمل، ولكنني فوجئت بهجـوم حـاد من دكتور «صالح بدير» ورئيسي هيئة الآثار السابقين دكتور «جاب الله علي جـاب الله» ودكتـور «عبـد الحـليـم نـور الدين» ضـدي، وقال جاب الله إنهم يريدون معرفة العلاقة بيني وبين «ناشيونال جيوجرافيك»، لن أخوض في تفاصيـل مـا قالوه فالثلاثة الآن في ذمة الله، لكنني رددت عليهم وقتها من خلال برامج التلفزيون وسألت عن سبب الهجوم على المشروع، وبخاصة أنها المرة الأولى التي يتم فيها دراسة المومياوات بشكل علمي وبفريق مصري، وأننا من قبل - وللأسف الشديد - كنا نخدم الأجانب الذين كانوا يحصلون على المعلومات ويحتفظون بها لأنفسهم، بينما نحن نأخذ رسوم التصاريح بالعمل في الاكتشافات الأثرية، وقلت يومها إن هناك أستاذين في الآثار شغلا من قبل رئاسة الآثار، سمح أحدهما للتليفزيون الياباني عام 2000 بالحصول على عينات من مومياه الملك توت واصطحبهمـا للأقصر، إلا أن وزير الثقافة «فاروق حسني»، قرر إيقاف المشروع لأسباب لا أستطيع إعلانها في الإعلام؛ لذلك لم أفهم سبب الهجوم علي.
لعنة توت عنخ آمون
ويكمل: "هنا أود الإشارة إلى ما سبق وذكرته أننا تركنا مهمة التنسيق في التسجيل لقناة «ناشيونال جيوجرافيك» إلى الإيطالي براندو الذي كان يحدد علماء الآثار الذين سيتم التسجيل معهم والمقابل المادي الذي سيتقاضونه من القناة نظير الحديث العلمي، ولم أتدخل في ذلك إطلاقا، لم أهتم بالهجوم ولم ألتفت إليه، فكان تركيزي على المشروع وضرورة الخروج بنتائج علمية جديدة؛ لذلك سافرت إلى الأقصر ومعي صبري عبد العزيز رئيس قطاع الآثار المصرية، وكذلك د. «عبلة عبد السلام» من قطاع الترميم واشترك معنا أيضا «منصور بريك» و«علي الأصفر» و «مصطفى وزيري» من الأقصر، بالإضافة إلى «هشام الليثي»، ود. «هاني عبد الرحمن»، وقد وصل جهاز الأشعة المقطعية إلى وادي الملوك في مساء يوم 5 يناير 2005 أمام مقبرة الملك «توت عنخ آمون»، يومها تذكرت بداية قصص اللعنة عندما مات لورد كارنافون، بعد ٥ اشهر من كشفه مقبرة توت، وكيف أنه أعطى حق استغلال المقبرة والكتابة عن الكشف إلى صحيفة London Times، فكان الصحفيون الأجانب والمصريون يحصلون على معلومات الكشف من هذه الصحيفة، لذلك احتلـق الصحفيون العديد من القصص عن لعنة «توت عنخ آمون» بعد وفاة «اللورد كارنافان»، حتى إنهم قالوا: إن هناك نصا عثر عليه داخل المقبرة يشير إلى أن كل من سيدخل المقبرة سوف يموت ولذلك انتشرت قصة لعنة الفراعنة".
ويتابع زاهي حواس: "كما تذكرت أيضا أن «هيـوارد كارتر» كان يود فحص مومياء الملك بأشعة X ولكـن العـالم الذي كان سيتولى الفحص مات وهـو في طريقه إلى مصر، وعندما دخـل كـارتـر عـام 1925 إلى حجرة الدفـن لكي يكشف عن مومياء «توت عنخ آمون»، أزال ثلاثة توابيت من عليها، وكان من بينها التابوت الثالث الذي كان من الذهب الخالص، فوجد أن القناع الذهبي ملتصق بوجه المومياء تماما نتيجة استعمال مادة الراتنج، فحاول استخلاص القناع من على رأس «توت عنخ آمون» ولكنه لم يستطع، فأخـرج المومياء ووضعها تحت أشعة الشمس، ولكن دون جدوى، فأدخـل المومياء إلى مقبرة الملك سيتي الثـاني التي كان كارتر يستعملها كمعمل للترميم، وقام بإحضار سكاكين سخنها في النار وحاول إزالة القناع بها، وكان من نتيجة ذلك أن دمر المومياء تماما إلى نحو 18 قطعة، لم يكن كارنافون وكارتر الوحيدين اللذين أرادا فحص الملك بالأشعة ray-x ، فالإنجليزي هاريسون جاء عام 1968 لدراسة المومياء، وبعده الأمريكي «جيمس هاربي» عام 1978 من جامعة متشجان، وبعد ذلك لم يحدث أن تمت دراسة المومياء الأشعة المقطعية".
هل أصابت لعنة توت عنخ آمون فريق الفحص وفاروق حسني؟
ويشير زاهي حواس: "وفي اللحظة التي كان تفكيري فيها منصبا على لقاء الملك الذهبي وجها لوجه أثناء الرحلة إلى الوادي، دق جرس التليفون وكانت أختي أمينة على الخط تبلغني وفاة زوجها، وبعد أن وصلت إلى وادي الملوك وبينما أمامي العديد من الصحفيين مراسلون من التليفزيون الياباني، اتصل بي«ياسر شبل»، سكرتير «فاروق حسني» يبلغني أن الوزير فاجأته أزمة قلبية وتم نقله لمستشفى دار الفؤاد، وهو ما جعلني أتذكر قصص لعنة «توت عنخ آمون» لأتساءل بيني وبين نفسي عن صحتها، ورغم كل ما سبق استكملنا العمـل وأجرى التليفزيون الياباني حديثا معي، وبعد الانتهاء من الحديث أمام مقبرة «توت عنخ آمون» قامت عاصفة وسمعا صـوت البرق الشديد وغطت الأمطار وادي الملوك، فوجدتُ اليابانيين يجرون وهم يرددون إنها لعنة «توت عنخ آمون»".
مقابلة الملك توت عنخ آمون وجها لوجه
ويقول زاهي حواس: "ولقد صعب سقوط المطر مهمتنا جدا، لأننا كنا نود إخراج المومياء من المقبرة لوضعها تحت جهاز الأشعة المقطعية، فانتظرنا هـدوء الجو ثم دخلنا المقبرة وأزلنا التابـوت الـذي كان يعطي المومياء، وهنا قابلت «توت عنخ آمون» وجها لوجه وكانـت هـذه اللحظة من أهـم اللحظات في حياتي، أن أقابل الفرعون الذهبي الصغير، وأشـاهـد الـوجـه والعصبة التي تزين رأسه، وكذلك أسنانه التي كانت ظاهرة وواضحة، وعندما نظرت إلى أسفل لم أجد عضو الذكورة، بل وجدته ملقى بعيدا عن المومياء على الرمال التي وضعت المومياء عليها بعد فحصها عام 1978، وجاء «صبري عبد العزيز» و «عبلة عبد السلام» و «مصطفى وزيري» و«علي الأصفر»، ومعهـم العـمال، ونقلنا المومياء بحذر شديد إلى خارج المقبرة، ووضعتها داخل الجهاز للفحص، وبدأ د. «هاني عبد الرحمن» في تشغيل جهاز الأشعة، وللأسف وجدنا الماكينة معطلة تماما، وهنا جلست بجوار المومياء أفكر في كل الذي حدث خلال هـذا اليوم، وعرفت من د. هاني أن السبب في توقف الجهاز قد يكون ارتفاع درجة الحرارة، فأحضر مروحة ووضعها تجاه الجهاز، وبعد ساعة تقريبا عاد الجهار للعمل، وحصل د. هاني على الصور التي وصلت إلى حوالي 1000 صورة تقريبا، بعدها عدنا إلى القاهرة وبدأنا في تجميع العلماء الذين ذكرت أسماءهم من الأجانب والمصريين لدراسة المومياء مـن خـلال الـصـور التي حصلنا عليها، واستمعت إلى رأي د. «اشرف سليم»، أستاذ قـسـم الأشعة بقصر العيني وكان شخصية ذكية متمكنة من علمها، فاستطاع في اليوم الأول أن يصل إلى النتائج التي توصل إليها العلماء الآخرون على مدار ثلاثة أيام، وعرفنا نتائج مذهلة عن «توت عنخ أمون»، منها أنه توفي في عمر 19 عاما من خلال الصفة التشريحية لضرس العقل وعظام الجمجمة، وأن طوله كان 170 سم تقريبا، وأن أسنانه في حالة جيدة جدا نتيجة عناية خاصة بها في مراحل حياته المختلفة، كما تبينا أن رأس الملك عريض من الخلف بشكل غير معتاد دون وجود أي إثبات إن كان ذلك ناتجا عن مرض ما، كما وجدنا أيضـا انحناء في العمود الفقري وقد يكون ذلك نتيجة الوضع الذي وضع بـه جسـد الملك أثناء التحنيط، بمعنى أن هـذا الانحناء نتج بعـد الوفاة وليس في حياته، كما اكتشفنا أن جراح الجمجمة والعظام حدثت بعد الوفاة لا قبلها".
هل مات توت عنخ آمون مقتولا؟
ويضيف زاهي حواس: "ومن خلال ما توصلنا له عبر الأشعة المقطعية صححنا الكثير من المعلومات المتداولـة مـن قبـل عن الملك «توت عنخ آمون»، مثل موته مقتولا بسبب وجود فتحـة خلف الرأس أعتقد أنها نتجت عن ضربة ببلطة، ولكن اتضح لنا أن سبب وجـود هـذه الفتحة يعود لعملية التحنيط، ليتمكن المحنطون من إدخال مواد التحنيط داخل الجمجمة، بدلا من كسر عظمة الأنف، ومن ثم أعلنا للعالم كله أنّ «توت عنخ آمون» لم يمت مقتولا، كما اكتشفنا فقد بعض ضلوع القفص الصدري لـ «توت عنخ آمون»، وكان الاعتقاد السائد أنه نتج عن تعرض الملك لحادث بعد ركوبه عربة تجرها الخيول، وهو ما أدى لتحطم ضـلـوع الملك، ولكن يعتقد أن الضلوع تم فقدها من تأثير استعمال السكاكين لجمع التمائم من على المومياء، ولكن القلادة التي كانت ملتصقة بالرأس ووصفها لنا كارتر قد تم سرقتها عام 1968 أثناء فحص المومياء من الفريق الإنجليزي، وكانت تلك هي أغرب سرقة لملك مصري.
ويكمل: "أما صور الأشعة المقطعية فتؤكد أن الملك لم يعان من إصابات ظاهرة بمنطقة الصـدر، بل إن مظاهر التحطـم في منطقة الصدر قد تكون نتيجة لما فعله كارتر بالمومياء من أجل نزع مـا عليها من كنوز، ولكن عثرنا على كسر وجرح في مفصل القدم اليسرى وهو ما أكد علماء الأشعة أنه نتيجة لحادث وقع للملك قبل يومين من وفاته، كما تـم الكشف عن بعـض الأمراض التي عانى منها الملك من خلال تحليل الحمض النووي الخاص بـه، منها مشاكل في الدورة الدموية، وعدم وصول الدم لأصابع القدمين، ووجود نقرس بسيط في القدم اليمنى، عثرنا أيضا على آثار لمرض الملاريا الذي اكتشفنا أدلة انتشاره في تل العمارنة، وأن نسبة كبيرة من السكان هناك ماتوا بسببه، وهو ما قد يفسر العثور على أنواع من الفاكهة وأوراق الشجر داخل مقبرة الملك «توت عنخ آمون»؛ لأنها كانت تستخدم لخفض درجة الحرارة الناتجة عن الملاريا، كما وجدنا داخل المقبرة 130 عصا، منها عصا قيل إنه صنعها بنفسه، استعملها الملك «توت عنخ آمون» لمساعدته على المشي، وبخاصة أننا شاهدنا الملك توت في المناظر المصورة على إحدى المقاصير التي عثر عليها داخل المقبرة وهو يصيد الحيوانات المتوحشة وهو جالس، وهو ما يشير إلى مرضه الذي منعه من الصيد واقفا".
ويؤكد: "أعتقد أن سبب وفاة الملك توت حادث قد يكون وقع له في منف حيث يقيم في قصره، وسقط من عجلة وهو يصيد الحيوانات داخل وادي الغزلان الذي يقع بين سقارة والأهرام، ولتأكيد ذلك نسعى للحصول على جهاز جديد يمكن من خلاله معرفة هل أصيب بتسمم أم لا، وهي الخطوة التي أتمنى استكمالها في المرحلة الثانية من دراسة المومياوات الملكية".