الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نزلاؤه حليقو الرؤوس مغطين بالوشم.. قصة سجن تيكولوكو العظيم تروي نهاية حربًا عالمية على الجريمة بالسلفادور.. وتفاصيل مثيرة حول المعتقلين وأعدادهم

سجناء سجن تيكولوكو
سجناء سجن تيكولوكو

"سجناء بيض حليقو الرؤوس، جُردوا من ملابسهم إلا سراويل بيضاء قصيرة، يركضون عبر السجن الجديد إلى زنازين، وقد غطت أجسامهم الوشم الشهير لأكبر عصابات العالم".. هكذا يكون هذا الوصف، هو القاسم المشترك بين كافة كتب التاريخ، وسيناريوهات الأفلام التي ستدون وتجسد الحرب العالمية ضد الجريمة المنظمة، والتي دارت رحاها في بلد صغير بأمريكا اللاتينية – وهي السلفادور – إلا أن آثارها سوف يشعر به دول عظمى.

ومشهد نقل أول دفعة من سجاء تلك العصابات إلى السجن الأعظم في تاريخ الأمريكتين، والذي نشر اليوم، يجعلنا نرصد قصة تلك الحرب، والتي تحوي في تفاصيلها حبكات مثيرة، تجعلها مادة ثرية لكتاب السيناريوهات، ففي تلك القصة، نجد قصة شاب من أصول فلسطينية، وكيف وصل إلى سدة الحكم في دولة مثل السلفادور، ومعاركه الفكرية، وشعبيته الطاغية، ومعها قصة عصابات دولية، كان مقرها تلك البلد الصغير ... وتلك أبرز محطات تلك المعركة.

المشهد الأخير حتى الآن ... رسالة لقوة لدولة  


آخر مشاهد تلك المعركة، كان ما تم نشره اليوم، بقيام حكومة السلفادور بنقل الآلاف من أعضاء العصابات المشتبه بهم إلى "مبنى ضخم" تم افتتاحه حديثًا، وهي الخطوة الأخيرة في حملة كبرى مثيرة للجدل على الجريمة تسببت في ارتفاع عدد نزلاء السجون في الدولة الواقعة في أمريكا الوسطى، ومع توثيق المشهد في مقطع فيديو تفصيلي، كتب الرئيس نجيب أبوكيلة على تويتر: "سيكون هذا منزلهم الجديد ، حيث لن يكونوا قادرين على إلحاق المزيد من الأذى بالسكان"، وكأنها رسالة تعبر عن قوة الدولة بعد المعركة التي استمرت أشهر، كان بها صدامات ومداهمات وقتلى في طرقات الشوارع.

وقد تم نقل حوالي 2000 من أعضاء العصابة المتهمين إلى "مركز احتجاز الإرهاب" (Cecot)، والذي يتسع لـ 40 ألف سجين، والذي يعتبر أكبر سجن في الأمريكتين، حيث شوهد في مقطع الفيديو الذي نشره الرئيس بنفسه، سجناء جُردوا من ملابسهم وهم يرتدون سراويل بيضاء وحلق رؤوسهم وهم يركضون عبر السجن الجديد إلى زنازين، والكثير منهم تحمل أجسادهم وشم العصابة، وهذا الرقم من السجناء هو زهيد، في ظل معرفة أن عدد المقبوض عليهم في تلك الحملة على الحصابات، وصل إلى 64 ألف سجين حتى الآن.

نجيب أبو كيلة .. الفلسطيني الذي قاد تلك المعركة

بالتأكيد سوف يكون أحد أهم محاور سيناريو تلك المعركة الكبرى على الجريمة، هو الرئيس الذي بدأ تلك المعركة، وهو صاحب الإسم والأصول العربية نجيب أبو كيلة، صاحب الـ42 عاما فقط - مواليد 24 يوليو 1981 - وهو سياسي ورجل أعمال سلفادوري، أُنتخب رئيساً للسلفادور في 3 فبراير 2019، ويُعد أول رئيس سلفادوري مستقل من خارج الحزبيين الوطنيين (الذين حكما السلفادور منذ عام 1988) ممثلاً لحزب يمين الوسط.

نجيب والدته هي أولغا أورتيز أبو كيلة، ووالده هو آرماندو أبو كيلة قطان،  وهو رجل أعمال مرموق من أصل فلسطيني، وقد اعتنق الإسلام وصار إماماً في مساجد السلفادور، أسس أولى شركاته وهو في سن الثامنة عشرة، وانتخب عمدة مدينة نويفو كوسكتلان في عام 2012 بحصوله على 49.7% من الأصوات. كما انتخب عام 2015 عمدة مدينة سان سلفادور بحصوله على 50.3% من الأصوات، وهي المناصب التي أعطته شعبية جارفة أهلته للفوز بانتخابات الرئاسة في 2019، بل وجعلت حزبه صاحب الأغلبية الساحقة في مجلس النواب السلفادوري، وتلك القوة السياسية دفعته للبدء في تلك المعركة.

البداية جرائم بشعة في مارس 2020

وترجع بداية تلك الحرب على الجريمة، إلى شهر مارس 2020، وذلك بعد إعلان البلاد حالة الطوارئ في أعقاب مقتل 62 شخصا في يوم واحد، في جرائم بشعة هزت السلفادور من الداخل، ونشرت حالات الهلع والخوف داخل الأسر، ومثل ماوريسيو أريازا مدير الشرطة المدنية الوطنية ووزير العدل جوستافو فيلاتورو، ووزير الدفاع رينيه ميرينو أمام البرلمان، في جلسة تاريخية للمطالبة بفرض حالة الطوارئ والتي تتيح الاستغناء عن إصدار مذكرات توقيف.

ولم يكن اتخاذ هذا القرار والموافقة عليه من البرلمان أمرا هينا، في ظل أن إجراءات الطوارئ مثيرة للجدل لأنها تحد من بعض الحقوق الدستورية، مثل السماح لقوات الأمن باعتقال المشتبه بهم دون مذكرة توقيف، وقد تم تقسيم الخطة، إلى عدة مراحل، وتم إطلاق إسم على كل مرحلة يعبر عن أهداف تلك المرحلة، وكان آخر تلك المراحل التي يتم تنفيذها هي المرحلة الخامسة، والتي أطلق عليها وفقا لوسائل الإعلام اللاتينية، خطة السيطرة الإقليمية (PCT)، وتسمى "الاستخراج"، والتي سيتم من خلالها اعتقال آخر مجرم في مجتمعات الدولة، وهو أمر سيستغرق بعض الوقت وفقًا لـ تقديرات جديدة لعدد أفراد العصابة الذين ما زالوا طلقاء أو مختبئين.

64 ألف معتقل ... رقم كارثي بدولة تعدادها 6 مليون فقط

ووفقا للإحصائيات الرسيمة، فقد قامت القوات المشتركة من الجيش والشرطة بالسلفادور بإعتقال نحو 64 ألف شخص يشتبه في انتمائهم إلى عصابات، منذ أن أطلق الرئيس تلك الحملة، ويقدر العدد الرسمي لعدد أفراد العصابات، ويسمون بـ"الإرهابيين" بـ 118000 شخص، وذلك الرقم يشمل من يحمل السلاح من المنتمين لتلك العصابات فقط، وهو رقم ضخم في ظل دولة لا يتخطى عدد سكانها 6 مليون نسمة.

وستسمح هذه الإحصائية الجديدة للسلطات بالإبقاء على حالة الطوارئ موضع التساؤل لعدة أشهر، وقد تستمر حتى نهاية 2023، قبل الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 4 فبراير 2024، بالتزامن مع تعهد الرئيس بإبعاد جميع أفراد العصابات الذين يواصلون ارتكاب الجرائم في أحياء ومستعمرات سلفادور، حتى  لو تطلب الأمر تسييج بعض البلديات.

عصابات ماراس .. السلفادور الأولى عالميا في الجريمة

ويرجع تاريخ السلفادور من عصابات الجريمة المنظمة الدولية، منذ تسعينات القرن الماضي، فتلك العصابات هي من مخلفات الحرب الأهلية الى سبق أن شهدتها السلفادور والتي  استمرت 12 عاماً بين اليساريين واليمنيين، وانتهت باتفاقية سلام في عام 1992، لكن المظاهر المصاحبة للحرب لم تنته مع فقدان الأمن خلال مجريات الحياة اليومية بالبلاد، فالسلفادور تقبع على ذروة معدلات الجريمة، في ظل انتشار عصابات الجريمة المنظمة بها، إذ يبلغ معدل جرائم القتل بالسلفادور 61.7 حالة لكل 100 ألف نسمة، وهو معدل ضخم يجعلها الأولى دون منافس.

وينتمى نحو 69 % من السجناء إلى عصابة "مارا سالفاتروتشا" الشهيرة المعروفة بـ "ام اس-13"، أو "عصابات ماراس"، في مقابل 17,7 % منهم ينتمون إلى فرع "سورينوس" من "باريو 18" و12,7 % إلى فرع "ريفولوسيوناريوس" من المجموعة عينها، وعصابة "إم إس-13(بالإنجليزية: MS-13)" هي عصابة إجرامية دولية نشأت في لوس أنجلوس، كاليفورنيا، وتنتشر في أجزاء أخرى من الولايات المتحدة وكندا والمكسيك وأمريكا الوسطى، وتتكون غالبية العصابة عرقيا من أبناء أمريكا الوسطى (ومعظمهم السلفادور) وتنشط في المناطق الحضرية وشبه الحضرية.

سجن تيكولوكو العظيم الدار الأخيرة لتلك العصابات

وكما هو المنزل الأخير لأفراد العصابات داخل السلفادور، كذلك هو آخر فقرات التقرير، فهو سجن دشنته السلفادور خصيصا لمكافحة العصابات، حيث ستكون ظروف الاعتقال قاسية على الأرجح كما هي طبيعة المساجين القامعين به، وقالت السلطات السلفادورية إن سجن تيكولوكو العملاق المخصص لأربعين ألفا من أفراد تلك العصابات، وهو الأكبر في القارة الأميركية، وقد تم بناء السجن على بعد 74 كيلومترًا جنوب شرقي العاصمة، بأمر الرئيس. 
والسجن مؤلف من ثمانية مبان تبلغ مساحتها ستة آلاف متر مربع وجدرانها من خرسانة مسلّحة، وفي كل مبنى 32 زنزانة مساحتها مئة متر مربع تقريبًا سيُكدّس فيها "أكثر من مئة" موقوف، حسبما قال وزير الأشغال العامة روميو رودريغيز، وستضمّ كل زنزانة مغسلتين ومرحاضين فقط، ولن يكون بإمكان السجناء مغادرة زنزانتهم أبدًا إلا للذهاب إلى غرفة الاتصالات عبر الفيديو لحضور جلسات استماع قضائية أو إلى السجن الانفرادي الذي لا نوافذ ولا إضاءة فيه، ولن يكون تحت تصرفهم إلا 80 سريرًا معدنيًا.

وقال مدير السجن للصحافيين وفق ما نشرته صحيفة الديلي ميل البريطانية، وهو يضع قناعًا على وجهه حتى لا يتم التعرف على هويته، "وفقًا لما تقرر بشأن المعتقلين، لن يكون هناك فراش في الزنازين، وستسمح أبواب هذه الزنازين للحراس بمراقبتها باستمرار، لا سيما من خلال شبكة كبيرة من عشرات الكاميرات، ويضم السجن أيضًا غرف طعام وغرف استراحة وصالات رياضية وطاولات لكرة الطاولة، وذلك للاستخدام الحصري للحراس".

وبُني هذا المكان، المعروف رسميًا باسم "مركز حجر الإرهاب"، على أرض مساحتها 166 هكتارًا منها 23 هكتارًا للمباني التي يلفّها جدار طوله كيلومتران وارتفاعه 11 مترًا مع سبعة أبراج مراقبة وسياج مكهرب، وقد استغرق بناء السجن عمل ثلاثة آلاف عامل على مدى سبعة أشهر، حسبما قال وزير الأشغال العامة، وستُشغَّل كاميرات وآلات مسح الجسم لفحص جميع الداخلين إلى موقع السجن، وسيراقب مجمع السجن ليلًا نهارًا 600 جندي و250 شرطي بينما ستمنع معدات التشويش الإلكترونية أي اتصال بالهواتف المحمولة للسجناء.