الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

إذا رأيتم الرجل يرتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان.. ما المقصود من الحديث؟

إذا رأيتم الرجل يرتاد
إذا رأيتم الرجل يرتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان

بين الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء المقصود بقول النبي ﷺ: «إذا رأيتم الرجل يرتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان»؛ حيث إن ارتياد المساجد خاصة في صلاتي العشاء والفجر دليل على تمسك هذا الإنسان، وعلى تعلق قلبه بالله سبحانه وتعالى، لا يستطيع إنسان أن يخادع كل هذا الخداع، قد يُخطئ وقد يكون فيه قصور في بعض الأحيان، ولكن هذه قضية أخرى، لكن الظاهر دائمًا هو عنوان الباطن.

 

فاشهدوا له بالإيمان

ولفت علي جمعة من خلال صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك إلى أن الظاهر عنوان الباطن ورد في كثير من الأحاديث هذا المعنى؛ فالنبي ﷺ يقول: «وإن أنُاسًا قد غرهم بالله الغرور» والغرور: هو الشيطان «يقولون: نحن نحسن الظن بالله، لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل».
وقال علي جمعة: "فالعمل بالرغم أنه ظاهر؛ إلا أنه دليلٌ على الباطن، ولا يدعي أحد وهو لا يعمل أن باطنه طاهرٌ نظيفٌ؛ لأن هذا غير الواقع، وغير ما دلنا عليه ربنا سبحانه وتعالى،  لافتا إلى أنه في هذا المعنى يقول ابن عطاء الله السكندري : «مَا اسْتُودِعَ في غَيْبِ السَّرَائِر: ظَهَرَ في شِهَادَةِ الظَوَاهِر» يعني ما كان في الداخل؛ فإنه لابد في يوم من الأيام أن يخرج إلى الخارج، سواء إن كان خيرًا فخير، وإن كان شرًّا فشر.
وزهير بن أبي سلمى وهو يقول:
ومهما تكن عند امرئ من خليقة   *   وإن خالها تخفى على الناس تعلم تعلموا
وأكد علي جمعة في بيان سر ارتباط الظاهر بالباطن، لأن هذا الذي يحاول أن يخفيه ممكن أن يخيفه بعض الزمن، ممكن أن يخيفه عن بعض الناس، يمكن أن يخفي عملًا دون آخر، أما أن يخفي نفسه هكذا دائمًا، فهذا لا يمكن، بل إنه سوف يظهر على جوارحه وعلى ظواهره ما هو مكنون فعلًا في قلبه وفي صدره.

وتابع: نعرفهم من لحن اللسان، فالذي في القلب في القلب، ولكن غلطات اللسان تدل على ما في القلب؛ ولذلك: «من أشرقت سرائره أنار الله وجهه وظواهره»؛ لأنه الإشراق الذي بالداخل يؤثر على الخارج، ولذلك كانوا يقولون: «من حُسن قيام ليله بالليل، حَسَّن الله وجهه بالنهار»، فهذا يصلي ركعات، في الخفاء، في الليل، في جوف الليل، لا يراها أحد، ولكن نرى وجهه مضيئًا ومنيرًا، وعليه جَلال في النهار.

وأكمل: كان أحد شيوخ مشايخنا وهو الشيخ محمد راشد رحمه الله تعالى وهو يخبر شيخه: بأنه كبر في السن، ويريد شيئًا يتقرب به إلى الله سبحانه وتعالى، وهو كان إمام التفسير في الحضرة الخديوية؛ وكان في هيئة كبار العلماء، عندما نشأت سنة 1911، وكان يدرس في الأزهر كثيرًا من العلوم ومنها التفسير. 

 

وقد سافر رحمه الله تعالى إلى تركيا من أجل أن يتعلم تجليد الكتب وتذهيبها، لأنه محب للكتب ومحب للفنون وللآداب.
وكان من مزايا هذا الشيخ رحمه الله أنه كان يحفظ «المعجم -لسان العرب-»، لسان العرب هذا عشرين جزء كان يحفظه عن ظهر قلب، ويستحضره.

يقول: جلست أربعين سنة، أصلي ركعتين بالليل، لا يعرف بهما أحد من البشر، لا زوجته أو أحد من ابناءه يعرف بهما، أربعين سنة يصلي ركعتين في الليل في السر- هذا عمل في السرائر، لكن الله سبحانه وتعالى كان قد وفق هذا الإنسان وألقى عليه القبول، وكان كل من ينظر إلى وجهه يرى فيه نورًا-.

عندما دخل الشيخ محمد أمين البغدادي بيت الشيخ محمد راشد وجد أن عنده مكتبة كبيرة جدًّا، وفيها كل الكتب تقريبًا المطبوعة حينئذ، فقال له: يا شيخ محمد، أنت قرأت كل هذا؟ قال: نعم، قال: فأين وجدت قلبك فيه؟-كل هذه معلومات، وعلم، وفضل، وشيء جميل، ولكن أين قلبك في هذا كله؟-

قال: من أجل ذلك أريد أن تعطيني شيئًا أقابل به ربي، وأشعر به بالخشوع والخضوع.

وكان الشيخ محمد راشد رجلًا منورًا، ولم يلتفت إلى ركعتين، أربعين سنة يجلس يصلي ركعتين كل يوم في جوف الليل، لم يلتفت إلى أن هذا كان سرًّا بينه وبين الله، لم يلتفت إلى كل هذا العلم الذي تعلمه، وكل هذه الفنون التي كان يتقنها.
وكان هؤلاء الناس لا يلتفتون إلى أنفسهم، ولا يعتبرون أن كل هذا الفضل الذي أقامهم الله فيه موجب لأي نوع من التكبر؛ ولذلك يسأل عن ما يقربه إلى الله سبحانه وتعالى.

وبين أن «مَا اسْتُودِعَ في غَيْبِ السَّرَائِر» غيب السرائر هذا قد يكون في النفوس، وقد يكون في الأعمال التي هى سر بينك وبين الله سبحانه وتعالى فإن الله سبحانه وتعالى يظهره. ولذلك لو جئنا في المقابل نجد الأمثلة العامية تؤكد هذا " الكذب مالوش رجلين"، فإن الكذاب يكذب مرة مرتين ثلاثة، ولكن يظهر كذبه بمرور الوقت، ونعرف أن هذا الشخص كذاب، وأن هذا الشخص فقد مصداقيته، حتى لو أن الكذاب هذا صدق؛ فإن الناس لا تصدقه، لأنه قد كذب، وكذب، وكذب حتى صار الكذب له خلة أو سَرِيرة، وهذه السريرة مذمومة؛ لأن النبي ﷺ عندما سئل: أيكذب المؤمن؟ قال: «لا».

وشدد علي جمعة أن الكذب في عصرنا هذا أصبح بلاءً مستحكمًا، ومما يروى من الطُرف : أن رجلًا كان يخطب في يوم الجمعة فلما اختار لنفسه خطبة عن الصدق، والناس سرت منها كثيرا؛ لأن الخطبة كانت مستوفية، وكانت تدعو إلى الصدق، ولكنه كررها في كل يوم جمعة، يتكلم عن نفس الخطبة عن الصدق، فسُئل في ذلك: هل لا يوجد إلا الصدق؟ فقال: أتركتم الكذب، حتى أترك أنا الدعوة إلى الصدق.