الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

عجز وحداد وغربة داخل الوطن.. هكذا كانت للعيد مرارة داخل السودان

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

لا تبدو الأسر السودانية منشغلة كثيراً بـ عيد الفطر المبارك وتفاصيله بل بأوضاع البلاد وكيفية توقف القتال الدائر حالياً، فقد حل عيد الفطر على السودانيين وقلوبهم فيها غصة وحزن وحداد، وبدل تبادل التهاني ما زالت البلاد تتلقى أنباء ارتفاع أعداد القتلى والجرحى جراء المواجهات الدامية بين الجيش وقوات الدعم السريع، واستيقظت العاصمة الخرطوم صباح اليوم الجمعة على أصوات إطلاق الرصاص ودوي المدافع وغابت ملامح الفرح المعهودة، وبدت الشوارع حزينة على رغم محاولات تخطي الألم.

وإزاء هذا الوضع اقتصرت صلاة عيد الفطر المبارك لغالبية المواطنين في ميادين قريبة من المنازل وبأعداد قليلة مقارنة بالأعياد السابقة، إذ كان الناس يحرصون على التلاقي صباح العيد للصلاة في ساحات شهيرة مثل ميادين المولد والمساجد الكبرى في الخرطوم، وذلك وفق تقرير نشرته صحيفة اندبندنت.

وحل عيد الفطر المبارك هذا العام في أجواء من الأحزان والخوف والترقب والهلع، لم تسمح للمواطنين بالاستمتاع بالفرحة وأمنيات صلاة العيد، ولا خبائزئه ولا فرح الأطفال الممتد بطول البلاد وعرضها، مع نقص حاد في المواد الغذائية وإغلاق معظم الصيدليات وخروج عشرات المستشفيات من الخدمة، ويعود العيد هذا العام ولسان حال السودانيين يردد "بأي حال عدت يا عيد". 

يقول حسان جمال، أحد المواطنين بمنطقة الشجرة في الخرطوم، إن "الحزن أطبق على أرجاء البلاد، وغيبت الحرب قسرياً عادات أصيلة في هذه المناسبة السعيدة بوصفها سانحة للتصافي والتسامح والعفو، ولم يفلح كثيرون في الوصول إلى أسرهم خشية تعرضهم للخطر"، مضيفاً أن "الأعياد أصبحت كئيبة على السودانيين منذ أحداث عام 1989، وإعدام 28 ضابطاً من الجيش في عيد الفطر لعام 1990، وعادت حكومة، ثم عادت شلالات الحزن مجدداً في 2013، قبل أن تتكرر المأساة عبر الفض العنيف لاعتصام القيادة العامة في عام 2019".

 

تبدد الفرحة

 

على غير العادة في مثل هذه الأيام من كل عام احتفى معظم الناس في منازلهم لتختفي ملامح فرحة العيد ومظاهره المعهودة، ويتبدد بريقه حتى في عيون الأطفال، مما خلف بهجة منقوصة بعدما عجزت غالبية الأسر عن شراء كسوة العيد التي ينتظرها الصغار بفارغ الصبر ويحسبون الأيام في كل عام بجانب الألعاب والهدايا. كما أرغم فرض الحصار القسري ونيران القصف، الأطفال على البقاء مع عائلاتهم ولم يتمكنوا من الذهاب إلى الحدائق العامة للعب والترفيه.

وتقول فاطمة عبد القادر، ربة منزل، إن وجود أسرتها في مناطق الأحداث الملتهبة جعلها تعجز عن توفير حاجات العيد لأطفالها لذلك لم تقدم المعايدة لجيرانها بعدما عجزت عن شراء ثياب جديدة للصغار"، مضيفةً أن "كثيرين تعاملوا مع عيد الفطر كيوم عادي لا يختلف عن بقية الأيام نظراً إلى ظروف الحرب وتمدد الأحزان".

من جهته يقول الباهي الصادق وهو أب لخمسة أطفال، "لم أستطع حتى اليوم الأخير من رمضان شراء كسوة العيد لأطفالي كي يفرحوا مثل غيرهم لأن الأسعار مرتفعة والمال المتوفر بين يدي لا يكفي لسعر الملابس والأحذية المطلوبة"، مشيراً إلى أنه يشعر بخيبة أمل كبيرة كونه فشل في إسعاد أبنائه

 

لكن المواطن خالد بابكر من منطقة الموردة في أم درمان نجح في توفير مستلزمات العيد، وعن ذلك يقول إن "الأولويات في مثل هذه الظروف الصعبة والغلاء الفاحش هي للأطفال، لأنهم يتمتعون باهتمام كبير لدى الأسر، لذلك حرصت على شراء كل حاجاتهم وصرفت النظر عن الجلباب الأبيض والعمامة والشال والثوب والحذاء لي ولزوجتي"

 

أسواق مغلقة

 

حظر التجوال وخطورة الوضع الأمني أديا إلى إغلاق معظم الأسواق الأمر الذي جعل من الصعب استجابة أصحاب المحال لمتطلبات المواطنين، وانعدمت معظم السلع أو ارتفعت أسعارها، في ظل عدم قدرة غالبية الناس على شرائها وعجزهم عن مجاراة الأسعار، ويتخوف التجار من تعرض المحال للقصف بعدما احترقت أجزاء كبيرة من أسواق العاصمة الخرطوم.

 

إلى ذلك لا تبدو الأسر السودانية منشغلة كثيراً بالعيد وتفاصيله، بل بأوضاع البلاد وكيفية توقف القتال الدائر حالياً، وتقول تهاني أحمد عبدالقادر (45 سنة)، ربة منزل، "منذ سنين طويلة نستقبل عيد الفطر بكل جديد فضلاً عن إعداد المخبوزات، لكن اختفاء الدقيق من الأسواق وارتفاع أسعار بقية المكونات حرمنا من صنعه في المنزل، أما التفكير في شراء حلويات وخبائز جاهزة فذلك يبدو ضرباً من المستحيل في ظل الظروف التي نعيشها، بخاصة أن التزامات شهر رمضان كانت استنزفت كل الموارد على قلتها، وحذرت ربة المنزل السودانية من تفاقم الأوضاع المعيشية بعد العيد مباشرة لأن الأسر صرفت ما لديها وستدخل عقب العطلة في دوامة إيجارات المنازل وفواتير الغذاء والدواء"

 

هجرة إلى الولايات

 

وخلت ولاية الخرطوم من غالبية مواطنيها الذين غادروها قاصدين الولايات السودانية المختلفة يبحثون عن الأمان وما يسد رمقهم في ظل تدهور الأوضاع والافتقار إلى الغذاء وخدمات المياه والكهرباء، وأغلقت المنازل والمحال التجارية وسط حركة نزوح كبيرة.

أحد المواطنين بمنطقة حمد النيل في أم درمان، ويدعى الشافعي محمد الرضى قال "استقبلنا العيد تحت أزير الرصاص ودوي المدافع ولم نوفق في أداء الصلاة بالمساجد مع خرق الهدنة بين الجيش وقوات الدعم السريع"، مضيفاً "للمرة الأولى نستبدل عبارة كل عام وأنتم بخير ، كتهنئة تقليدية بحلول عيد الفطر بعبارات أخرى نتمنى بها السلامة لبعضنا وأن ينعم السودان بالاستقرار".

من جهته يقول المواطن الحسين محمد علي إن "العيد كان اجتراراً للأحزان من دون ابتسامات أو زيارات كتلك التي ألفناها في الأعياد السابقة، لأن الشوارع غير آمنة في ظل تبادل إطلاق النار".

وكان الحسين من الذين تقطعت بهم السبل مثل عدد كبير ممن اعتادوا السفر لقضاء عطلة العيد مع ذويهم في الأقاليم، وبات يستشعر الإجازة كأنها "سجن"، لأن القتال الدائر حالياً قطع العاصمة عن الولايات وحرمه من المغادرة إلى أسرته الكبيرة.