خطيب المسجد الحرام: إخلاص العبادة وإقامة الدين وصية الله لأنبيائه ورسله

قال الشيخ الدكتور ياسر الدوسري، إمام وخطيب المسجد الحرام، إنَّ إخلاصَ العبادةِ للهِ وإقامةِ الدِّينِ، وصيةُ اللهِ لأنبيائِهِ ورسلِهِ عليهِمُ الصلاةُ والسلامُ، فقدْ وصَّى بذلكَ نوحاً وإبراهيمَ، وعيسَى وموسَى الكليمَ، ومحمداً خاتَـمَ النبيِّينَ والمرسَلينَ.

وصية الله لأنبيائه 

واستشهد الدوسري خلال خطبة الجمعة اليوم من المسجد الحرام بمكة المكرمة، بما قالَ الله تعالى في مُحكمِ التنزيلِ: (شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِۦ نُوحٗا وَٱلَّذِيٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ وَمَا وَصَّيۡنَا بِهِۦٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰٓۖ أَنۡ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُواْ فِيهِۚ)، وقدْ تَضافرتِ الآياتُ في ترسيخِ هذا المعنَى إعادةً وتأكيداً، فمَا مِنْ رسولٍ بُعِثَ في أمةٍ إلا وقدْ صدَّرَ دعوتَهُ بهذَا الأصـلِ العـظـيمِ، وقال الله تعالى : (وَلَقَدۡ بَعَثۡنَا فِي كُلِّ أُمَّةٖ رَّسُولًا أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجۡتَنِبُواْ ٱلطَّٰغُوتَۖ).

وأوضح أنه قدْ دلّتْ نصوصُ الوحيين على عِظَمِ أمرِ التوحيدِ، وكونِهِ أصلُ الأعمالِ وأساسُهَا، فإنْ وجِدَ قُبلتْ، وإنْ عُدِمَ تبددتْ، كمَا بيّنتْ أنَّ الشياطينَ مَا فتئتْ تَترصدُ لبني آدمَ تجتالُـهُمْ وتُغويهِمْ عنْ دينِ اللهِ وإخلاصِ العبادةِ لهُ، قدْ أقسمَ إبليسُ على ذلكَ كمَا حكَى اللهُ عنهُ في كتابِهِ: (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغۡوِيَنَّهُمۡ أَجۡمَعِينَ ، إِلَّا عِبَادَكَ مِنۡهُمُ ٱلۡمُخۡلَصِينَ).

ودلل في الحديثِ القُدسي يقولُ اللهُ سبحانَهُ: "إني خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وإنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عن دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عليهم ما أَحْلَلْتُ لهمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بي ما لَمْ أُنْزِلْ به سُلْطَانًا" أخرجَهُ مُسلمٌ، منوهًا بأن مِنْ تمامِ نِعَمةِ اللهِ على عبادِهِ أنْ نَصَبَ لهمْ للحقِّ مَناراتٍ وبيناتٍ، منَ الدلائلِ والآياتِ، يهتدِي إليهَا مَنْ وَفّقَهُ ربُّ الأرضِ والسماواتِ.

مَنْ أَطلقَ نظرَهُ 

وأضاف أن مَنْ أَطلقَ نظرَهُ في الكونِ وتفكّرَ، وأمعنَ النظرَ في كتابِ اللهِ وتدبَّرَ، عَلِمَ أنَّ اللهَ خَلَقَ الناسَ على الفِطرةِ السَّويّةِ، ودَلَّـهُمْ عليهِ بالآياتِ الكونيّةِ، وأَرسلَ إليهمُ الرُّسلَ بالـحُجَجِ القويّةِ، فسهَّلَ لعبادِه السَّاعِينَ إلى مَرضاتِهِ سبيلاً فأَقرُّوا لهُ بالعبوديةِ، وحذَّرَ سبحانَهُ مِنْ عِصيانِهِ النفوسَ الغويّةِ، وامتنَّ اللهُ عزَّ وجلَّ على عبادِهِ بما سخّرَهُ لهمْ في السماواتِ والأرضِ منْ نعمِهِ العظيمةِ، وآلائِهِ الجسيمةِ، مما ينتفعونَ بهِ في حياتِهمْ حالاً ومآلاً.

وأشار إلى أنَّه قالَ سبحانَهُ: (ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ فِرَٰشٗا وَٱلسَّمَآءَ بِنَآءٗ وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجَ بِهِۦ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزۡقٗا لَّكُمۡۖ)، حيثُ ذَكَـرَ سبحانَهُ قرارَ العالَـمِ، وهو الأرضُ، وسقفَهُ وهو السماءُ، وأصولَ المنافعِ وهو الماءُ الذي أنزلَهُ منَ السماءِ، ثمَّ قالَ: (فَلَا تَجۡعَلُواْ لِلَّهِ أَندَادٗا وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ)، فتأملوا هذه النتيجةَ، وشدةَ لزومِهَا لتلكَ المقدماتِ قبلَهَا.