الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

آمن وأرخص .. تعرف على "الدولار الرقمي" هدف أمريكا للاحتفاظ بالهيمنة

الدولار الرقمي
الدولار الرقمي

اتخذت أمريكا أخيراً خطوة كبرى حيال تطوير منظومة أمريكية موثوقة للأصول الرقمية، عندما أعلنت مؤخراً إطلاق “دولار رقمي تابع للاحتياطي الفيدرالي”.

وأوصت وزارة الخزانة الأمريكية، بالمُضي قدماً في تطوير الدولار الرقمي، كجزء من أول إطار شامل يتبناه البيت الأبيض بشأن تداول العُملات الافتراضية في البلاد، فيما تستهدف الخطوة الأمريكية الاحتفاظ بالسيطرة رقمياً، والاستعداد لاحتمالات أن يفقد الدولار الفعلي “الورقي” هيمنته التقليدية على النظام الاقتصادي العالمي.

يأتي هذه التحرك في أعقاب القرار التنفيذي الذي أعلنه الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في مارس الماضي، والذي لم يُوضح منهج الحكومة الأمريكية في التعامل مع الأصول الرقمية فحسب، بل أيضاً طالب عدّة جهات حكومية بالمشاركة في كتابة توصيات بشأن هذا المنهج.

وبحسب تقرير أصدره “المجلس الأطلسي”، وهو مؤسسة بحثية أمريكية غير حزبية، تحظى بثقل كبير على الساحة الدولية، فإن إدارة بايدن تتبنى رؤية إيجابية حيال الدولار الرقمي، مفادها أن بإمكانه تزويد الأمريكيين بحلول أسرع للمدفوعات، ومساعدتهم في تحسين طريقة تفاعلهم مع الحكومة، وكذلك البنوك.

وشأن الدولار الرقمي أن يوفر خيارات سداد “أسرع، أأمن، وأرخص”، على حد تعبير جانيت يلين وزيرة الخزانة الأمريكية. وفي ما يخص استقبال العالم للدولار الرقمي، ذكرت وزارة الخزانة الأمريكية في وقتٍ سابق، أنها ترغب بإجراء المزيد من المباحثات في هذا الشأن مع الدول الأخرى، وأن تتبادل معهم الخبرات والمعلومات بشأن الأصول الافتراضية.

وأكدت الوزارة أن إطلاق الدولار الرقمي يخدم المصلحة الوطنية الأمريكية، إلا أن ثمة مخاوف لدى الحكومة، بشأن الأمن القومي الأمريكي. 

ما الذي يعنيه ذلك؟

يعني أنه في ظل توجه الصين إلى إطلاق عملتها الرقمية الخاصة بها، ترغب أمريكا بالتأكد من كون نموذج العُملة الافتراضية الذي ستطلقه للعالم، سيحترم القيم الديمقراطية، ومنها على سبيل المثال، قيمة الخصوصية.

وتحتاج أمريكا إلى الإسراع نوعاً ما في هذا المسعى، لأنه بحسب تقرير “المجلس الأطلسي”، فإن أكثر من 100 دولة تمثل 95 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، تكتشف الآن الإمكانات المُتاحة لديها، لطرح عُملاتها المُشفّرة الخاصة بها.

ووفقاً للتقرير، تلعب روسيا دوراً أيضاً في هذا الشأن، ذلك أنه بعد اندلاع الأزمة بينها وبين أوكرانيا، وما نتج عنها من عقوبات اقتصادية على روسيا، فرضها الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، بدأت دول كثيرة تبحث إمكانية إيجاد نظام بديل للنظام الدولي الحالي للتحويلات النقدية، والذي يعتمد بالأساس على الدولار. لذا، تحتاج أمريكا إلى الوجود في مقدمة هذه التطورات، كيلا تفقد هيمنتها على النظام المُشار إليه.

وأكد التقرير أن واشنطن بدأت تهتم بالدولار الرقمي، خشية أن يفقد الدولار الفعلي هيمنته التقليدية على النظام الاقتصادي العالمي، بكافة معاملاته المالية وتحويلاته البنكية.

وفي حال بدأت بعض دول العالم في تبني العملات الرقمية، فهذا يعني تراجعاً في اعتمادها على الدولار في تعاملاتها المالية الخارجية، وإذا تبنّى عدد متزايد من دول العالم هذا التوجه، فهذا يعني نتيجة حتمية، ألا وهي أن يفقد الدولار نفوذه ويُصبح منبوذاً، وهي نتيجة لا تريدها واشنطن بالطبع. لذا، فكان التفكير في الدولار الرقمي، كي يبقى محتفظاً بالهيمنة العالمية، كشقيقه الفعلي.

وأفاد التقرير بأن طرح الدولار الرقمي، لا يزال بعيداً زمنياً، فمن المُنتظر أن يطرح الاتحاد الأوروبي “اليورو الرقمي”، في منتصف العقد الجاري، فيما سيأتي طرح الدولار الرقمي بعد ذلك، ما يعني أن الأمر سيستغرق عدّة سنوات.

ويتعين على أمريكا أن تقدم للعالم تجربة نموذجية، في ما يتعلق بطرح عملتها المُشفّرة، بحيث تتعلم دول العالم التي تفكر في اتخاذ نفس الخطوة. 

ويقتضي الأمر إشراك الكونجرس في عملية الطرح. وينبغي على الولايات المتحدة أيضاً ألا تنسى حقيقة أن الصين قد سبقتها كثيراً في العمل على إطلاق عُملة رقمية، حيث بدأت في عام 2016.

واستطرد التقرير، موضحاً أن الكونجرس يُشارك في الأمر بالفعل، وبنشاط محموم، ذلك أن الدولار الرقمي المُنتظر، سيخدم 260 مليون مواطن أمريكي.

وعليه، فإن الأمر يستحق الاهتمام. ولكن على الرغم من ذلك، فلا يوجد ثمة توافق في الآراء بين أعضاء الكونغرس حيال الدولار الرقمي، وهو ما يعني أن الكونغرس قد يستغرق وقتاً طويلاً قبل أن يُصدر تشريعاً بشأن الدولار الرقمي.

وما يؤكد هذا الاحتمال، أن جيم هايمز، عضو مجلس النواب، والذي يتولى رئاسة “لجنة الخدمات المالية الوطنية”، وهي لجنة فرعية منبثقة من “لجنة الأمن الوطني، التنمية الدولية والسياسة النقدية”، قد أجرى مقابلة تليفزيونية منذ عدة أيام، واستبعد فيها أن يكون الدولار الرقمي بعد طرحه، جزءاً من التعاملات المصرفية بين الأفراد على مستوى العالم.

وقال هايمز: “لا أستطيع القول، حسناً، سيخترق الدولار الرقمي عالم التعاملات المصرفية بين الأفراد. ثمة أشخاص يجادلون بأن الأفراد يجب أن يكونوا قادرين على فتح حسابات شخصية لدى الاحتياطي الفيدرالي، وآخرون يقولون إن الدولار الرقمي سيتخذ شكل تعاملات مصرفية عمومية عبر البريد. وبصفة شخصية، أرى أن فكرة الخدمات المصرفية عبر البريد، هي بكل تأكيد غير مسبوقة، وتستحق التفكير بشأنها”.

وليس كل الأمريكيين مرحبين بالدولار الرقمي، فهناك من يتخوف منه. 

ويسوق المتخوفون عدة أسباب لخوفهم. وفي مقدمها أن الأصول المشفرة عموماً، ما زالت غير خاضعة للتنظيم على مستوى العالم، وتعاني من تقلبات حادة.

على سبيل المثال، حققت العملات الرقمية في العام الماضي، عائدات بلغت نسبتها 70 %، إلا أنها في خلال العام الجاري، فقدت حتى الآن 60 % من قيمتها. 

ويتمثل السبب الثاني في احتمالية أن يُرسل أحد المتعاملين بالعملات المُشفّرة، مدفوعات إلى مستلم آخر بالخطأ، ففي هذه الحالة، قد لا توجد وسيلة لاسترجاع المدفوعات.