الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الإفلاس أم الفوضى المجتمعية.. تداعيات أزمة الطاقة تهدد أوروبا بخيارات مؤلمة.. وهذه روشتة القارة العجوز للخروج من الأزمة

الإفلاس أو الفوضى
الإفلاس أو الفوضى المجتمعية .. كارثة تداعيات أزمة الطاقة على
  • مخاوف حقيقية ... تلك تصريحات أحد أكبر دول أوروبا 
  • أول شتاء بلا غاز روسي ... تداعيات اقتصادية فادحة 
  • استراتيجية بوتين تستهدف تركيع القارة العجوز في معركة عض الأنامل 
  • محاولة البحث عن حل .. هذا ما توصلوا إليها 
  • لماذا إذا تستمر الأزمة ... هذا سبب عدم جدوى الحلول
  • هل لا يوجد بارقة أمل ... حلول تحتاج إلى جهد ووقت 

 

"خياران كلاهما كارثي .. إما الإفلاس أو انتظار الفوضى داخل المجتمعات الأوروبية مع تفاقم التضخم نتيجة الأزمة هذا هو مصير أوروبا إذا لم تجد حلول لتداعيات الأزمة" .. هكذا أصبحت نبرة تصريحات المسئولين الأوروبيين بعد إدارك عدم جدوى الإجراءات التي تم إتخاذها لمواجهة أزمة الطاقة الحادة الغير مسبوقة من أزمة الطاقة في سبعينات القرن الماضي.

وفي إطار الحرب الشاملة بين الغرب وروسيا، التي شملت كافة الجبهات بعيدا عن جبهة المواجهة العسكرية داخل أوكرانيا، أصبحت أوروبا تبحث عن حل لتوفير بدائل لـ150 متر مكعب هو إجمالي صادرات الغاز الروسي للكتلة الأوروبية، والتي انخفضت بشكل تدريجي وعلى وشك التوقف نهائيا ممع الخلاف على التسعير، وهنا تكون التداعيات ما بين إفلاس لتفاقم فاتورة البدائل، أو الفوضى لكارثة آثار التضخم على العائلات.

مخاوف حقيقية ... تلك تصريحات أحد أكبر دول أوروبا 

وفي تصريحات غير مسبوقة تعكس حقيقة تلك المخاوف من تداعيات الأزمة، قال نائب رئيس البرلمان الألماني "البوندستاج"، فولفجانج كوبيكي، أمس السبت، إن ألمانيا تخاطر بأن تصبح دولة مفلسة ومختلة وظيفيا إذا فشلت في معالجة أزمة الطاقة واستمرت في سياساتها المالية غير المتوازنة.

وقال كوبيكي لصحيفة "فيلت أم زونتاج" الألمانية: "إذا واصلنا هذا الأسلوب وأردنا تقديم مساعدات الطاقة لسنوات، فقد نواجه إفلاس الدولة بدلاً من اشتراكية الدولة"، مضيفا:  "الأموال الإضافية التي تخطط ألمانيا الآن لإنفاقها على واردات الطاقة من أماكن أخرى غير روسيا سيتم سحبها من مناطق أخرى، حيث لا يمكن طباعة الفائض على آلة طباعة النقود أو تغطية دافعي الضرائب.

وأضاف كوبيكي: "يشعر الكثير من الناس أن ألمانيا في طريقها لأن تصبح دولة مختلة من حيث البنية التحتية، والحوكمة، وأسعار الطاقة، وعجز الجيش الألماني عن الدفاع عن بلاده، لذلك علينا اتخاذ إجراءات مضادة وإلا فقد تسوء الأمور".

فيما حذر رئيس وزراء هِنْغاريا، فيكتور أوربان، في وقت سابق من مخاطر توقف الصناعة الشتوية بأوروبا، قائلا : "القارة قد تشهد وقفا لعمل 40% من صناعاتها في الشتاء على إثر توقف الغاز  الروسي".

أول شتاء بلا غاز روسي ... تداعيات اقتصادية فادحة 

وهنا يصف الكثير من الخبراء الاقتصاديين الأزمة داخل أوروبا بأنها الأكبر بعد انتهاء الحرب العالمية، حيث تواجه منظومة الطاقة في أوروبا أزمة غير مسبوقة، فقد انقطع عنها هذا العام ما يزيد على 80% من إمدادات الغاز الروسي اللازم لأغراض التدفئة والعمليات الصناعية وتوليد الكهرباء.

وكان من تداعيات تلك الأزمة أن ارتفعت أسعار الجملة للكهرباء والغاز بنحو 15 ضعفًا منذ أوائل عام 2021، مما أثّر تأثيرًا حادا على الأسر المعيشية والشركات، ومن المتوقع أن تزداد المشكلة سوءًا، فأوروبا ربما تكون على وشك أن تواجه أول فصل شتاء لها بدون الغاز الروسي، الأمر الذي ينطوي على مخاطر حدوث ارتفاع أكبر في الأسعار ونقص في الغاز وركود اقتصادي كبير، وذلك وفق تقارير هيئات دولية، ومنها صندوق النقد الدولي.

وكان لذلك أيضا إرهاصات للفوضى المجتمعية، وهو ما شهدته عواصم أوروبا من مظاهرات غاضبة لرفض آثار التضخم، وزيادة الأسعار الغير مسبوقة في كافة مناحي الحياة، وعلى رأسها الطاقة، وكذلك كان هناك وجه آخر لتلك الفوضى، وذلك عبر إضرابات كارثية شلت الحياة داخل مفاصل بالدولة للمطالبة بزيادة الأجور لتعويض الغلاء. 

استراتيجية بوتين ... تركيع أوروبا في معركة عض الأنامل 

في المقابل يزيد من الأزمة استراتيجية بوتن، الباحث عن تركيع أوروبا بطول النفس في معركة عض الأنامل، وذلك عبر سياسة السلوك العدواني بالخداع، وإلقاء اللوم على المشترين لأنهم لا يدفعون ثمن مشترياتهم من الغاز بالروبل على سبيل المثال، رغم أنه بذلك ينتهك العقود، أو بالقول إن هناك أسبابا فنية وراء انخفاض الإمدادات، وفي النهاية تقليل الإمدادات وزيادة الضغط على شعوب أوروبا، والعمل على بدائل له بالتصدير للصين.

ووصف ماريو دراغي رئيس وزراء إيطاليا هذه المبررات الروسية بأنها "أكاذيب". وهدف بوتين واضح، وهو إجبار أوروبا على استنزاف مخزوناتها في موسم البرد بفصلي الخريف والشتاء، مع ترحيبه بأسعار الطاقة المرتفعة الناتجة عن هذا النقص، والتي تضر بالمستهلكين الغربيين وتثير توترات اجتماعية وقد تمثل اختباراً لصلابة الاتحاد الأوروبي، وهنا سيصبح بوتين مبتهجاً.

محاولة البحث عن حل .. هذا ما توصلوا إليها 

وخلال اجتماعات ومشاورات طالت أشهر الصيف بالكامل للبحث عن حلول، توصلت الحكومات الأوروبية إلى إصدار مجموعة من الاستجابات على صعيد السياسات، هدفت إحدى فئات هذه السياسات إلى التخفيف من تأثير ارتفاع التكاليف على المستهلكين والشركات، ويتضمن ذلك حدودًا قصوى لأسعار التجزئة، وتعريفات تخضع للتنظيم، وبرامج دعم لصالح الشركات كثيفة الاستهلاك للطاقة، ومساندة شركات الطاقة بالسيولة أو رأس المال، بما في ذلك عمليات التوطين.

فيما تهدف فئة أخرى من التدابير إلى تحقيق الاستقرار على مستوى أسعار الجملة وخفضها وضمان أمن الطاقة، وشمل ذلك سياسات للتشجيع على تحقيق وفْرٍ في الطاقة وزيادة العرض، بل وأيضًا وضع حدود قصوى لتكاليف الطاقة، خاصة أسعار الجملة للغاز.

لماذا إذا تستمر الأزمة ... هذا سبب عدم جدوى الحلول

وفي ورقة بحثية لمركز الأبحاث الأوروبي "بروغل"، المتخصص في السياسات الاقتصادية، فإن نظام الطاقة في أوروبا يواجه ضغوطًا غير مسبوقة لم نشهدها منذ صدمات النفط في السبعينيات، وهذه التدابير لا توفر حلولًا واقعية، لسببين: أولهما تضارب الأهداف، فالدعم أو وضع حدود قصوى للأسعار يمكن أن يؤدي إلى تفاقم المشكلة الأساسية نتيجة ازدياد الطلب.

وثانيهما التداعيات العابرة للحدود، فقد يستفيد المستهلكون في أحد البلدان من دعم استهلاك الطاقة، غير أن هذا الدعم قد يؤدي أيضًا إلى زيادة الاستهلاك، الأمر الذي يترتب عليه ارتفاع أسعار الجملة في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، والإضرار بالمستهلكين في بلدان أخرى.

وجاء بالورقة، أنه قد يأتي إخضاع جميع أسعار واردات الغاز للتنظيم بنتائج عكسية، الأمر الذي يتعذر معه جذب ما يكفي من الغاز إلى الاتحاد الأوروبي ويسفر عن ارتفاع الأسعار، وقد عملت روسيا ضد مصلحتها بعد أن خفضت الإمدادات إلى أوروبا بنسبة 80%،  ولكن إذا أرادت أن تثأر من خلال التوقف عن إمداد النسبة المتبقية التي تبلغ 20%، فقد يصبح الأمر أسوأ من ذي قبل.

هل لا يوجد بارقة أمل ... حلول تحتاج إلى جهد ووقت 

وفي تقرير موسع عن تلك الأزمة، وضع خبراء بصندوق النقد الدولي رؤية لحلول قد تحدث حلحلة لتلك الأزمة، لكنها تحتاج إلى جهد وتفكير مبتكر، مع الاحتياج لفترة زمنية للشعور بنتائج ملموسة، حيث خلصت تلك الروشتة، أنه من خلال تقييمٌ لخيارات السياسات المتاحة إلى استنتاج واضح، وهو أن أفضل منهج لعلاج المشكلتين يتمثل في تنسيق الجهود بين الحكومات لخفض الطلب على الطاقة وزيادة العرض، مع الإبقاء على أسواق الطاقة الداخلية مفتوحة، وحماية المستهلكين المعرضين للمخاطر.

وأوضح التقرير المنشور على موقع الصندوق، أنه من شأن هذا الوضع في نهاية المطاف التشجيع على التوسع في توليد الكهرباء من المصادر المتجددة وزيادة الكفاءة في استخدامها، وتلك حلول تحتاج إلى وقت، ولكن لابد من اتخاذ إجراء لمعالجة المشكلة من جذورها، من خلال خفض مستوى أسعار الطاقة وتقلباتها في أسواق الجملة الأوروبية.

وأشار التقرير إلى إمكانية تعميم تجربة إسبانيا والبرتغال وهي ما أصبح يُعرف باسم "الاستثناء الأيبيري"، والذي جرى في إطاره وضع حد أقصى لسعر الغاز المستخدم في توليد الكهرباء، ويَحُدُّ هذا الأمر بفعالية من تكلفة الكهرباء، وأثبتت هذه السياسة فعاليتها في احتواء تكاليف الجملة للكهرباء، وهنا يجب اتخاذ تدابير تحد من أثار تلك الخطوة على زيادة أسعار الغاز على نحو يضر بالمستهلكين، الذين يستخدمون الغاز استخدامًا مباشرًا.

واقترحت الروشتة، ضرورة أن يستفيد الاتحاد الأوروبي من قوته الشرائية بوصفه ثاني أكبر اقتصاد مُجَمَّع في العالم بعد الولايات المتحدة. بأن يتفاوض كمشترٍ واحد مع موردي الغاز. وقد يشكِّل ذلك مكسبًا لجميع الأطراف، في ظل احتياج الموردون أيضًا إلى عقود طويلة الأجل لإدارة خطط الاستثمار بشكل أفضل.

وبالطبع يكون ذلك مع ضرورة أن يضاعف الاتحاد الأوروبي من إمدادات الطاقة المحلية في الأجل القصير، عبر زيادة إنتاج الغاز الداخلي في دولة مثل هولندا، ووعبر ألمانيا بمواصلة تشغيل محطات الطاقة النووية التي كان من المقرر إغلاقها.