لمصر والسيسي

لم يعرف مصر من لم ينزل إلي التحرير أمس الأول ويذوب في نهر الملايين التي استدعاها نداء الوطنية لتعلن أن للصبر حدودا, وأن من يهددها في أمنها وحياتها تفوض أجهزة الدولة الأمنية ـ جيشا وشرطة ـ في مواجهته.
عدسات التلفزيون تسجل الصورة من أعلي.. تسجل الرءوس المتلاصقة والأعلام الملوحة وبساط البشر الذي يغطي الميادين والكباري والشوارع. ولكن عدسات التلفزيون لا تكشف هذه الملايين من الداخل. من أعلي يبدو أن من يشارك يختنق, لكن من داخل النهر يشعر المشارك أنه يعيش أكثر أمنا ومحبة وصفاء, فليس أحن علي الناس أكثر من حنوهم علي بعض. كأن الجميع أفراد أسرة واحدة. لم أشهد وجها لم تكن الابتسامة تتقدمه, ولا سمعت جملة مسيئة تجاه شخص ولا شابا تحرش بفتاة أو متزاحما دفع الآخرين كي يفوت. شاهدت مصر من داخل الميدان سبيكة فريدة متماسكة من مسلمين ومسيحيين رجالا ونساء شيوخا وشبابا. شاهدت سيدة تجلس علي كرسي متحرك تدفعها إبنتها وهما مصرتان علي أن تكونا حاضرتين وفاء لضريبة طلب منهما سدادها. شاهدت مباهج عشرات الأفراح المتناثرة في الميدان رغم الزحام وقد تحولت إلي حلقات أغان أصبحت تستخدم اسم السيسي في كل أغنية. شاهدت الكراسي التي تم رصها وسط الميدان للسيدات وكبار السن وهم جميعا يجلسون في هدوء يطلون علي مصر الأمل والمحبة. وعربة الكشري التي لم تعد عليها حبة أرز, وبائعة الشاي الفتاة الصغيرة تخترق الزحام بأكوابها المليئة قاصدة من طلبوها دون أن تمتد يد لتخطف كوب, وباعة الأعلام الذين تعودوا أن يحملوا تجارتهم إلي كل مظاهرة, ولكن هذه الليلة كان هناك ظهور قوي لباعة صور الفريق أول السيسي التي انتشرت في الأيادي المرفوعة.
قبل أن أنزل الميدان ومن خلال الصور التي كان ينقلها التلفزيون, كان تفكيري أن أكتب هذا العمود بعنوان لمصر لا للسيسي, ولكن بعد أن نزلت الميدان والتقطت الذاكرة الصور المرفوعة للسيسي والهتاف باسمه كأمل, شعرت أن ملايين كثيرة جاءت من أجل مصر والسيسي أيضا. وهي مسئولية كبيرة ندعو الله أن يوفقه فيها.
نقلا عن الاهرام .