الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

عام من الحرب في أوكرانيا.. كيف صمدت مصر بوجه الأزمة الاقتصادية؟

الحرب في أوكرانيا
الحرب في أوكرانيا

فرضت الحرب الروسية الأوكرانية التي انطلقت شرارتها في 24 فبراير 2022 تحديات عدة على دول العالم الثالث خاصة تلك التي تعتمد على البلدين المتنازعين في توفير احتياجاتهم من السلع الاستراتيجية من الحبوب والقمح.

وكانت أولى التحديات التي فرضتها الحرب الروسية الأوكرانية "التي فشلت كل الوسطات الدولية في وقف عجلتها"، الأمن الغذائي وتوافر الحبوب والقمح بعد توقف سلاسل الإمداد لعدة أشهر عقب استهداف الموانئ الأوكرانية.

تفاقم أزمة الأمن الغذائي بإفريقيا 

وأدت الأزمة الأوكرانية - حسب تقرير أُصدر في ديسمبر 2022 من قبل  المكتب الإقليمي لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة في الشرق الأدنى وشمال أفريقيا إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والأسمدة العالمية إلى مستويات قياسية، وشكلت تحدياً خطيراً للدول العربية بما يهدد تعافيها من التداعيات الاقتصادية لأزمة كوفيد -19.

علاوة على ذلك، أدى ارتفاع أسعار الغذاء العالمية إلى زيادة كبيرة في تضخم أسعار المواد الغذائية المحلية، وزيادة فواتير الواردات الغذائية، والضغط على الموازين التجارية واحتياطيات النقد الأجنبي في المنطقة.

ونظراً لأن الاتحاد الروسي وأوكرانيا من الموردين الرئيسيين للقمح والحبوب الأخرى وزيت عباد الشمس إلى المنطقة العربية، فقد تسببت الأزمة بين البلدين في حدوث نقص كبير في العرض.

ونتيجة الجفاف وانخفاض الإنتاج المحلي، ازدادت متطلبات استيراد الحبوب في عامي 2022 /2023 في البلدان العربية.

كما تحدث التقرير عن الإجراءات التي اتخذتها بعض الدول العربية للصمود أمام تحدي الامن الغذائي، ومنها؛

  • مصر قامت بدعم الزراعة المحلية، وتوسيع مساحة زراعة محاصيل القمح لزيادة الاكتفاء الذاتي.
  • قامت بعض الدول بزيادة أسعار شراء الإنتاج المحلي تماشياً مع الزيادات في الأسعار العالمية مثل الجزائر، تونس، والعراق.
  • توفير التخزين الممتاز للقمح مثل المغرب، ودعم مياه الري مثل الجزائر.
  • توفير الأعلاف بأسعار مخفضة لتعويض ارتفاع تكاليف الأعلاف الحيوانية مثل المغرب.
  • زادت العديد من بلدان المنطقة الإعانات المقدمة للفئات الضعيفة من السكان وعززت مخزوناتها الغذائية، على سبيل المثال، أدت زيادة الاحتياطيات الغذائية في الأردن إلى الحد من تضخم أسعار المواد الغذائية في الآونة الأخيرة.

واستكمل التقرير: نظراً لاعتمادها على أسواق السلع الدولية، وعلى روسيا وأوكرانيا إلى حد كبير، تسعى العديد من بلدان المنطقة إلى زيادة تنويع الواردات لتشمل دول مثل البرازيل أو الأرجنتين أو الهند.

الدول الأكثر تضرر من الحرب

كان هناك اجتماعاً في مدينة شتوتغارت الألمانية لوزراء الزراعة في مجموعة دول السبع، لبحث تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا وتأثيره الأوسع على أسعار الغذاء والطاقة.

وقال شو دونيو، مدير عام منظمة الفاو، إنه استنادا إلى التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية الصادر في 4 مايو 2022، فقد عانى حوالي 193 مليون شخص في 53 دولة أو إقليم من انعدام الأمن الغذائي الحاد في أوقات الأزمات أو مستويات أسوأ، وهذا يمثل زيادة بنحو 40 مليون شخص مقارنة بأرقام عام 2020 القياسية بالفعل.

ومن بين هؤلاء، تم تصنيف أكثر من نصف مليون شخص في إثيوبيا وجنوب مدغشقر وجنوب السودان واليمن في المرحلة الأشد من كارثة انعدام الأمن الغذائي الحاد.

وذكَّر شو حينها - بأن "ارتفاع الأسعار دائما ما يكون له تداعيات على الأمن الغذائي، لا سيما بالنسبة للفقراء".

وقد وصل مؤشر الفاو لأسعار المواد الغذائية إلى أعلى مستوى له على الإطلاق في مارس 2022، وبلغ متوسطه 158.2 نقطة في أبريل 2022.

وفقًا لتقرير صادر عن مجموعة الأمـم المتحدة للاسـتجابة للأزمات العالمية المعنيـة بالأغذية والطاقة والتمويل" في يونيو 2022، فإن ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة أثر على أكثر الفئات ضـعفًا في المجتمع، لا سيما في البلدان النامية، حيـث يـتم إنفاق أكثر من 50% من دخـل الأسـر المعيشـية الأشـد فقـرًا علـى الغـذاء، بالإضـافة إلـى أن زيـادة بنسـبة 10% في أسعار المواد الغذائية مما أدى إلى تآكل القوة الشرائية لهذه الأسر بأكثر من 5% أو ما يقارب ما تنفقه الأسر الفقيرة في البلدان النامية في المتوسـط على الصحة.

كما أفاد البنك الدولي - بأن كل نسبة مئوية زيادة في أسعار المواد الغذائية، سيترتب عليه دفع 10 ملايين شخص إلى الفقر المدقع.

وتعد مصر أكبر مستورد للأقماح عالميًّا، وتأثرت كغيرها من دول العالم بتداعيات الحرب، حيث إن مؤشر متوسط استهلاك الفرد عالميًّا من القمح، وهو نحو 67 كيلوجرامًا فقط للفرد على مستوى العالم، أما متوسط نصيب الفرد في مصر فهو نحو 156.1 كيلوجرام، أي أن المواطن المصرى يستهلك نحو 90 كيلوجراما زيادة عن المتوسط العادى، بينما أصبح في الوقت الحالى سلعة صعبة الاستيراد في ظل الحرب الناشبة بين الروس والأوكرانيين، الموردين الأوائل لها.

تعامل مصر مع أزمة نقص القمح؟

واعتمدت الدولة على خطتها لزيادة إنتاج القمح للوصول لتلك النسبة من الاكتفاء عن طريق إضافة 2 مليون و100 ألف فدان، منها 600 ألف فدان في توشكى حيث تم زراعة 230 ألفًا منها في 2022.

وصرحت الدكتورة هالة السعيد، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية، بأنه من المستهدف رفع نسبة الاكتفاء الذاتي من إنتاج القمح المصري إلى 65% بحلول 2025، عوضًا عن 41.4% في 2020 حسب آخر إحصاء صادر من جهاز التعبئة العامة والإحصاء في مايو 2022. 

وكشف مجلس الوزراء في سبتمبر 2022، أنه لأول مرة أصبح الاحتياطى الاستراتيجي لمصر من القمح يكفى 7 أشهر.

وأصدرت وزارة التجارة والصناعة، مارس 2022، قرارًا بوقف تصدير القمح، بالإضافة للفول الحصى والمدشوش، والعدس والدقيق بجميع أنواعه والمكرونة، وذلك لمدة 3 أشهر من تاريخ إصدار القرار، للحفاظ على المخزون الاستراتيجى، نتيجة للحرب العالمية.

كما قال في وقت سابق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن الحرب في أوكرانيا تؤدي إلى تفاقم أزمة ثلاثية هي الغذاء والطاقة والأزمة المالية في جميع أنحاء أفريقيا.

وسببت الحرب بين البلدين تداعيات كبيرة أيضاً على قطاع الطاقة في إفريقيا، حيث إنه وفقاً لتقرير البنك الدولي في سبتمبر 2022، فقد شهد النصف الأول من عام 2022 واحدة من أكبر الصدمات في أسواق الطاقة التي شهدها العالم على مدى عقود، حيث أدَّت جائحة كورونا، والحرب في أوكرانيا إلى ارتفاع حاد لأسعار الطاقة فاقم النقص في إمدادات الطاقة والقلق بشأن أمن الطاقة.

وأكد التقرير، أن أسعار الطاقة تأثرت بها معظم البلدان، لكن العبء الأكبر يقع على كاهل البلدان النامية، لاسيما البلدان المستوردة للطاقة، حيث إن نحو 90 مليون شخص في آسيا وأفريقيا لم يستطيعون تحمل تكاليف تلبية احتياجاتهم الأساسية من الطاقة. 

في الوقت نفسه، أثَّر ارتفاع أسعار الطاقة على السلسلة الكاملة لإمدادات إنتاج الغذاء وتوزيعه مُتسبِّباً في زيادة أسعار الغذاء أيضا، وما له من عواقب مدمرة على أشد الفئات فقرا واحتياجا.

مرونة قطاع الطاقة في مصر 

بحسب دراسة قام بها المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية في يناير 2023 فتمتلك مصر إمكانيات كبيرة ومتنوعة من مصادر الطاقة المختلفة، وبفضل الاستراتيجية التي وضعتها مصر لتحقيق استدامة الطاقة و بجانب ضخ استثمارات ضخمة وإقامة عدد من المشروعات؛ تمكنت الدولة من تحقيق طفرة في القطاع محليًا، وإبراز دورها الهام في انتقال الطاقة عالميًا، مما ساهم في تقدم مصر 5 مراكز في مؤشر التحول الفعال للطاقة الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي.

وبالرغم من تعطل قطاع الطاقة بسبب الانهيار العالمي في الطلب على الطاقة، إلا أن قطاع النفط والغاز المصري أظهر مرونة في مواجهة الأزمة، واستمر في تحقيق العديد من النجاحات الرائعة حتى وقتنا الحالي؛

  • بلغ إنتاج مصر من النفط الخام 574 ألف برميل يوميًا، مقارنة 564 في يوليو 2022، وعلى الرغم من تذبذب إنتاج مصر من النفط الخام بشكل كبير في الأشهر الأخيرة، إلا أنه اتجه إلى الزيادة من أكتوبر 2021 وحتى أغسطس 2022 ليصل إلى 574 ألف برميل يوميًا، وفقًا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، ويمكن متابعة تطور إنتاج مصر من النفط.
  • خلال عام 2022 ارتفع إنتاج مصر من الغاز الطبيعي بشكل طفيف بحسب تقرير صادر عن البنك الدولي، وساهمت زيادة الإنتاج في تسجيل إيرادات مصر من تصدير الغاز الطبيعي 8 مليارات دولار في السنة المالية 2021/2022، وبحسب وزارة المالية فإن مصر تحقق مكاسب بنحو 500 مليون دولار شهريًا من صادرات الغاز الطبيعي وتهدف إلى رفع هذا الرقم إلى مليار دولار خلال الفترة المقبلة.
  • استطاعت مصر أن تصل إلى زيادة مساهمة قطاع الطاقة المتجددة من إنتاج الطاقة لتصل إلى 6.2% عام 2021 مقارنة بـ5.4% عام 2005، وسجل إنتاج الطاقة الكهرومائية 13878جيجاوات/ساعة، بينما سجلت مشروعات طاقة الرياح نحو 5737 جيجاوات/ ساعة، أما الإنتاج من الطاقة الشمسية فقد بلغ حوالي 4393 جيجاوات/ ساعة، خلال عام 2021/2022، بحسب بيانات هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة.

وذكرت الدراسة أنه وفقًا لتوقعات مؤسسة التمويل الدولية فإن مصر ستتفوق على جنوب إفريقيا في العقد القادم لتصبح أكبر سوق للكهرباء في إفريقيا، ولتحقيق ذلك هناك ضرورة أن تعمل مصر على جذب استثمارات ذكية مناخيًا بقيمة 2 ترليون جنيه بحلول عام 2030.